الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 343 ] سورة ص

                                                                                                                                                                                                                                      بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      آ . (1) قرأ العامة بسكون الدال من " صاد " كسائر حروف التهجي في أوائل السور . وقد مر ما فيه . وقرأ أبي والحسن وابن أبي إسحاق وابن أبي عبلة وأبو السمال بكسر الدال من غير تنوين . وفيها وجهان ، أحدهما : أنه كسر لالتقاء الساكنين ، وهذا أقرب . والثاني : أنه أمر من المصاداة وهي المعارضة ومنه صوت الصدى لمعارضته لصوتك وذلك في الأماكن الصلبة الخالية والمعنى : عارض القرآن بعملك ، فاعمل بأوامره وانته عن نواهيه . قاله الحسن . وعنه أيضا : أنه من صاديت أي : حادثت . والمعنى : حادث الناس بالقرآن .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن أبي إسحاق كذلك ، إلا أنه نونه وذلك على أنه مجرور بحرف قسم مقدر ، حذف وبقي عمله كقولهم : " الله لأفعلن " بالجر . إلا أن الجر يقل في غير الجلالة ، وإنما صرفه ذهابا به إلى معنى الكتاب والتنزيل . وعن الحسن [ ص: 344 ] أيضا وابن السميفع وهارون الأعور صاد بالضم من غير تنوين ، على أنه اسم للسورة ، وهو خبر مبتدأ مضمر أي : هذه صاد . ومنع من الصرف للعلمية والتأنيث ، وكذلك قرأ ابن السميفع وهارون : قاف ونون بالضم على ما تقدم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ عيسى وأبو عمرو في رواية محبوب " صاد " بالفتح من غير تنوين . وهي تحتمل ثلاثة أوجه . البناء على الفتح تخفيفا كـ أين وكيف ، والجر بحرف القسم المقدر ، وإنما منع من الصرف للعلمية والتأنيث كما تقدم ، والنصب بإضمار فعل أو على حذف حرف القسم نحو قوله :


                                                                                                                                                                                                                                      3829 - ... ... ... ... فذاك أمانة الله الثريد



                                                                                                                                                                                                                                      وامتنعت من الصرف لما تقدم ، وكذلك قرآ : " قاف " و " نون " بالفتح فيهما ، وهما كما تقدم ، ولم أحفظ التنوين مع الفتح والضم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : والقرآن قد تقدم مثله في يس والقرآن ، وجواب القسم فيه أقوال كثيرة ، أحدها : أنه قوله : إن ذلك لحق ، قاله الزجاج والكوفيون غير الفراء . قال الفراء : " لا نجده مستقيما لتأخيره جدا عن قوله : " والقرآن " . الثاني : أنه قوله : " كم أهلكنا " والأصل : لكم أهلكنا ، فحذف اللام كما حذفها [ ص: 345 ] في قوله : قد أفلح من زكاها بعد قوله : والشمس لما طال الكلام . قاله ثعلب والفراء . الثالث : أنه قوله : إن كل إلا كذب الرسل قاله الأخفش . الرابع : أنه قوله : " صاد " ; لأن المعنى : والقرآن لقد صدق محمد . قاله الفراء وثعلب أيضا . وهذا بناء منهما على جواز تقديم جواب القسم ، وأن هذا الحرف مقتطع من جملة هو دال عليها . وكلاهما ضعيف . الخامس : أنه محذوف . واختلفوا في تقديره ، فقال الحوفي : تقديره : لقد جاءكم الحق ، ونحوه . وقدره ابن عطية : ما الأمر كما يزعمون . والزمخشري : إنه لمعجز .

                                                                                                                                                                                                                                      والشيخ : إنك لمن المرسلين . قال : " لأنه نظير يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين وللزمخشري هنا عبارة بشعة جدا . وهي : " فإن قلت : قوله : ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق كلام ظاهره متناف غير منتظم . فما وجه انتظامه ؟ قلت : فيه وجهان ، أن يكون قد ذكر اسم هذا الحرف من حروف المعجم على سبيل التحدي والتنبيه على الإعجاز كما مر في أول الكتاب ، ثم أتبعه القسم محذوف الجواب [ ص: 346 ] لدلالة التحدي عليه ، كأنه قال : والقرآن ذي الذكر إنه لكلام معجز . والثاني : أن يكون " صاد " خبر مبتدأ محذوف على أنها اسم للسورة كأنه قال : هذه صاد . يعني هذه السورة التي أعجزت العرب والقرآن ذي الذكر ، كما تقول : " هذا حاتم والله " تريد : هو المشهور بالسخاء والله ، وكذلك إذا أقسم بها كأنه قال : أقسمت بصاد والقرآن ذي الذكر إنه لمعجز . ثم قال : بل الذين كفروا في عزة واستكبار عن الإذعان لذلك والاعتراف ، وشقاق لله ورسوله ، وإذا جعلتها مقسما بها ، وعطفت عليها والقرآن ذي الذكر جاز لك أن تريد بالقرآن التنزيل كله ، وأن تريد السورة بعينها . ومعناه : أقسم بالسورة الشريفة : والقرآن ذي الذكر كما تقول : مررت بالرجل الكريم والنسمة المباركة ، ولا تريد بالنسمة غير الرجل " .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية