الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
كتاب الأيمان

مناسبته عدم تأثير الهزل والإكراه ، وقدم العتاق لمشاركته للطلاق في الإسقاط والسراية .

( اليمين ) لغة القوة . وشرعا ( عبارة عن عقد قوي به عزم الحالف [ ص: 703 ] على الفعل أو الترك ) فدخل التعليق فإنه يمين شرعا إلا في خمس مذكورة في الأشباه ، [ ص: 704 ] فلو حلف لا يحلف حنث بطلاق وعتاق . وشرطها الإسلام والتكليف وإمكان البر . وحكمها البر أو الكفارة . وركنها اللفظ المستعمل فيها

التالي السابق


كتاب الأيمان

( قوله مناسبته إلخ ) قال في الفتح : اشترك كل من اليمين والعتاق والطلاق والنكاح في أن الهزل والإكراه لا يؤثر فيه إلا أنه قدم النكاح لأنه أقرب إلى العبادات كما تقدم ، والطلاق رفعه بعد تحقيقه فإيلاؤه إياه أوجه واختص العتاق عن اليمين بزيادة مناسبته بالطلاق من جهة مشاركته إياه في تمام معناه الذي هو الإسقاط ، وفي لازمه الشرعي الذي هو السراية فقدمه على اليمين ( قوله في الإسقاط ) فإن الطلاق إسقاط قيد النكاح والعتاق إسقاط قيد الرق ط ( قوله والسراية ) فإذا طلق نصفها سرى إلى الكل ، وكذا العتق : أي عندهما ، لقولهما بعدم تجزيه أما عنده فهو متجز ط ( قوله لغة القوة ) قال في النهر : واليمين لغة لفظ مشترك بين الجارحة والقوة والقسم ، إلا أن قولهم كما في المغرب وغيره : سمي الحلف يمينا لأن الحالف يتقوى بالقسم ، أو أنهم كانوا يتماسكون بأيمانهم عند القسم . يفيد كما في الفتح أن لفظ اليمين منقول . ا هـ .

أقول : هو منقول من أصل اللغة إلى عرفها ، فلا ينافي كونه في اللغة مشتركا بين الثلاثة ، وإنما اقتصر الشارح على القوة لظهور المناسبة بينه وبين المعنى الاصطلاحي المذكور في المتن ح .

قلت : أو لأنها الأصل ، فقد قال في الفتح في باب التعليق : إن اليمين في الأصل القوة ; وسميت إحدى اليدين باليمين لزيادة قوتها على الأخرى ، وسمي الحلف بالله تعالى يمينا لإفادته القوة على المحلوف عليه من الفعل والترك ، ولا شك أن تعليق المكروه للنفس على أمر يفيد قوة الامتناع عن ذلك الأمر ، وتعليق المحبوب لها على ذلك يفيد الحمل عليه فكان يمينا . ا هـ . فقد أفاد أن أصل المادة بمعنى القوة ثم استعملت في اللغة لمعان أخر لوجود المعنى الأصلي فيها كلفظ الكافر من الكفر وهو الستر . فيطلق على الكافر بالله تعالى وكافر النعمة ; وعلى الليل . وعلى الفلاح . وهكذا في كثير من الألفاظ اللغوية التي تطلق على أشياء ترجع إلى أصل واحد عام [ ص: 703 ] فيصح أن يطلق عليها لفظ الاشتراك نظرا إلى اتحاد المادة مع اختلاف المعاني ، وأن يطلق عليها لفظ المنقول نظرا إلى المعنى الأصلي الذي ترجع إليه ، والقول بأن المنقول يهجر فيه المعنى الأصلي وهذا ليس منه غير مقبول ، فإن اليمين إذا أطلق على الحلف لا يراد به القوة لغة ، ولهذا قال في الفتح هنا بعد ذكره أنه منقول ، ومفهومه لغة جملة أولى إنشائية صريحة الجزأين يؤكد بها جملة بعدها خبرية فاحترز بأولى عن التوكيد اللفظي بالجملة نحو : زيد قائم زيد قائم ، فإن المؤكد فيه هو الثانية لا الأولى عكس اليمين ، وبإنشائية عن التعليق فإنه ليس يمينا حقيقة لغة إلخ وقوله يؤكد بها إلخ إشارة إلى وجود المعنى الأصلي وهو القوة لا على أنه هو المراد ، وكذا إذا أطلق على الجارحة لا يراد به نفس القوة بل اليد المقابلة لليسار وهي ذات والقوة عرض ، فقد هجر فيه المعنى الأصلي وإن لوحظ اعتباره في المنقول إليه ، وبهذا ظهر أن المناسب بيان معنى اليمين اللغوي المراد به الحلف ليقابل به المعنى الشرعي ، وأما تفسيره بالمعنى الأصلي فغير مرضي فافهم ( قوله على الفعل أو الترك ) متعلق بالعزم أو ب ( قوي ) ط ( قوله فإنه يمين شرعا ) لأنه يقوى به عزم الحالف على الفعل في مثل إن لم أدخل الدار فزوجته طالق ، وعلى الترك في مثل إن دخلت الدار . قال في البحر : وظاهر ما في البدائع أن التعليق يمين في اللغة أيضا ، قال لأن محمدا أطلق عليه يمينا وقوله حجة في اللغة .

مطلب حلف لا يحلف حنث بالتعليق إلا في مسائل

( قوله مذكورة في الأشباه ) عبارته : حلف لا يحلف حنث بالتعليق إلا في مسائل : أن يعلق بأفعال القلوب أو يعلق بمجيء الشهر في ذوات الأشهر أو بالتطليق ، أو يقول إن أديت إلى كذا فأنت حر ، وإن عجزت فأنت رقيق ، أو إن حضت حيضة أو عشرين حيضة أو بطلوع الشمس كما في الجامع . ا هـ .

قلت : وإنما لم يحنث في هذه الخمسة لأنها لم تتمحض للتعليق .

أما الأولى كأنت طالق إن أردت أو أحببت فلأن هذا يستعمل في التمليك ، ولذا يقتصر على المجلس .

وأما الثانية كأنت طالق إذا جاء رأس الشهر أو إذا أهل الهلال والمرأة من ذوات الأشهر دون الحيض فلأنه مستعمل في بيان وقت السنة لأن رأس الشهر في حقها وقت وقوع الطلاق السني لا في التعليق .

وأما الثالثة كأنت طالق إن طلقتك فلأنه يحتمل الحكاية عن الواقع وهو كونه مالكا لتطليقها فلم يتمحض للتعليق .

وأما الرابعة كقوله إن أديت إلي ألفا فأنت حر ; وإن عجزت فأنت رقيق فلأنه تفسير للكتابة .

وأما الخامسة كأنت طالق إن حضت حيضة أو عشرين حيضة فلأن الحيضة الكاملة لا وجود لها إلا بوجود جزء من الطهر فيقع في الطهر فأمكن جعله تفسيرا لطلاق السنة فلم يتمحض للتعليق ، وحيث لم يتمحض للتعليق في هذه الخمس لا يحمل على التعليق حيث أمكن غيره صونا لكلام العاقل عن المحظور وهو الحلف بالطلاق وإنما حنث في إن حضت فأنت طالق لأنه لا يمكن جعله تفسيرا للبدعي لأن البدعي أنواع ، بخلاف السني فإنه نوع واحد ، وحنث أيضا في أنت طالق إن طلعت الشمس مع أن معنى اليمين وهو الحمل أو المنع مفقود ومع أن طلوع الشمس متحقق الوجود لا خطر فيه . لأنا نقول : الحمل والمنع ثمرة اليمين وحكمته ، فقد تم الركن في اليمين دون الثمرة ، والحكمة والحكم الشرعي في العقود الشرعية يتعلق بالصورة لا بالثمرة والحكمة ، ولذا لو حلف لا يبيع فباع فاسدا حنث لوجود ركن البيع وإن كان المطلوب منه وهو الملك غير ثابت ا هـ ملخصا من شرح تلخيص الجامع لابن بلبان الفارسي . وبه ظهر أن قول الأشباه أو بطلوع الشمس سبق قلم والصواب إسقاطه ، أو أن يقول لا بطلوع [ ص: 704 ] الشمس فافهم ( قوله فلو حلف لا يحلف إلخ ) تفريع على كون التعليق يمينا ، وقوله حنث بطلاق وعتاق : أي بتعليقهما ولكن فيما عدا المسائل المستثناة ، فكان الأولى تأخير الاستثناء إلى هنا كما مر في عبارة الأشباه .

[ تنبيه ] يتفرع على القاعدة المذكورة ما في كافي الحاكم : لو قال لامرأته إن حلفت بطلاقك فعبدي حر وقال لعبده إن حلفت بعتقك فامرأتي طالق فإن عبده يعتق لأنه قد حلف بطلاق امرأته ، ولو قال لها إن حلفت بطلاقك فأنت طالق وكرره ثلاثا طلقت ثنتين باليمين الأولى والثانية لو دخل بها وإلا فواحدة ( قوله وشرطها الإسلام والتكليف ) قال في النهر : وشرطها كون الحالف مكلفا مسلما ، وفسر في الحواشي السعدية التكليف بالإسلام والعقل والبلوغ ، وعزاه إلى البدائع وما قلناه أولى . ا هـ . وجه الأولوية أن الكافر على الصحيح مكلف بالفروع والأصول كما حقق في الأصول فلا يخرج بالتكليف .

واعلم أن اشتراط الإسلام إنما يناسب اليمين بالله تعالى واليمين بالقرب نحو إن فعلت كذا فعلي صلاة ، وأما اليمين بغير القرب نحو إن فعلت كذا فأنت طالق فلا يشترط له الإسلام كما لا يخفى ح .

مطلب في يمين الكافر

والحاصل أنه شرط لليمين الموجبة لعبادة من كفارة أو نحو صلاة وصوم في يمين التعليق ، وسيذكر المصنف أنه لا كفارة بيمين كافر وإن حنث مسلما وأن الكفر يبطلها ، فلو حلف مسلما ثم ارتد ثم أسلم ثم حنث فلا كفارة ا هـ وحينئذ فالإسلام شرط انعقادها وشرط بقائها . وأما تحليف القاضي له فهو يمين صورة رجاء نكوله كما يأتي ، ومقتضى هذا أنه لا إثم عليه في الحنث بعد إسلامه ولا في ترك الكفارة ، وكذا في حال كفره بالأولى على القول بتكليفه بالفروع . فما قيل من أن يمين الكافر منعقدة لغير الكفارة وأن من شرط الإسلام نظر إلى حكمها فهو غير ظاهر فافهم . ويشترط خلوها عن الاستثناء بنحو إن شاء الله أو إلا أن يبدو لي غير هذا أو إلا أن أرى أو أحب كما في ط عن الهندية قال في البحر : ومن زاد الحرية كالشمني فقد سها لأن العبد ينعقد يمينه ويكفر بالصوم كما صرحوا به . ا هـ .

قلت : ويشترط أيضا عدم الفاصل من سكوت ونحوه . ففي البزازية : أخذه الوالي وقال قل بالله فقال مثله ثم قال لتأتين يوم الجمعة فقال الرجل مثله فلم يأت لا يحنث لأنه بالحكاية والسكوت صار فاصلا بين اسم الله تعالى وحلفه . ا هـ . وفي الصيرفية : لو قال علي عهد الله وعهد الرسول لا أفعل كذا لا يصح لأن عهد الرسول صار فاصلا هـ أي لأنه ليس قسما بخلاف عهد الله ( قوله وإمكان البر ) أي عندهما خلافا لأبي يوسف كما في مسألة الكوز بحر ( قوله وحكمها البر أو الكفارة ) أي البر أصلا والكفارة خلفا كما في الدر المنتقى . وأنت خبير بأن الكفارة خاصة باليمين بالله تعالى ح وأراد البر وجودا وعدما ، فإنه يجب فيما إذا حلف على طاعة ، ويحرم فيما إذا حلف على معصية ، ويندب فيما إذا كان عدم المحلوف عليه جائزا وفيه زيادة تفصيل سيأتي .




الخدمات العلمية