الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          أي بيان ما يثبت به الخيار منها وما لا خيار به ( وأقسامها ) أي العيوب ( المثبتة للخيار ثلاثة ) . منها ( قسم يختص بالرجل ) وثبوت الخيار لأحد الزوجين إذا وجد بالآخر عيبا في الجملة . روي عن عمر وابنه وابن عباس ; لأنه يمنع الوطء ، فأثبت الخيار كالجب والعنة ، ولأن المرأة أحد العوضين في النكاح فجاز ردها بعيب كالصداق ، ولأن الرجل أحد الزوجين فثبت له الخيار بالعيب في الآخر كالمرأة .

                                                                          وأما العمى والزمانة ونحوهما فلا يمنع المقصود بالنكاح وهو الوطء ، بخلاف الجذام والبرص والجنون ، فإنها توجب نفرة تمنع من قربانه بالكلية ويخاف منه التعدي إلى نفسه ونسله . والمجنون يخاف منه الجناية فهو كالمانع الحسي ( وهو ) أي القسم المختص بالرجل ثلاثة أشياء أحدها ( كونه ) أي الرجل ( قد قطع ذكره ) كله ( أو ) قطع [ ص: 676 ] ( بعضه ولم يبق ) منه ( ما يمكن جماع به ويقبل قولها ) إن اختلفا ( في ) إمكان الوطء بما بقي منه و ( عدم إمكانه ) أي الوطء ; لأنه يضعف بالقطع والأصل عدم الوطء . الشيء الثاني ذكره بقوله ( أو قطع خصيتاه أو رضت بيضتاه ) أي عرقهما حتى ينفسخ ( أو سلا ) أي بيضتاه ; لأن فيه نقصا يمنع الوطء أو يضعفه .

                                                                          وروى أبو عبيدة بإسناده عن سليمان بن يسار أن ابن سعد تزوج امرأة وهو خصي فقال له عمر : أعلمتها ؟ قال : لا . قال : أعلمها ثم خيرها الشيء الثالث : أشار إليه بقوله ( أو عنينا لا يمكنه وطء ولو لكبر أو مرض ) لا يرجى برؤه مأخوذ من عن يعن إذا اعترض ; لأن ذكره يعن إذا أراد أن يولجه أي يعترض ; وثبوت الخيار لامرأة العنين بعد تأجيله سنة .

                                                                          روي عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود والمغيرة بن شعبة وعليه فتوى فقهاء الأمصار ; لأنه قول من سمي من الصحابة ولا مخالف لهم ، ولأنه عيب يمنع الوطء فأثبت الخيار كالجب . وأما قصة عبد الرحمن بن الزبير فلم تثبت وقال ابن عبد البر : وقد صح أن ذلك كان بعد طلاقه فلا معنى لضرب المدة ( فإن ) علم أن عجزه عن الوطء لعارض كصغر ومرض يرجى زواله ، لم تضرب له المدة . فإن ادعت امرأة عنة زوجها ( وأقر بالعنة أو ثبتت ) عنته ( ببينة ) قال في المبدع : فإن كان للمدعي بينة من أهل الخبرة والثقة عمل بها ( أو عدما ) أي الإقرار والبينة ( فطلبت يمينه فنكل ) عن اليمين ( ولم يدع وطئا ) قبل دعواها ( أجل سنة هلالية ) ولو عبدا ( منذ ترافعه ) ; لأنه قول من سمينا من الصحابة ، ولأن العجز قد يكون لعنة وقد يكون لمرض فضربت له سنة لتمر به الفصول الأربعة . فإن كان من يبس زال في فصل الرطوبة وبالعكس ، وإن كان من برودة زال في فصل الحرارة . وإن كان من احتراق مزاج زال في فصل الاعتدال .

                                                                          فإن مضت الفصول الأربعة ولم يزل علم أنها خلقة ( ولا يحتسب عليه منها ) أي السنة ( ما اعتزلته ) أي مدة اعتزال الزوجة له ( فقط ) لأن المنع من قبلها ولو عزل نفسه أو سافر احتسب عليه من ذلك ( فإن مضت ) السنة ( ولم يطأ . فلها الفسخ ) لما تقدم ( وإن قال : وطئتها وأنكرت ) وطأه ( وهي ثيب فقولها إن ثبتت عنته ) قبل دعواه وطأها ; لأن الأصل عدم [ ص: 677 ] الوطء وقد انضم إليه وجود ما يقتضي الفسخ وهو ثبوت العنة ( وإلا ) تثبت عنته قبل دعواه وطأها .

                                                                          ( ف ) القول ( قوله ) ; لأن الأصل السلامة ( وإن كانت ) مدعية عنته ( بكرا وثبتت عنته وبكارتها أجل ) سنة كاملة كما لو كانت ثيبا ; لأن وجود العذرة يدل على عدم الوطء ; لأنه يزيلها ( وعليها اليمين إن قال ) زوجها ( أزلتها ) أي البكارة ( وعادت ) لاحتمال صدقه ( وإن أشهد ) بالبناء للمفعول أي شهدت بينة ( بزوالها ) أي البكارة ( لم يؤجل ) ; لأنه لم يثبت له حكم العنين لتبين كذبها لثبوت زوال بكارتها . ( وحلف ) لزوما ( إن قالت زالت ) بكارتها ( بغيره ) أي غير وطئه لاحتمال صدقها ( وكذا ) لا يؤجل ( إن لم تثبت عنته ) ( وادعاه ) أي الوطء ولو مع دعواها البكارة ولم تثبت ; لأن الأصل في الرجال السلامة ويحلف على ذلك لقطع دعواها فإن نكل قضي عليه بالنكول ( ومتى اعترفت بوطئه ) أي زوجها ( في قبل ) لها ( بنكاح ترفعا فيه ولو ) قالت وطئني ( مرة ) واحدة ( أو في حيض أو نفاس أو إحرام أو ردة ونحوه ) كصوم واجب .

                                                                          ( ولو ) كان إقرارها بالوطء ( بعد ثبوت عنته فقد زالت ) عنته لإقرارها بما يتضمن زوالها وهو الوطء ( وإلا ) بأن كان إقرارها بالوطء في القبل قبل ثبوت عنته ( فليس بعنين ) لاعترافها بما ينافي دعواها ، ولأن حقوق الزوجية من استقرار المهر ووجوب العدة تثبت بالوطء مرة وقد وجد ( ولا تزول عنة بوطء غير مدعية ) ولو في قبل ; لأن حكم كل امرأة يعتبر بنفسها ، ولأن الفسخ بدفع الضرر الحاصل بعجزه عن وطئها وهو لا يزول بوطء غيرها ( أو ) أي ولا تزول عنة بوطء مدعية ( في دبر ) ; لأنه ليس محلا للوطء أشبه الوطء فيما دون الفرج ولذلك لا يتعلق به إحصان ولا إحلال لمطلقها ثلاثا . ( ومجنون ثبتت عنته كعاقل في ضرب المدة ) لأن مشروعية الفسخ لدفع الضرر الحاصل بالعجز عن الوطء ويستوي فيه المجنون وغيره فإن لم تثبت عنته لم تضرب له مدة .

                                                                          ( ومن حدث بها جنون فيها ) أي المدة التي ضربت لزوجها العنين ( حتى انتهت ) المدة ( ولم يطأ فلوليها ) أي المجنونة ( الفسخ ) لتعذره من جهتها وتحقق احتياجها للوطء بدليل طلبها قبل جنونها ( ويسقط حق زوجة عنين و ) زوجة ( مقطوع بعض ذكره بتغييب الحشفة ) من سليمها كسائر أحكام الوطء ( أو ) تغييب [ ص: 678 ] ( قدرها ) أي الحشفة من مقطوعها ليكون ما يجزي من المقطوع مثل ما يجزي من الصحيح

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية