الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3610 (9) باب أكل الجراد والأرانب

                                                                                              [ 1852 ] عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نأكل الجراد.

                                                                                              وفي رواية: سبع غزوات.

                                                                                              رواه أحمد (4 \ 357) والبخاري (5495) ومسلم (1952) وأبو داود (3912) والترمذي (1822) والنسائي (7 \ 210). [ ص: 237 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 237 ] (9) ومن باب أكل الجراد والأرنب

                                                                                              (قوله: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبع غزوات نأكل الجراد ) ظاهره جواز أكل الجراد مطلقا، ولم يختلف في جواز أكل الجراد على الجملة، لكن اختلف فيه; هل يحتاج إلى سبب يموت به أم لا يحتاج؟ فعامة الفقهاء: على أنه لا يحتاج إلى ذلك، فيجوز أكل الميتة منه، وإليه ذهبابن عبد الحكم ، ومطرف من أصحابنا، وذهب مالك : إلى أنه لا بد له من سبب يموت به، كقطع رأسه، أو رجله، أو أجنحته إذا مات من ذلك، أو يشوى، أو يصلق.

                                                                                              وقال الليث : يكره أكل ميت الجراد إلا ما أخذ حيا ثم مات، فإن أخذه ذكاته، وإليه ذهب سعيد بن المسيب ، والجمهور؛ تمسكا بظاهر حديث ابن أبي أوفى المتقدم، وبما ذكره ابن المنذر : أن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - كن يتهادين الجراد فيما بينهن. وبما ذكره الدارقطني عن ابن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (أحل لنا ميتتان: الحوت والجراد، ودمان: الكبد والطحال) على أنه لا يصح لأنه من رواية عبد الله ، وعبد الرحمن ابني [ ص: 238 ] زيد بن أسلم ، ولا يحتج بحديثهما.

                                                                                              ومن الجمهور من رأى أنه من صيد البحر، وعلى هذا فيجوز للمحرم صيدها، من غير جزاء، ويجوز أكل ما صاد المجوسي منه، وإليه ذهب النخعي ، والشافعي ، والنعمان ، وأبو ثور .

                                                                                              فأما مالك والليث فرأيا أن الجراد من حيوان البر، فميتته محرمة; لأنها داخلة في عموم قوله: حرمت عليكم الميتة ولم يصح عندهم: (أحلت لنا ميتتان) وقالا بموجب حديث ابن أبي أوفى ، وبما ذكره ابن المنذر بشرط الذكاة; إذ ليسا بنصين.

                                                                                              وإذا كان كذلك فلا بد من ذكاة، إلا أن ذكاة كل شيء بحسب ما يتأتى فيه، فرأى مالك أنه لا بد من فعل يفعل فيها حتى تموت بسببه، ورأى الليث أن أخذها وتركها إلى أن تموت سبب يبيحها، ولم ير مالك ذلك لأنه لم يفعل فيها شيئا.

                                                                                              وقال أشهب : لا يؤكل الجراد إلا إذا قطعت رؤوسه، أو يطرح حيا في نار أو ماء، فأما قطع أرجله وأجنحته فلا يكون ذلك ذكاة عنده; وإن مات بسببه، وعلى هذا فلو صلق الحي منه مع الميت فقال أشهب : يطرح الجميع، وقال سحنون : يؤكل الأحياء، وتكون الموتى بمنزلة خشاش الأرض يموت في القدر.

                                                                                              قلت: وهذا من سحنون ميل إلى أنه من الحيوان الذي ليس له نفس سائلة، ويلزم على هذا ألا ينجس بالموت، ولا ينجس ما مات فيه، وحينئذ يجوز أكله ميتا. والله تعالى أعلم.




                                                                                              الخدمات العلمية