الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ بتت ]

                                                          بتت : البت : القطع المستأصل . يقال : بتت الحبل فانبت . ابن سيده : بت الشيء يبته ، ويبته بتا ، وأبته : قطعه قطعا مستأصلا ; قال :


                                                          فبت حبال الوصل بيني وبينها أزب ظهور الساعدين ، عذور



                                                          قال الجوهري في قوله : بته يبته قال : وهذا شاذ لأن باب المضاعف ، إذا كان يفعل منه مكسورا ، لا يجيء متعديا إلا أحرف معدودة ، وهي بته يبته ويبته ، وعله في الشرب يعله ويعله ، ونم الحديث ينمه وينمه ، وشده يشده ويشده ، وحبه يحبه ; قال : وهذه وحدها على لغة واحدة . قال : وإنما سهل تعدي هذه الأحرف إلى المفعول اشتراك الضم والكسر فيهن ; وبتته تبتيتا : شدد للمبالغة ، وبت هو يبت ويبت بتا وأبت . وقولهم : تصدق فلان صدقة بتاتا وبتة بتلة إذا قطعها المتصدق بها من ماله ، فهي بائنة من صاحبها ، قد انقطعت منه ; وفي النهاية : صدقة بتة أي منقطعة عن الإملاك ; وفي الحديث : أدخله الله الجنة البتة . الليث : أبت فلان طلاق امرأته أي طلقها طلاقا باتا ، والمجاوز منه الإبتات . قال أبو منصور : قول الليث في الإبتات والبت موافق قول أبي زيد ، لأنه جعل الإبتات مجاوزا ، وجعل البت لازما ، وكلاهما متعد ; ويقال : بت فلان طلاق امرأته بغير ألف ، وأبته بالألف ، وقد طلقها البتة . ويقال : الطلقة الواحدة تبت وتبت أي تقطع عصمة النكاح ، إذا انقضت العدة . وطلقها ثلاثا بتة وبتاتا أي قطعا لا عود فيها . وفي الحديث : طلقها ثلاثا بتة أي قاطعة . وفي الحديث : لا تبيت المبتوتة إلا في بيتها ، هي المطلقة طلاقا بائنا . ولا أفعله البتة : كأنه قطع فعله . قال سيبويه : وقالوا قعد البتة مصدر مؤكد ، ولا يستعمل إلا بالألف واللام . ويقال : لا أفعله بتة ، ولا أفعله البتة ، لكل أمر لا رجعة فيه ; ونصبه على المصدر . قال ابن بري : مذهب سيبويه وأصحابه أن البتة لا تكون إلا معرفة البتة لا غير ، وإنما أجاز تنكيره الفراء وحده ، وهو كوفي . وقال الخليل بن أحمد : الأمور على ثلاثة أنحاء ، يعني على ثلاثة أوجه : شيء يكون البتة ، وشيء لا يكون البتة ، وشيء قد يكون وقد لا يكون . فأما ما لا يكون ، فما مضى من الدهر لا يرجع ; وأما ما يكون البتة ، فالقيامة تكون لا محالة ; وأما شيء قد يكون وقد لا يكون ، فمثل قد يمرض وقد يصح . وبت عليه القضاء بتا ، وأبته : قطعه . وسكران ما يبت كلاما أي ما يبينه . وفي المحكم : سكران ما يبت كلاما ، وما يبت ، وما يبت أي ما يقطعه . وسكران بات : منقطع عن العمل بالسكر ; هذه عن أبي حنيفة . الأصمعي : سكران ما يبت أي ما يقطع أمرا ; وكان ينكر يبت ; وقال الفراء : هما لغتان ، يقال بتت عليه القضاء ، وأبتته عليه أي قطعته . وفي الحديث : لا صيام لمن لم يبت الصيام من الليل ، وذلك من الجزم والقطع بالنية ; ومعناه : لا صيام لمن لم ينوه قبل الفجر ، فيجزمه ويقطعه من الوقت الذي لا صوم فيه ، وهو الليل ; وأصله من البت القطع ; يقال : بت الحاكم القضاء على فلان إذا قطعه وفصله ، وسميت النية بتا لأنها تفصل بين الفطر والصوم . وفي الحديث : أبتوا نكاح هذه النساء أي اقطعوا الأمر فيه ، وأحكموه [ ص: 13 ] بشرائطه ، وهو تعريض بالنهي عن نكاح المتعة ; لأنه نكاح غير مبتوت ، مقدر بمدة . وفي حديث جويرية ، في صحيح مسلم : أحسبه قال جويرية أو البتة ; قال : كأنه شك في اسمها ، فقال : أحسبه جويرية ، ثم استدرك فقال : أو أبت أي أقطع أنه قال جويرية ، لا أحسب وأظن . وأبت يمينه : أمضاها . وبتت هي : وجبت ، تبت بتوتا ، وهي يمين باتة . وحلف على ذلك يمينا بتا ، وبتة ، وبتاتا : وكل ذلك من القطع ; ويقال : أعطيته هذه القطيعة بتا بتلا . والبتة اشتقاقها من القطع ، غير أنه يستعمل في كل أمر يمضي لا رجعة فيه ، ولا التواء . وأبت الرجل بعيره من شدة السير ، ولا تبته حتى يمطوه السير ; والمطو : الجد في السير . والانبتات : الانقطاع . ورجل منبت أي منقطع به . وأبت بعيره : قطعه بالسير . والمنبت في حديث : الذي أتعب دابته حتى عطب ظهره ، فبقي منقطعا به ; ويقال للرجل إذا انقطع في سفره وعطبت راحلته : صار منبتا ; ومنه قول مطرف : إن المنبت لا أرضا قطع ، ولا ظهرا أبقى . غيره : يقال للرجل إذا انقطع به في سفره ، وعطبت راحلته : قد انبت من البت القطع ، وهو مطاوع بت ; يقال : بته وأبته ، يريد أنه بقي في طريقه عاجزا عن مقصده ، ولم يقض وطره ، وقد أعطب ظهره . الكسائي : انبت الرجل انبتاتا إذا انقطع ماء ظهره ; وأنشد :


                                                          لقد وجدت رثية من الكبر     عند القيام ، وانبتاتا في السحر



                                                          وبت عليه الشهادة ، وأبتها : قطع عليه بها ، وألزمه إياها . وفلان على بتات أمر إذا أشرف عليه ; قال الراجز :


                                                          وحاجة كنت على بتاتها



                                                          والبات : المهزول الذي لا يقدر أن يقوم . وقد بت يبت بتوتا . ويقال للأحمق المهزول : هو بات . وأحمق بات : شديد الحمق . قال الأزهري : الذي حفظناه عن الثقات أحمق تاب من التباب ، وهو الخسار ، كما قالوا أحمق خاسر ، دابر ، دامر . وقال الليث : يقال انقطع فلان عن فلان ، فانبت حبله عنه أي انقطع وصاله وانقبض ; وأنشد :


                                                          فحل في جشم ، وانبت منقبضا     بحبله ، من ذوي الغر الغطاريف



                                                          ابن سيده : والبت كساء غليظ مهلهل ، مربع ، أخضر ; وقيل : هو من وبر وصوف ، والجمع أبت وبتات . التهذيب : البت ضرب من الطيالسة ، يسمى الساج ، مربع ، غليظ ، أخضر ، والجمع : البتوت . الجوهري : البت الطيلسان من خز ونحوه ; وقال في كساء من صوف :


                                                          من كان ذا بت فهذا بتي     مقيظ ، مصيف ، مشتي
                                                          تخذته من نعجات ست



                                                          والبتي الذي يعمله أو يبيعه ، والبتات مثله . وفي حديث دار الندوة وتشاورهم في أمر النبي - صلى الله عليه وسلم : فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل عليه بت ؛ أي كساء غليظ مربع ، وقيل : طيلسان من خز . وفي حديث علي - عليه السلام : أن طائفة جاءت إليه ، فقال لقنبر : بتتهم أي أعطهم البتوت . وفي حديث الحسن - عليه السلام : أين الذين طرحوا الخزوز والحبرات ، ولبسوا البتوت والنمرات ؟ وفي حديث سفيان : أجد قلبي بين بتوت وعباء . والبتات : متاع البيت . وفي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كتب لحارثة بن قطن ومن بدومة الجندل من كلب : إن لنا الضاحية من البعل ، ولكم الضامنة من النخل ، لا يحظر عليكم النبات ، ولا يؤخذ منكم عشر البتات ; قال أبو عبيد : لا يؤخذ منكم عشر البتات ، يعني المتاع ليس عليه زكاة ، مما لا يكون للتجارة . والبتات : الزاد والجهاز ، والجمع أبتة ; قال ابن مقبل في البتات الزاد :


                                                          أشاقك ركب ذو بتات ، ونسوة     بكرمان ، يغبقن السويق المقندا



                                                          وبتتوه : زودوه . وتبتت : تزود وتمتع . ويقال : ما له بتات أي ما له زاد ; وأنشد :


                                                          ويأتيك بالأنباء من لم تبع له     بتاتا ، ولم تضرب له وقت موعد



                                                          وهو كقوله :


                                                          ويأتيك بالأخبار من لم تزود



                                                          أبو زيد : طحن بالرحى شزرا ، وهو الذي يذهب بالرحى عن يمينه ، وبتا ، ابتدأ إدارتها عن يساره ; وأنشد :


                                                          ونطحن بالرحى شزرا وبتا     ولو نعطى المغازل ، ما عيينا



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية