الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 140 ] سورة الكهف

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى : ( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ( 1 ) قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ( 2 ) ) .

قوله تعالى : ( قيما ) : فيه وجهان ; أحدهما : هو حال من الكتاب ، وهو مؤخر عن موضعه ; أي أنزل الكتاب قيما ; قالوا : وفيه ضعف ; لأنه يلزم منه التفريق بين بعض الصلة وبعض ; لأن قوله تعالى : ( ولم ) : معطوف على أنزل . وقيل : " قيما " حال ، " ولم يجعل " حال أخرى . والوجه الثاني : أن " قيما " منصوب بفعل محذوف ; تقديره : جعله قيما ; فهو حال أيضا . وقيل : هو حال أيضا من الهاء في " ولم يجعل له " والحال مؤكدة ، وقيل : منتقلة .

قوله تعالى : ( لينذر ) : أي لينذر العباد ، أو لينذركم . ( من لدنه ) : يقرأ بفتح اللام وضم الدال وسكون النون وهي لغة . ويقرأ بفتح اللام وضم الدال وكسر النون . ومنهم من يختلس ضمة الدال ، ومنهم من يختلس كسرة النون .

قال تعالى : ( ماكثين فيه أبدا ( 3 ) ) .

قوله تعالى : ( ماكثين ) : حال من المجرور في " لهم " والعامل فيها الاستقرار . وقيل : هو صفة لأجر ، والعائد : الهاء في " فيه " .

قال تعالى : ( ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ( 5 ) فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ( 6 ) ) .

قوله تعالى : ( كبرت ) : الجمهور على ضم الباء ، وقد أسكنت تخفيفا .

و ( كلمة ) : تمييز والفاعل مضمر ; أي كبرت مقالتهم .

وفي ( تخرج ) : وجهان ; أحدهما : هو في موضع نصب صفة لكلمة . والثاني : في موضع رفع ; تقديره : كلمة تخرج ; لأن كبر بمعنى بئس ; فالمحذوف هو المخصوص بالذم . و ( كذبا ) : مفعول " يقولون " أو صفة لمصدر محذوف ; أي قولا كذبا . [ ص: 141 ] و ( أسفا ) : مصدر في موضع الحال من الضمير في " باخع " . وقيل : هو مفعول له . والجمهور على " إن لم " بالكسر على الشرط ; ويقرأ بالفتح ; أي لأن لا يؤمنوا .

قال تعالى : ( إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا ( 7 ) ) .

قوله تعالى : ( زينة ) : مفعول ثان على أن " جعل " بمعنى صير ، أو مفعول له ، أو حال على أن " جعل " بمعنى خلق .

قال تعالى : ( أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ( 9 ) إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا ( 10 ) ) .

قوله تعالى : ( أم حسبت ) : تقديره : بل أحسبت . ( والرقيم ) : بمعنى المرقوم ، على قول من جعله كتابا . و " عجبا " خبر كان . و ( من آياتنا ) : حال منه . ويجوز أن يكونا خبرين . ويجوز أن يكون " عجبا " حالا من الضمير في الجار .

قوله تعالى : ( إذ ) : ظرف لـ " عجبا " . ويجوز أن يكون التقدير : اذكر إذ .

قال تعالى : ( فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ( 11 ) ) .

قوله تعالى : ( سنين ) : ظرف لضربنا ، وهو بمعنى أنمناهم .

و ( عددا ) : صفة لسنين ; أي معدودة ; أو ذوات عدد . وقيل : مصدر ; أي تعد عددا .

قال تعالى : ( ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا ( 12 ) ) قوله تعالى : ( أي الحزبين ) : مبتدأ . و " أحصى " الخبر ، وموضع الجملة نصب بنعلم ، وفي " أحصى " وجهان ; أحدهما : هو فعل ماض ، و " أمدا " مفعوله ، ولما لبثوا : نعت له قدم عليه فصار حالا ، أو مفعولا له ; أي لأجل لبثهم . وقيل : اللام زائدة ، وما بمعنى الذي ، و " أمدا " مفعول لبثوا ، وهو خطأ . وإنما الوجه أن يكون تمييزا ; والتقدير : لما لبثوه . والوجه الثاني : هو اسم ، و " أمدا " منصوب بفعل دل عليه الاسم ; وجاء " أحصى " على حذف الزيادة ، كما جاء : هو أعطى للمال ، وأولى بالخير .

قال تعالى : ( وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا ( 14 ) ) .

قوله تعالى ( شططا ) : مفعول به ، أو يكون التقدير : قولا شططا .

قال تعالى : ( هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ( 15 ) ) .

[ ص: 142 ] قوله تعالى : ( هؤلاء ) : مبتدأ ، و ( قومنا ) عطف بيان ، و " اتخذوا " : الخبر .

التالي السابق


الخدمات العلمية