الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              جماع أبواب خصائصه صلى الله عليه وسلم في فوائد تتعلق بكلام عن الخصائص

                                                                                                                                                                                                                              الباب الأول فيما اختص به عن الأنبياء عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام في ذاته في الدنيا

                                                                                                                                                                                                                              الأولى .

                                                                                                                                                                                                                              خص صلى الله عليه وسلم بأنه أول الأنبياء خلقا .

                                                                                                                                                                                                                              روى الحسن بن سفيان وابن أبي حاتم في تفسيره وابن مردويه ، وأبو نعيم في الدلائل من طرق عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح [الأحزاب 7] الآية قال : «كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث» فبدئ به قبلهم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي شيبة وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه قال : ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث» .

                                                                                                                                                                                                                              الثانية .

                                                                                                                                                                                                                              وتقدم نبوته صلى الله عليه وسلم وكان نبيا وآدم مجندل في طينته .

                                                                                                                                                                                                                              روى أبو نعيم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله ، متى جعلت نبيا ؟ قال : «وآدم مجندل في الطين» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن مطرف بن الشخير رضي الله عنه أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم متى كنت نبيا ؟ قال : «بين الروح والطين من آدم» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رجل : يا رسول الله ، متى أخذ ميثاقك ؟ قال : «وآدم بين الروح والجسد» .

                                                                                                                                                                                                                              الثالثة .

                                                                                                                                                                                                                              وبأنه أول من قال بلى ، يوم ألست بربكم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الحافظ أبو سهل القطان في «جزء من أماليه» عن سهل بن صالح الهمداني قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي [كيف صار محمد صلى الله عليه وسلم يتقدم الأنبياء ، وهو آخر من بعث ؟

                                                                                                                                                                                                                              قال : إن الله تعالى لما أخذ من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم : ألست بربكم ؟ كان محمد صلى الله عليه وسلم أول من قال : «بلى» ، ولذلك صار يتقدم الأنبياء وهو آخر من بعث] . [ ص: 275 ]

                                                                                                                                                                                                                              الرابعة .

                                                                                                                                                                                                                              وبخلق آدم عليه الصلاة والسلام وجميع المخلوقات لأجله عليه السلام .

                                                                                                                                                                                                                              الخامسة .

                                                                                                                                                                                                                              وبكتابة اسمه الشريف على العرش ، وكل سماء الجنان ، وما فيها ، وسائر ما في الملكوت .

                                                                                                                                                                                                                              السادسة .

                                                                                                                                                                                                                              وبذكر الملائكة له في كل ساعتها .

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن عساكر عن كعب الأحبار رضي الله عنه قال : إن الله تعالى أنزل على آدم عصيا بعدد الأنبياء والرسل ، ثم أقبل على ابنه شيت ، فقال : يا بني ، أنت خليفتي من بعدي ، فخذها بعمارة التقوى ، والعروة الوثقى ، وكلما ذكرت الله عز وجل فاذكر إلى جنبه اسم محمد ، فإني رأيت اسمه مكتوبا على ساق العرش ، وأنا بين الروح والطين ، ثم طفت في السماوات ، فلم أر موضعا في السماوات إلا رأيت اسم محمد مكتوبا عليه ، وإن ربي أسكنني الجنة ، فلم أر في الجنة قصرا ولا غرفة إلا اسم محمد مكتوبا عليه ، ولقد رأيت اسم محمد مكتوبا على نحور الحور العين ، وعلى ورق قصب أجام الجنة ، وعلى ورق شجرة طوبى ، وعلى ورق سدرة المنتهى ، وعلى أطراف الحجب ، وبين أعين الملائكة ، فأكثر من ذكره ، فإن الملائكة تذكره في كل ساعتها ، وقد بسطت الكلام على هذه المسائل في أوائل الكتاب فراجعه ، فإن فيه نفائس .

                                                                                                                                                                                                                              السابعة .

                                                                                                                                                                                                                              وبذكر اسمه صلى الله عليه وسلم في الأذان في عهد آدم عليه الصلاة والسلام .

                                                                                                                                                                                                                              روى أبو نعيم وابن عساكر بسند لم أر فيه من أتهم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :

                                                                                                                                                                                                                              قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لما نزل آدم صلى الله عليه وسلم بالهند استوحش ، فنزل جبريل ، فنادى : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، إلى آخره .

                                                                                                                                                                                                                              الثامنة :

                                                                                                                                                                                                                              وبذكر اسمه صلى الله عليه وسلم في الأذان في الملكوت الأعلى وفي عهد آدم .

                                                                                                                                                                                                                              روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان أتاه جبريل بدابة يقال لها : البراق ، فأراد أن يركبها فاستصعبت عليه ، فقال لها جبريل : اسكني ، فو الله ، ما ركبك عبد أكرم على الله من محمد ، فركبها حتى انتهى إلى الحجاب الذي يلي [ ص: 276 ]

                                                                                                                                                                                                                              الرحمن ، فبينما هو كذلك إذ خرج ملك من الحجاب ، فقال : الله أكبر ، الله أكبر ، فقيل من وراء الحجاب : صدق عبدي ، لا إله إلا أنا ، قال الملك : أشهد أن محمدا رسول الله ، فقيل من وراء الحجاب : صدق عبدي ، أنا أرسلت محمدا ، فقال الملك : حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، ثم قال الملك : الله أكبر ، الله أكبر ، فقيل من وراء الحجاب : صدق عبدي ، أنا أكبر ، أنا أكبر ، ثم قال الملك : لا إله إلا الله ، فقيل من وراء الحجاب : صدق عبدي ، لا إله إلا أنا ، ثم أخذ الملك بيد محمد فقدمه ، فأما أهل السماوات فيهم آدم ونوح ، فيومئذ أكمل الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم الشرف على أهل السماوات والأرض .


                                                                                                                                                                                                                              رواه البزار بسند جيد ، وأبو الشيخ وابن شاهين ، ورواه عن عائشة ، ورواه ابن شاهين عن محمد بن الحنفية ، ورواه الطبراني وابن شاهين عن ابن عمر ، وأسانيدها كلها تالفة كما بينت ذلك في بيان إتحاف البيت ببيان ما وضع في معراج البيت ، قلت : في سنده زياد بن المنذر أبو الجارود ، قال ابن معين : كذاب عدو الله .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الذهبي وابن كثير : هذا من وضعه ، وأورده القاضي في الشفاء ، والسهيلي في الروض ، والنووي في شرح مسلم ساكتين عليه وما في الحديث من ذكر الحجاب فهو في حق المخلوق ، لا في حق الخالق ، فهم المحجوبون والبارئ جل اسمه تنزه عما يحجبه من الحجب إنما يحيط بقدر محسوس ، ولكن حجبه عن أنصار خلقه ، وبصائرهم وإدراكاتهم ما يشاء وكيف يشاء ، لقوله تعالى : كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون [المطففين 15] ، فقوله في هذا الحديث : الحجاب وخروج ملك من الحجاب ، يجب أن يقال : حجاب حجب به من وراءه من ملائكته عن الاطلاع على ما دونه من سلطانه وعظمته ، وحجاب ملكوته وجبروته ، ويدل عليه من الحديث قول جبريل عليه السلام من الملك خرج من ورائه ، إن هذا الملك ما رأيته منذ خلقت قبل ساعتي هذه ، فدل أن هذا الحجاب لم يختص بالذات ، ويدل عليه قول كعب رضي الله عنه في تفسير سدرة المنتهى إليها ينتهي علم الملائكة ، وعندها يجدون أمر الله تبارك وتعالى لا يجاوزها علمهم ، وأما قوله : «الذي يلي الرحمن» ، فيعمل على حذف مضاف ، أي يلي عرش الرحمن أو أمرا ما من عظيم آياته أو مبادئ حقائق معارفه ، وكما هو أعلم به كما قال تعالى : واسأل القرية [يوسف 82] أي أهلها ، فقوله : «قيل من وراء الحجاب : صدق عبدي ، وأنا أكبر» ظاهره سمع في هذا الموطن كلام الله تعالى ولكن من وراء حجاب؛ أي وهو لا يراه حجب بصره عن رؤيته ، فإن صح القول بأن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه ، فيحمل في هذا الموطن بعد هذا وقبله رفع الحجاب عن بصره حتى رآه ، قلت : وفي هذا المعنى أحاديث بينت محالها في باب بدء الأذان؛ فراجعه . [ ص: 277 ]

                                                                                                                                                                                                                              التاسعة ، والعاشرة ، والحادية عشرة ، والثانية عشرة ، والثالثة عشرة .

                                                                                                                                                                                                                              بأخذ الميثاق على النبيين وآدم فمن بعده أن يؤمنوا به وينصروه ، والتبشير به في الكتب السابقة ، وتقدم ذلك كله في أول الباب .

                                                                                                                                                                                                                              الرابعة عشرة .

                                                                                                                                                                                                                              في نعت أصحابه في الكتب السابقة .

                                                                                                                                                                                                                              قال تعالى : ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون [الأنبياء 105] .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال : أخبر الله سبحانه وتعالى في التوراة والزبور ، وسابق علمه ، قبل أن تكون السموات والأرض ، أن يورث أمةمحمد الأرض .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطيالسي والمدني برجال ثقات عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلبه صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد ، فاصطفاه لنفسه ، فابتعثه برسالته ، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد ، فجعلهم وزراء نبيه ، يقاتلون على دينه ، فما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ، وما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سيئ . قال الله سبحانه وتعالى : محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ، ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه [الفتح 29] الآية .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن إسحاق وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يهود خيبر : «بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله صاحب موسى ، أخيه المصدق لما جاء به موسى ، ألا إن الله تعالى قد قال لكم : يا معشر أهل التوراة ، وإنكم لتجدون ذلك في كتابكم : محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا إلى آخر السورة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما : ذلك مثلهم في التوراة ، يعني : نعتهم مكتوب في التوراة ، ومثلهم في الإنجيل قبل أن يخلق الله السماوات والأرض .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو عبيد وابن المنذر وأبو نعيم في الحلية عن عمار مولى بني هاشم قال : سألت أبا هريرة رضي الله عنه عن القدر ، فقال : اكتف منه بآخر سورة الفتح : محمد رسول الله والذين معه إلى آخرها يعني أن الله سبحانه وتعالى نعتهم قبل أن يخلقهم . [ ص: 278 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني في الأوسط والصغير ، وابن مردويه بسند حسن عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل : سيماهم في وجوههم من أثر السجود [الفتح 29] قال : «النور يوم القيامة» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنه في الآية قال : أما إنه ليس الذي ترون ، ولكن سيما الإسلام وسحنته وسمته وخشوعه .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه البيهقي عنه بلفظ : السمت الحسن .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري في تاريخه ومحمد بن نصر عنه قال في الآية : بياض يغشى وجوههم يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى سعيد بن منصور وعبد بن حميد ، ومحمد بن نصر ، عن مجاهد ، قال : ليس له أثر في الوجه ، ولكن الخشوع والتواضع .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله : رحماء بينهم قال : جعل الله الرحمة في قلوبهم بعضهم لبعض ، سيماهم في وجوههم من أثر السجود ، قال : علامتهم الصلاة ، ذلك مثلهم في التوراة ، قال : هذا المثل في التوراة ومثلهم في الإنجيل ، قال : هذا مثل آخر كزرع أخرج شطأه قال : هذا نعت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الإنجيل قبل أن يخرج قوم ينبتون نبات الزرع يخرج منهم قوم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : سيماهم في وجوههم [الفتح 29] قال : صلاتهم تبدو في وجوههم يوم القيامة . ذلك مثلهم في التوراة ، ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه [الفتح 29] قال : سنبله حين يبلغ نباته عن حباته فآزره يقول : نباته مع التفافه حين يسنبل ، فهذا مثل ضربه لأهل الكتاب ، إذا خرج قوم ينبتون كما ينبت الزرع ، فيهم رجال يأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، ثم يغلظ فيهم الذين كانوا معه ، وهو مثل ضربه لمحمد صلى الله عليه وسلم يقول : يبعث الله النبي وحده ، ثم يجتمع إليه ناس قليل يؤمنون به ، ثم يكون القليل كثيرا ويغلظون ، ويغيظ الله تعالى بهم الكفار يعجب الزراع من كثرته وحسن نباته .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية