الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
27 - باب الوقف على مرسوم الخط


1 - وكوفيهم والمازني ونافع عنوا باتباع الخط في وقف الابتلا      2 - ولابن كثير يرتضى وابن عامر
وما اختلفوا فيه حر أن يفصلا



المراد خط المصاحف التي كتبها الصحابة في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه، وانعقد إجماعهم عليها، وأنفذها عثمان إلى الأمصار الإسلامية.

المعنى: أنه ثبتت الرواية عن الكوفيين والبصري ونافع أنهم كانوا يعنون ويهتمون بمتابعة خط المصحف الإمام، وأثر هذا الاهتمام التزامهم بمتابعته في الوقف الذي يكون المقصود منه اختيار القارئ في مدى معرفته بالكلمات التي رسمت في المصاحف على خلاف مقتضى قواعد الرسم المتداولة بين الناس، أو في الوقف الذي يضطر إليه القارئ لضيق نفسه، أو نسيانه أو نحو ذلك.

والمراد أنهم وردت عنهم الرواية بأنهم كانوا يتبعون رسم الكلمات في المصاحف العثمانية فما كتب فيه بالتاء وقفوا عليه بالتاء، وما كتب بالهاء وقفوا عليه بالهاء، وإن لم يكن موضع وقف، وما كان من كلمتين وصلت إحداهما بالأخرى لم يوقف إلا على الثانية منهما نحو: إنما، من قوله تعالى: إنما الله إله واحد ، وما كان من كلمتين فصلت إحداهما عن الأخرى يجوز أن يوقف على كل واحدة منهما نحو: إن ما توعدون لآت بالأنعام. والمقصود من الوقف على هذه الكلمات وليست بموضع وقف أحد أمرين: إما اختبار معرفة القارئ كيف يقف على هذه الكلمات، وإما إرشاده إلى صحة الوقف عليها عند طرو طارئ عليه من ضيق نفس، أو نسيان، أو غلبة عطاس، أو بكاء أو نحو ذلك. فقوله: (في وقف الابتلاء) [ ص: 180 ] محتمل لهذين الأمرين، وارتضى شيوخ الإقراء واستحسنوا اتباع خط المصحف بالنسبة لابن كثير، وابن عامر، وإن لم ترد عنهم رواية بذلك. وقوله: (وما اختلفوا فيه) (ما) اسم موصول مبتدأ، وجملة (اختلفوا) صلته. و(حر) حقيق، اسم منقوص أعل إعلال قاض خبر الموصول. (أن يفصلا) أن وما بعدها في تأويل مصدر فاعل لقوله (حر).

المعنى: والذي اختلف فيه القراء السبعة من الكلمات جدير وحقيق شرحه وتبيينه كما سيأتي.


3 - إذا كتبت بالتاء هاء مؤنث     فبالهاء قف حقا رضا ومعولا



هاء التأنيث التي تكون تاء في الوصل قسمان: قسم رسم في المصاحف بالهاء على لفظ الوقف، وقسم رسم فيها بالتاء المجرورة على لفظ الوصل، ولا خلاف بين القراء أن الوقف على القسم الأول يكون بالهاء تبعا للرسم، وأما القسم الثاني فوقف عليه بالهاء ابن كثير وأبو عمرو والكسائي مخالفين في ذلك أصلهم، وهو اتباع رسم المصحف، ووقف الباقون على هذا القسم بالتاء متابعين أصولهم في ذلك، وهي مسايرة خط المصحف.

وقد تكفل علماء التجويد ببيان الكلمات التي رسمت في المصاحف بالتاء، وبيان الكلمات التي رسمت بالهاء، فمثال ما رسم بالتاء: إن رحمت الله قريب من المحسنين في الأعراف، بقيت الله خير لكم في هود، اذكروا نعمت الله عليكم في فاطر. ومثال ما رسم بالهاء: فبما رحمة من الله لنت لهم في آل عمران، وما بكم من نعمة فمن الله في النحل، أولو بقية ينهون في هود.


4 - وفي اللات مع مرضات مع ذات بهجة     ولات رضا هيهات هاديه رفلا



وقف الكسائي على هذه الكلمات بالهاء (اللات) في: أفرأيتم اللات والعزى في النجم، (مرضات) حيث وقع في القرآن، (ذات) في حدائق ذات بهجة بالنمل، (ولات) في: ولات حين مناص في (ص)، وقيد ذات ببهجة احترازا عن نحو: ذات بينكم ، ذات اليمين ، وذات الشمال فلا خلاف بين القراء في الوقف عليها بالتاء. وأما لفظ بهجة فهو مرسوم بالهاء في جميع المصاحف، والوقف عليه بالهاء لجميع القراء، ووقف [ ص: 181 ] الباقون على الكلمات المذكورة بالتاء تبعا للرسوم، ووقف البزي والكسائي على كلمة (هيهات) في موضعيها بالمؤمنين بالهاء، ووقف غيرهما بالتاء. و(رفلا) بضم الراء وكسر الفاء مشددة: عظم.


5 - وقف يا أبه كفؤا دنا وكأين ال     وقوف بنون وهو بالياء حصلا



أمر بالوقف على كلمة " يا أبت " بالهاء حيث وردت في القرآن الكريم لابن عامر وابن كثير نحو: يا أبت لا تعبد الشيطان ، يا أبت افعل ما تؤمر ، ويؤخذ الوقف على هذه الكلمة بالهاء لابن عامر وابن كثير من العطف على ما قبلها، أو من تلفظه بالهاء.

ثم أخبر أن كلمة " وكأين " في جميع القرآن الوقف عليها بالنون لكل القراء اتباعا للرسم ما عدا أبا عمرو فيقف عليها بالياء، سواء قرنت بالواو نحو: وكأين من نبي قاتل ، أم بالفاء نحو: فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة ، فالواو في قول الناظم (وكأين) للعطف ليشمل المقرون بالواو والفاء، ووجه قراءة أبي عمرو: أن أصل الكلمة (أي) بالتنوين ثم دخل عليها كاف التشبيه فهي مجرورة منونة مثل كعلي، فوقف أبو عمرو على (أي) بحذف التنوين لأن التنوين يحذف وقفا، وإنما كتبت في المصحف نونا على لفظ الوصل.


6 - ومال لدى الفرقان والكهف والنسا     وسأل على ما حج والخلف رتلا



قوله تعالى: مال هذا الرسول بالفرقان، وقوله تعالى: مال هذا الكتاب بالكهف، وقوله تعالى: فمال هؤلاء القوم بالنساء، وقوله تعالى: فمال الذين كفروا في سأل. وقف أبو عمرو على (ما) في المواضع الأربعة، واختلف عن الكسائي فروي عنه الوقف على (ما)، وروي عنه الوقف على (اللام)، ووقف باقي القراء على (اللام)، وقد كتبت (ما ل)، في هذه المواضع بفصل اللام عما بعدها، وصوب في النشر جواز الوقف على كل من (ما)، و(اللام) في هذه المواضع لجميع القراء، ويجب أن يعلم أن الوقف على (ما)، أو على (اللام) إنما هو وقف اختباري بالباء الموحدة أو اضطراري، وليس وقفا اختياريا يصحح البدء باللام أو بما بعدها، فإذا وقف على (ما) أو على (اللام) اختيارا أو اضطرارا [ ص: 182 ] وجب عليه أن يرجع ويبتدئ بقوله تعالى مال هذا ، أو (فمال) إلخ.


7 - ويا أيها فوق الدخان وأيها     لدى النور والرحمن رافقن حملا
8 - وفي الها على الإتباع ضم ابن عامر     لدى الوصل والمرسوم فيهن أخيلا



وقف الكسائي وأبو عمرو على لفظ (أيه) بالألف على ما لفظ به في وقالوا يا أيه الساحر بالزخرف، وهي فوق الدخان، و (أيه المؤمنون)، بالنور، و(أيه الثقلان) بالرحمن، فإذا وصلوا حذفوها. وقرأ ابن عامر بضم الهاء وصلا في المواضع الثلاثة إتباعا لضم الياء قبلها، فإذا وقف أسكن الهاء. وقرأ الباقون بفتح الهاء وصلا، لأن الفتح ضد الضم، فإذا وقفوا أسكنوا الهاء. وقوله (ضم ابن عامر) يصح قراءته بفتح الميم على أنه فعل ماض، و(ابن) بالرفع فاعل له، ويصح قراءته بضم الميم على أنه مبتدأ وخفض (ابن) على أنه مضاف إليه، والجار والمجرور و(في الهاء) متعلق بمحذوف، خبر مقدم، و(على الإتباع) متعلق بما تعلق به الخبر. وقوله: (حملا) بضم الحاء وفتح الميم مشددة جمع حامل كركع جمع راكع، يعني أن هذه الكلمات رافقن من حملوا قراءتها ونقلوها لغيرهم. وقوله: (والمرسوم فيهن أخيلا) أي أظهر، يعني أن مرسوم المصاحف أظهر رسم هذه الكلمات بحذف الألف، ورسم غيرها بإثباتها، فيكون الوقف على غير هذه المواضع بإثبات الألف بإجماع القراء.


9 - وقف ويكأنه ويكأن برسمه     وبالياء قف رفقا وبالكاف حللا



أمر بالوقف على الهاء في (ويكأنه) وعلى النون في (ويكأن) وهما بسورة القصص في قوله تعالى: ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر ، لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون ، كما هو مرسوم في المصاحف لجميع القراء ما عدا الكسائي وأبا عمرو، فإن الكسائي يقف على الياء ويصح عنده أن يبدأ بالكاف. وإن أبا عمرو يقف على الكاف ويصح البدء عنده بقوله: (أن الله في الأول)، و(أنه) في الثاني، والصحيح الوقف على الكلمة بأسرها، والبدء بقولك ويكأن الله اتباعا للرسم وعملا بالقياس.

[ ص: 183 ]

10 - وأيا بأيا ما شفا وسواهما     بما وبواد النمل باليا سنا تلا



بين أن الوقف على (أيا) من أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى بالإسراء. لحمزة والكسائي مع إبدال التنوين ألفا. ومعنى (وسواهما) بما أن الباقين من القراء وقفوا على (ما) فالباء في قوله (بما) بمعنى على، هذا مفاد النظم، وقال ابن الجزري في النشر: والأرجح والأقرب للصواب جواز الوقف على كل من أيا، وما لجميع القراء اتباعا للرسم لكونهما كلمتين انفصلتا رسما انتهى. أقول: ولا يجوز البدء (بما)، ولا (بتدعوا) بل يتعين (بأيا) لجميع القراء.


11 - وفيمه وممه قف وعمه لمه بمه     بخلف عن البزي وادفع مجهلا



أمر بالوقف بهاء السكت كما لفظ على فيم، من قوله تعالى: فيم أنت من ذكراها في والنازعات، وعلى مم، في قوله تعالى فلينظر الإنسان مم خلق في الطارق، وعلى عم، في عم يتساءلون في النبإ، وعلى لم، في نحو لم أذنت لهم في التوبة، لم تقولون ما لا تفعلون في الصف، وعلى بم، في بم يرجع المرسلون في النمل، أمر بالوقف بهاء السكت على الكلمات المذكورة للبزي بخلف عنه، فتكون قراءة الباقين بحذف الهاء على الرسم، وهو الوجه الثاني للبزي. وقوله: (وادفع مجهلا) معناه ادفع من جهل قارئ هذه القراءة بما يرده ويردعه عن التجهيل، (فمجهلا) اسم فاعل مفعول به لقوله (ادفع) ويصح أن يكون حالا من فاعل ادفع، والمفعول محذوف، أي ادفع من رد هذه القراءة حال كونك مجهلا له، أي راميا له بالجهل وقلة المعرفة.

التالي السابق


الخدمات العلمية