الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل .

                                                                                                                          وتعتبر في البينة العدالة ظاهرا وباطنا ، في اختيار أبي بكر والقاضي . وعنه : تقبل شهادة كل مسلم لم تظهر منه ريبة . اختاره الخرقي . وإن جهل إسلامه ، رجع إلى قوله ، والعمل على الأول . وإذا علم الحاكم عدالتهما عمل بعلمه وحكم بشهادتهما ، إلا أن يرتاب بهما ، فيفرقهما . ويسأل كل واحد : كيف تحملت الشهادة ؛ ومتى ؛ وفي أي موضع ؛ وهل كنت وحدك ؛ أو أنت وصاحبك ؛ فإن اختلفا لم يقبلهما ، وإن اتفقا وعظهما وخوفهما فإن ثبتا حكم بهما إذا سأله المدعي . وإن جرحهما المشهود عليه ، كلف البينة بالجرح . فإن سأل الإنظار ، أنظر ثلاثا . وللمدعي ملازمته ، فإن لم يقم بينة حكم عليه . ولا يسمع الجرح إلا مفسرا بما يقدح في العدالة ، إما أن يراه أو يستفيض عنه . وعنه : أنه يكفي أن يشهد أنه فاسق وليس بعدل .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل .

                                                                                                                          ( وتعتبر في البينة العدالة ظاهرا وباطنا ، في اختيار أبي بكر والقاضي ) قدمه في " الرعاية " و " الكافي " ، وذكر أنه ظاهر المذهب ونصره في " الشرح " . وذكر في " المحرر " : أنه اختيار الخرقي ، لقوله تعالى : إن جاءكم فاسق [ الحجرات : 6 ] ، ولقوله - عليه السلام - : لا تقبل شهادة خائن ولا خائنة ، ولا ذي غمر على أخيه ، ولا محدود في الإسلام . وسواء طعن الخصم فيه أو لا ، لأن العدالة شرط فيجب العمل بها ، كالإسلام . فعلى هذا يكتب اسمه ونسبه ، وكنيته وحليته ، وصنعته وسوقه ، ومسكنه ، ومن شهد له وعليه ، وما شهد به ، في رقاع ويدفعها إلى أصحاب مسائله الذين يعرفونه حال من جهل عدالته ، من غير شحناء ولا عصبية ، ويجتهد أن لا يعرفهم المشهود ، ولا المشهود عليه ، ولا المسؤولين ، ويدفع إلى كل واحد رقعة ، ولا يعلم بعضهم ببعض ليسألوا عنه ، فإن رجعوا بتعديله قبله من اثنين منهم . قدمه في " الشرح " ، ورجحه في " الرعاية " ، ويشهدان بلفظ الشهادة .

                                                                                                                          وقيل : لا يقبل إلا شهادة المسؤولين ; لأنهم شهود أصل . فإن قالا : نشهد أنه عدل . ولم يبينا سببه ، فوجهان . ( وعنه : تقبل شهادة كل مسلم لم تظهر منه ريبة ) وهو قول الحسن . ( اختاره الخرقي ) وأبو بكر وصاحب " الروضة " [ ص: 81 ] لقبول النبي - صلى الله عليه وسلم - شهادة الأعرابي برؤية الهلال . ولقول عمر : " المسلمون عدول " . ولأن العدالة أمر خفي سببها الخوف من الله - تعالى - ، ودليل ذلك الإسلام . فإذا وجد فليكتف به ، ما لم يقم دليل على خلافه . فعلى هذه ، ( إن جهل إسلامه رجع إلى قوله ) لأنه إن لم يكن مسلما صار مسلما بالاعتراف . ولا يكفي ظاهر الدار ، ذكره الأصحاب . وفي جهل حريته المعتبرة وجهان :

                                                                                                                          أحدهما : لا بد من معرفة ذلك ، جزم به في " الشرح " .

                                                                                                                          وفي " عيون المسائل " : إن منعوا عدالة العبد فيمنع بقوله عليه السلام : يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله . وهم من حمال العلم والحديث والفتوى ، فهم عدول لقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - . ( والعمل على الأول ) .

                                                                                                                          وقولهم : إن ظاهر المسلم العدالة ممنوع ، بل الظاهر عكس ذلك ، وقول عمر معارض بما روي عنه أنه أتي بشاهدين ، فقال لهما : لست أعرفكما ، ولا يضركما إن لم أعرفكما . ولأن الأعرابي قد صار صحابيا وهم عدول كلهم . ( وإذا علم الحاكم عدالتهما عمل بعلمه ) في عدالة البينة ; لأنه لو لم يكتف بذلك لتسلسل ، لأن المزكي يحتاج إلى عدالتهما ، فإذا لم يعمل بعلمه احتاج كل واحد من المزكين ، ثم كل واحد ممن يزكيهما إلى مزكين إلى ما لا نهاية له ، وعكسه بعكسه . ( وحكم بشهادتهما ) لأن شروط الحكم قد وجدت . ( إلا أن يرتاب بهما ) فإنه يلزم سؤالهما ، والبحث عن صفة تحملهما وغيره . ( فيفرقهما ) استحبابا ، [ ص: 82 ] صرح به في " المحرر " و " الكافي " و " الوجيز " ، وعبارة السامري وابن حمدان كالتي قبلها . ( ويسأل كل واحد : كيف تحملت الشهادة ؛ ومتى ؛ وفي أي موضع ؛ وهل كنت وحدك ؛ أو أنت وصاحبك ؛ ) .

                                                                                                                          لما روي عن علي أن سبعة خرجوا ، ففقد واحد منهم ، فأتت زوجته عليا ، فدعا الستة ، فسأل واحدا منهم فأنكر ، فقال : الله أكبر . فظن الباقون أنه قد اعترف ، فاستدعاهم فاعترفوا ، فقال للأول : قد شهدوا عليك . فاعترف ، فقتلهم . ( فإن اختلفا لم يقبلهما ) ذكره الأصحاب ، لأنه ظهر له ما يمنع قبولها .

                                                                                                                          وقال في " المستوعب " : يوقف عن قبولها . قدمه في " الرعاية " . وفي " الشرح " : سقطت شهادتهما . ( وإن اتفقا وعظهما وخوفهما ) لأن ذلك سبب لتوقفهما بتقدير كونهما شاهدي زور . ( فإن ثبتا ) على قولهما . ( حكم بها إذا سأله المدعي ) لأن الشرط ثبات الشاهدين على شهادتهما إلى حين الحكم ، وطلب المدعي الحكم ، وقد وجد ذلك كله . ويستحب أن يقول للمنكر : قد قبلتهما ، فإن جرحتهما ، وإلا حكمت عليك . ذكره السامري . ( وإن جرحهما المشهود عليه كلف البينة بالجرح ) ليتحقق صدقه أو كذبه . ( وإن سأل الإنظار ، أنظر ثلاثا ) ذكره في " الكافي " و " المستوعب " و " الوجيز " ، وصححه في " الرعاية " ; لأن تكليفه إقامتها في أقل من ذلك يشق ويعسر . فإن أقام المدعى عليه بينة أنهما شهدا عند قاض بذلك فردت شهادتهما لفسقهما ، بطلت شهادتهما ; لأن الشهادة إذا ردت لفسق [ ص: 83 ] لم تقبل مرة ثانية .

                                                                                                                          فرع : لا يجوز للحاكم أن يرتب شهودا لا يقبل غيرهم ، لكن له أن يرتب شهودا يشهدهم الناس ، فيستغنون بإشهادهم عن تعديلهم ، ويكتفي عن الكشف عن أحوالهم .

                                                                                                                          قال أحمد : ينبغي للقاضي أن يسأل عن شهوده كل قليل . وهل هو مستحب أو واجب ؛ فيه وجهان . ( وللمدعي ملازمته ) لأن حقه قد توجه ، والمدعى عليه يدعي ما يسقطه ، والأصل عدمه . ( فإن لم يقم بينة حكم عليه ) لأن الحق قد وضح على وجه لا إشكال فيه . ( ولا يسمع الجرح إلا مفسرا بما يقدح في العدالة ، إما أن يراه أو يستفيض عنه ) قدمه في " المستوعب " و " المحرر " و " الرعاية " ، وذكر في " الكافي " أنه المذهب . ونصره في " الشرح " ، وجزم به في " الوجيز " ; لأن الناس يختلفون في أسباب الجرح كاختلافهم في شارب يسير النبيذ ، فوجب أن لا يقبل مجرد الجرح ; لئلا يجرحه بما لا يراه القاضي جرحا . وفي الاستفاضة وجه ، كتزكية . ( وعنه : أنه يكفي أن يشهد أنه فاسق وليس بعدل ) كالتعديل في الأصح . لأن التصريح بالسبب يجعل الجارح فاسقا ، فوجب عليه الحد في بعض الحالات . وجوابه : بأنه يمكنه التعريض .

                                                                                                                          وقيل : إن اتحد مذهب الجارح والحاكم ، أو عرف الجارح أسباب الجرح قبل إجماله ، وإلا فلا . [ ص: 84 ] وفي " المحرر " : المبين أن يذكر ما يقدح في العدالة . والمطلق أن يقول : هو فاسق . وقال القاضي : هو المبين والمطلق ، أن يقول : الله أعلم به ، ونحوه ، ولا يكفي قوله : بلغني عنك كذا ; لقوله تعالى إلا من شهد بالحق وهم يعلمون [ الزخرف : 86 ] .

                                                                                                                          فرع : إذا صرح الجارح بقذفه بالزنا ، فعليه الحد إن لم يأت بتمام أربعة شهداء . ولا يقبل فيه ولا في التعديل شهادة النساء . وعنه : بلى ، كالرواية وأخبار الديانات .

                                                                                                                          وجوابه : بأنها شهادة فيما ليس بمال ولا يقصد به المال ، ويطلع عليه الرجال في غالب الأحوال ، أشبه الشهادة في القصاص . ولا يقبل الجرح من الخصم بغير خلاف . مسألة : لا تقبل شهادة المتوسمين ، وذلك إذا حضر شاهدان مسافران فشهدا عند حاكم لا يعرفهما ، كشاهدي الحضر .



                                                                                                                          الخدمات العلمية