الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
والمقصود هنا أن لفظ "الشبيه، والنظير" فيه إجمال كبير واشتراك في اللفظ، وإجمال في المعنى. فإن أراد بما نفاه بهذه [ ص: 513 ] المقدمة نفي الشبيه من كل وجه فهذا محل وفاق، ولا ينفعه ذلك. وإن أراد به نفي الشبيه من بعض الوجوه فقد ذكر أن هذا متفق على ثبوته فلم يرد نفيه ولم يقم دليلا على نفيه. والقول الذي ذكره عن بعض منازعيه (لا يمكننا عقل موجود لا متصل ولا منفصل إلا إذا وجدنا له نظيرا ). قد ذكرنا أنه لا يقوله من يعلم امتناع موجود لا متصل ولا منفصل، ولا يقوله من يعلم إمكانه، وإنما يقوله الواقف الذي يطلب للشيء نظيرا. وقد ذكر هذا الرازي أنه لا يطلب أحد من العقلاء نظيرا من كل وجه، وذكر أن الشبيه من بعض الوجوه ثابت للرب سبحانه وتعالى باتفاق المسلمين؛ فضلا عن أن يكون ثابتا لغيره، وهذا المنازع له لا يطلب إلا نظيرا من بعض الوجوه، فإذا كان مطلوبه حاصلا باتفاق المسلمين لم يكن قوله فاسدا. فأحد الأمرين لازم: إما أن لا يكون قال أحد هذا القول، أو يكون [ ص: 514 ] هذا القول حقا مسلما بالاتفاق. وعلى التقديرين فلا تصح مناظرة قائله.

فإن قيل: هذا المنازع طلب نظيرا في مورد النزاع، وهو أني لا أثبت موجودا لا داخل العالم ولا خارجه إن لم يكن له شبيه من هذا الوجه، والمخالفون له لا يثبتون المشابهة من هذا الوجه؟.

قيل: هذا حق، وهو تشبيه من وجه مخصوص؛ لكن المصنف لم يثبت جواز وجود موجود بدون هذا التشبيه الخاص؛ إذ لو أثبت ذلك لكان قد أثبت جواز موجود لا يكون داخل العالم ولا خارجه. وذلك لو أثبته كان له مغنيا عن هذه المقدمة؛ بل ادعى أنه لا يجب في الوجود الشبيه والنظير لكل موجود. ولفظ "الشبيه" مجمل كما قد ذكره هو. وإذا كانت الدعوى مجملة تحتمل مورد النزاع وما هو أعم منه وما هو أخص منه لم تكن إقامة الدليل عليها دافعة للخصم وهذا بين.

التالي السابق


الخدمات العلمية