الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                              جماع أبواب بعض فضائل آل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والوصية بهم ومحبتهم والتحذير من بعضهم ، وذكر أولاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأولادهم -رضي الله تعالى عنهم-

                                                                                                                                                                                                                              وتقدم في أبواب النسب النبوي الكلام على بعض فضائل العرب وقريش وبني هاشم ، ونذكر هنا ما لم يتقدم له ذكر .

                                                                                                                                                                                                                              الباب الأول

                                                                                                                                                                                                                              في فضائل قرابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونفعها ، والحث على محبتهم .

                                                                                                                                                                                                                              روى أبو داود الطيالسي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والإمام أحمد والحاكم عن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما بال أقوام يقولون : إن رحمي لا ينفع ، بلى والله ، إن رحمي موصولة في الدنيا والآخرة ، ألا وإني فرطكم على الحوض ، فإذا جئت قام رجال فقال هذا : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا فلان ، وقال هذا : يا رسول الله ، أنا فلان ، فأقول : قد عرفتكم ولكنكم أحدثتم بعدي ، ورجعتم القهقرى" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن ماجه والروياني والحاكم في "صحيحه" والطبراني (وابن عساكر والإمام أحمد عن العباس بن عبد المطلب -رضي الله تعالى عنه- قال : كنا نلقى النفر) من قريش وهم يتحدثون فيقطعون حديثهم ، فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "ما بال أقوام يتحدثون فإذا رأوا الرجل من أهل بيتي قطعوا حديثهم" -وفي لفظ- قلت : يا رسول الله ، إن قريشا إذا لقي بعضهم بعضا أوسموا بوجوه حسنة ، وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : "والذي نفسي بيده" وفي لفظ : "إن الله -عز وجل- لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبهم لله ، ولقرابتهم مني" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والترمذي والبغوي ومحمد بن نصر ، عن عبد الله بن الحارث ، عن عبد المطلب بن ربيعة -رضي الله تعالى عنه- قال : دخل العباس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : [ ص: 4 ] إنا لنخرج فنرى قريشا يتحدثون ، فإذا رأونا سكتوا ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودر العرق بين عينيه ، ثم قال : "والله لا يدخل قلب امرئ مسلم إيمان حتى يحبكم لله ولقرابتي" وفي لفظ : لله ولرسوله .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال : جاء العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنك تركت فينا ضغائن مند صنعت الذي صنعته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لن تنالوا الخير" أو قال : "الإيمان ، حتى يحبونكم لله ورسوله ولقرابتي ، أيرجون أن يدخلوا الجنة بشفاعتي ولا يرجوها بنو عبد المطلب" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الديلمي عن أنس -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من أحب الله أحب القرآن ، ومن أحب القرآن أحبني ، ومن أحبني أحب أصحابي وقرابتي" انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي عاصم والطبراني وابن مردويه وابن منده برجال ثقات غير عبد الرحمن بن بشير الدمشقي ، وثقه ابن حبان وضعفه ابن أبي حاتم ، عن ابن عمر وأبي هريرة وعمار بن ياسر -رضي الله تعالى عنهم- قالوا : قدمت درة -بدال- بنت أبي لهب مهاجرة ، فقالت نسوة : أنت درة بنت أبي لهب الذي يقول الله تعالى : تبت يدا أبي لهب وتب [المسد : 1] فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت ، ثم صلى بالناس الظهر ، فخطب : "يا أيها الناس مالي أوذى في أهلي ؟ ! فوالله ، إن شفاعتي لتنال قرابتي حتى إن صداء وحكم وحاء وسلهبا لتنالها يوم القيامة" .

                                                                                                                                                                                                                              رحمه الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "ما بال أقوام يزعمون أن شفاعتي لا تنال أهل بيتي وإن شفاعتي لتنال حاء وحكم" .

                                                                                                                                                                                                                              قال : حاء وحكم قبيلتان .


                                                                                                                                                                                                                              روى ابن منده والإمام الزاهد عمر الملي -بفتح الميم وتشديد اللام- الموصلي ، رحمه الله تعالى- وكان إماما عظيما ، وكان على المنبر بجامع الموصل احتسابا ، وكان السلطان نور الدين الشهيد -رحمه الله تعالى- يعتمد قوله ، ويقبل شفاعته لجلالته ، عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال : جاءت سبيعة بنت أبي لهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن الناس يقولون : أنت بنت حطب النار ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "ما بال أقوام يؤذونني في قرابتي ؟ ! من آذاني في قرابتي فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله تعالى" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني مرسلا برجال ثقات عن عبد الله بن أبي رافع .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد في المناقب عن علي -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا معشر بني هاشم ، والذي بعثني بالحق نبيا لو أخذت حلقة باب الجنة ، ما بدأت إلا بكم" .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 5 ] وروى أبو بكر بن يوسف بن البهلول ، عن طلحة بن مصرف -رحمه الله تعالى- قال : كان يقال : بغض بني هاشم نفاق .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو قاسم حمزة السهمي في "فضائل العباس" عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال : "أعطى الله -عز وجل- بني عبد المطلب سبعا الصباحة والفصاحة والسماحة والشجاعة والحلم والعلم وحب الناس .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الحاكم ، وقال : على شرط مسلم ، عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا بني عبد المطلب ، إني سألت الله ثلاثة أن يجعلكم جوداء ، نجداء ، رحماء" وفي لفظ : "أن يثبت قائمكم ، وأن يهدي ظالمكم ، وأن يعلم جاهلكم ، وسألته أن يجعلكم جوداء نجداء رحماء ، فلو أن رجلا صفن بين الركن والمقام فصلى وصام ولقي الله ، وهو مبغض لأهل بيت محمد صلى الله عليه وسلم دخل النار" .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية "صفن قدمه" .

                                                                                                                                                                                                                              ونجداء : بدال مهملة .

                                                                                                                                                                                                                              صفن -بصاد مهملة ففاء خفيفة فنون- : جمع بين قدميه .

                                                                                                                                                                                                                              والنجدة : الشجاعة وشدة البأس .

                                                                                                                                                                                                                              وروى عمر الملا عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا بني عبد المطلب ، إني سألت الله -تعالى- أن يثبت قائمكم ، وأن يهدي ضالكم ، وأن يعلم جاهلكم ، وأن يجعلكم رحماء نجداء ، ولو أن رجلا صفن بين الركن والمقام فصلى وصام ، ثم مات ، وهو مبغض لأهل هذا البيت لدخل النار" .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية