الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ بتل ]

                                                          بتل : البتل : القطع . بتله يبتله ويبتله بتلا وبتله فانبتل وتبتل : أبانه من غيره ، ومنه قولهم : طلقها بتة بتلة ; وقول ذي الرمة :


                                                          رخيمات الكلام مبتلات جواعل في البرى قصبا خدالا



                                                          قال ابن سيده : زعم الفارسي أن الكسر رواية وجاء به شاهدا على حذف المفعول ; أراد : مبتلات الكلام مقطعات له . وفي حديث حذيفة : أقيمت الصلاة فتدافعوها وأبوا إلا تقديمه ، فلما سلم قال : لتبتلن لها إماما أو لتصلن وحدانا ، معناه لتنصبن لكم إماما وتقطعن الأمر بإمامته من البتل القطع ; قال ابن الأثير : أورده أبو موسى في هذا الباب وأورده الهروي في باب الباء واللام والواو ، وشرحه بالامتحان والاختبار من الابتلاء ، فتكون التاءان فيها عند الهروي زائدتين الأولى للمضارعة والثانية للافتعال ، وتكون الأولى عند أبي موسى زائدة للمضارعة والثانية أصلية ، قال : وشرحه الخطابي في غريبه على الوجهين معا . التهذيب : الأصمعي المبتل النخلة يكون لها فسيلة قد انفردت واستغنت عن أمها فيقال لتلك الفسيلة : البتول . ابن سيده : البتول والبتيل والبتيلة من النخل الفسيلة المنقطعة عن أمها المستغنية عنها . والمبتلة : أمها ; يستوي فيه الواحد والجمع ; وقول المتنخل الهذلي :


                                                          ذلك ما دينك ، إذ جنبت     أجمالها كالبكر المبتل



                                                          إنما أراد جمع مبتلة كتمرة وتمر ، وقوله ذلك : ما دينك : أي ذلك البكاء دينك وعادتك ، والبكر : جمع بكور وهي التي تدرك أول النخل ، وقد انبتلت من أمها وتبتلت واستبتلت ، وقيل : البتلة من النخل الودية ، وقال الأصمعي : هي الفسيلة التي بانت عن أمها ، ويقال للأم مبتل . والبتل : الحق بتلا أي حقا ; ومنه : صدقة بتلة أي منقطعة عن صاحبها كبتة أي قطعها من ماله ، وأعطيته عطاء بتلا أي منقطعا ، إما أن يريد الغاية أي أنه لا يشبهه عطاء ، وإما أن يريد أنه لا يعطيه عطاء بعده . وحلف يمينا بتلة أي قطعها . وتبتل إلى الله تعالى : انقطع وأخلص . وفي التنزيل : وتبتل إليه تبتيلا ; جاء المصدر فيه على غير طريق الفعل ، وله نظائر ، ومعناه أخلص له إخلاصا . والتبتل : الانقطاع عن الدنيا إلى الله تعالى ، وكذلك التبتيل . يقال للعابد إذا ترك كل شيء وأقبل على العبادة : قد تبتل أي قطع كل شيء إلا أمر الله وطاعته . وقال أبو إسحاق : وتبتل إليه ، أي انقطع إليه في العبادة ; وكذلك صدقة بتلة أي منقطعة من مال المتصدق بها خارجة إلى سبيل الله ; والأصل في تبتل أن تقول تبتلت تبتلا ، فتبتيلا محمول على معنى بتل إليه تبتيلا . وانبتل ، فهو منبتل أي انقطع ، وهو مثل المنبت وأنشد :


                                                          كأنه تيس إران منبتل



                                                          ورجل أبتل إذا كان بعيد ما بين المنكبين . وقد بتل يبتل بتلا . والبتول من النساء : المنقطعة عن الرجال لا أرب لها فيهم ; وبها سميت مريم أم المسيح - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - وقالوا لمريم العذراء البتول والبتيل لذلك ، وفي التهذيب : لتركها التزويج . والبتول من النساء : العذراء المنقطعة من الأزواج ، ويقال : هي المنقطعة إلى الله - عز وجل - عن الدنيا . والتبتل : ترك النكاح والزهد فيه والانقطاع عنه . التهذيب : البتول كل امرأة تنقبض من الرجال لا شهوة لها ولا حاجة فيهم ، ومنه التبتل وهو ترك النكاح ; وقال ربيعة بن مقروم الضبي :


                                                          لو أنها عرضت لأشمط راهب     عبد الإله ، صرورة متبتل



                                                          وروى سعيد بن المسيب أنه سمع سعد بن أبي وقاص يقول : لقد رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عثمان بن مظعون التبتل ولو أحله لاختصينا ، وفسر أبو عبيد التبتل بنحو ما ذكرنا . وفي الحديث : " لا رهبانية ولا تبتل في الإسلام " ; والتبتل : الانقطاع عن النساء وترك النكاح ، وأصل البتل القطع . وسئل أحمد بن يحيى عن فاطمة - رضوان الله عليها - بنت سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم : لم قيل لها البتول ؟ فقال : لانقطاعها عن نساء أهل زمانها ونساء الأمة عفافا وفضلا ودينا وحسبا ، وقيل : لانقطاعها عن الدنيا إلى الله - عز وجل . وامرأة مبتلة الخلق أي منقطعة الخلق عن النساء لها عليهن فضل ; من ذلك قول الأعشى :


                                                          مبتلة الخلق مثل المها     ة ، لم تر شمسا ولا زمهريرا



                                                          وقيل : المبتلة التامة الخلق ; وأنشد لأبي النجم :


                                                          طالت إلى تبتيلها في مكر



                                                          أي طالت في تمام خلقها ; وقيل : تبتيل خلقها انفراد كل شيء منها بحسنه لا يتكل بعضه على بعض . قال ابن الأعرابي : المبتلة من النساء الحسنة الخلق لا يقصر شيء عن شيء ، لا تكون حسنة العين [ ص: 16 ] سمجة الأنف ، ولا حسنة الأنف سمجة العين ، ولكن تكون تامة ; قال غيره : هي التي تفرد كل شيء منها بالحسن على حدته .

                                                          والمبتلة من النساء : التي بتل حسنها على أعضائها أي قطع ، وقيل : هي التي لم يركب بعض لحمها بعضا فهو لذلك منماز ; وقال اللحياني : هي التي في أعضائها استرسال لم يركب بعضه بعضا ، والأول أقرب إلى الاشتقاق ، وجمل مبتل كذلك . الجوهري : امرأة مبتلة بتشديد التاء مفتوحة ، أي تامة الخلق لم يركب لحمها بعضه بعضا ، ولا يوصف به الرجل ; وأنشد بيت ذي الرمة :


                                                          رخيمات الكلام مبتلات



                                                          ويقال للمرأة إذا تزينت وتحسنت : إنها تتبتل ، وإذا تركت النكاح فقد تبتلت ، وهذا ضد الأول ، والأول مأخوذ من المبتلة التي تم حسن كل عضو منها ، والبتيلة : كل عضو مكتنز منماز . الليث : البتيلة كل عضو بلحمه مكتنز من أعضاء اللحم على حياله ، والجمع بتائل ; وأنشد :


                                                          إذا المتون مدت البتائلا



                                                          وفي الحديث : بتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العمرى أي أوجبها وملكها ملكا لا يتطرق إليه نقض ، والعمرى بتات . وفي حديث النضر بن كلدة : والله ، يا معشر قريش ، لقد نزل بكم أمر ما أبتلتم بتله . يقال : مر على بتيلة من رأيه ومنبتلة أي عزيمة لا ترد . وانبتل في السير : مضى وجد ; قال الخطابي : هذا خطأ ، والصواب ما انتبلتم نبله أي ما انتبهتم له ولم تعلموا علمه . تقول العرب : أنذرتك الأمر فلم تنتبل نبله أي لم تنتبه له ، قال : فحينئذ يكون من باب النون لا من باب الباء . والبتيلة : العجز في بعض اللغات لانقطاعه عن الظهر ; قال :


                                                          إذا الظهور مدت البتائلا



                                                          والبتل : تمييز الشيء من غيره . والبتل : كالمسايل في أسفل الوادي ، واحدها بتيل . وبتيل اليمامة : جبل هنالك ، وهو البتيل أيضا ; قال :


                                                          فإن بني ذبيان حيث علمتم     بجزع البتيل بين باد وحاضر



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية