الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ بحر ]

                                                          بحر : البحر : الماء الكثير ، ملحا كان أو عذبا ، وهو خلاف البر ، سمي بذلك لعمقه واتساعه ، وقد غلب على الملح حتى قل في العذب ، وجمعه أبحر وبحور وبحار . وماء بحر : ملح ، قل أو كثر ; قال نصيب :


                                                          وقد عاد ماء الأرض بحرا فزادني إلى مرضي ، أن أبحر المشرب العذب



                                                          قال ابن بري : هذا القول هو قول الأموي لأنه كان يجعل البحر من الماء الملح فقط . قال : وسمي بحرا لملوحته ، يقال : ماء بحر أي ملح ، وأما غيره فقال : إنما سمي البحر بحرا لسعته وانبساطه ; ومنه قولهم إن فلانا لبحر أي واسع المعروف ; قال : فعلى هذا يكون البحر للملح والعذب ; وشاهد العذب قول ابن مقبل :


                                                          ونحن منعنا البحر أن يشربوا به     وقد كان منكم ماؤه بمكان



                                                          وقال جرير :


                                                          أعطوا هنيدة تحدوها ثمانية     ما في عطائهم من ولا سرف
                                                          كوما مهاريس مثل الهضب ، لو وردت     ماء الفرات ، لكاد البحر ينتزف



                                                          وقال عدي بن زيد :


                                                          وتذكر رب الخورنق إذ أش     رف يوما ، وللهدى تذكير
                                                          سره ماله وكثرة ما يم     لك ، والبحر معرضا والسدير



                                                          أراد بالبحر هاهنا الفرات لأن رب الخورنق كان يشرف على الفرات ; وقال الكميت :


                                                          أناس ، إذا وردت بحرهم     صوادي العرائب ، لم تضرب



                                                          وقد أجمع أهل اللغة أن اليم هو البحر . وجاء في الكتاب العزيز : فألقيه في اليم ; قال أهل التفسير : هو نيل مصر ، حماها الله تعالى . ابن سيده : وأبحر الماء صار ملحا ; قال : والنسب إلى البحر بحراني على غير قياس . قال سيبويه : قال الخليل : كأنهم بنوا الاسم على فعلان . قال عبد الله محمد بن المكرم : شرطي في هذا الكتاب أن أذكر ما قاله مصنفو الكتب الخمسة الذين عينتهم في خطبته ، لكن هذه نكتة لم يسعني إهمالها . قال السهيلي - رحمه الله تعالى : زعم ابن سيده في كتاب المحكم أن العرب تنسب إلى البحر بحراني ، على غير قياس ، وإنه من شواذ النسب ، ونسب هذا القول إلى سيبويه والخليل - رحمهما الله تعالى - وما قاله سيبويه قط ، وإنما قال في شواذ النسب : تقول في بهراء بهراني وفي صنعاء صنعاني ، كما تقول بحراني في النسب إلى البحرين التي هي مدينة ، قال : وعلى هذا تلقاه جميع النحاة وتأولوه من كلام سيبويه ، قال : وإنما اشتبه على ابن سيده لقول الخليل في هذه المسألة أعني مسألة النسب إلى البحرين ، كأنهم بنوا البحر على بحران ، وإنما أراد لفظ البحرين ، ألا تراه يقول في كتاب العين : تقول بحراني في النسب إلى البحرين ، ولم يذكر النسب إلى البحر أصلا للعلم به وأنه على قياس جار . قال : وفي الغريب المصنف عن الزيدي أنه قال : إنما قالوا بحراني في النسب إلى البحرين ، ولم يقولوا بحري ليفرقوا بينه وبين النسب إلى البحر . قال : وما زال ابن سيده يعثر في هذا الكتاب وغيره عثرات يدمى منها الأظل ، ويدحض دحضات تخرجه إلى سبيل من ضل ، ألا تراه قال في هذا الكتاب ، وذكر بحيرة طبرية فقال : هي من أعلام خروج الدجال وأنه ييبس ماؤها عند خروجه ، والحديث إنما جاء في غور زغر ، وإنما ذكرت طبرية في حديث يأجوج ومأجوج وأنهم يشربون ماءها ; قال : وقال في الجمار في غير هذا الكتاب : إنما هي التي ترمى بعرفة وهذه هفوة لا تقال ، وعثرة لا لعا لها ; قال : وكم له من هذا إذا تكلم في النسب وغيره . هذا آخر ما رأيته منقولا عن السهيلي . ابن سيده : وكل نهر عظيم بحر . الزجاج : وكل نهر لا ينقطع ماؤه فهو بحر . قال الأزهري : كل نهر لا ينقطع ماؤه مثل دجلة والنيل وما أشبههما من الأنهار العذبة الكبار ، فهو بحر . وأما البحر الكبير الذي هو مغيض هذه الأنهار فلا يكون ماؤه إلا ملحا أجاجا ، ولا يكون ماؤه إلا راكدا ; وأما هذه الأنهار العذبة فماؤها جار ، وسميت هذه الأنهار بحارا ; لأنها مشقوقة في الأرض شقا . ويسمى الفرس الواسع الجري بحرا ; ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في مندوب فرس أبي طلحة وقد ركبه عريا : " إني وجدته بحرا " ; أي واسع الجري ; قال أبو عبيدة : يقال للفرس الجواد : إنه لبحر لا ينكش حضره . قال الأصمعي : يقال فرس بحر وفيض وسكب وحت ; إذا كان جوادا كثير العدو . وفي الحديث : أبى ذلك البحر ابن عباس ؛ سمي بحرا لسعة علمه وكثرته . والتبحر والاستبحار : الانبساط والسعة . وسمي البحر بحرا لاستبحاره ، وهو انبساطه وسعته . ويقال : إنما سمي البحر بحرا ; لأنه شق في الأرض شقا وجعل ذلك الشق لمائه قرارا . والبحر في كلام العرب : الشق . وفي حديث عبد المطلب : وحفر زمزم ثم بحرها بحرا أي شقها ووسعها حتى لا تنزف ; ومنه قيل للناقة التي كانوا يشقون في أذنها شقا : بحيرة . وبحرت أذن الناقة بحرا شققتها وخرقتها . ابن سيده : بحر الناقة والشاة يبحرها بحرا شق أذنها بنصفين ، وقيل : بنصفين طولا ، وهي البحيرة ، وكانت العرب تفعل بهما ذلك إذا نتجتا عشرة أبطن فلا ينتفع منهما بلبن ولا ظهر ، وتترك البحيرة ترعى وترد الماء ، ويحرم لحمها على النساء ويحلل للرجال ، فنهى الله تعالى عن ذلك فقال : ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ; قال : وقيل : البحيرة من الإبل التي بحرت أذنها أي شقت طولا ، ويقال : هي التي خليت بلا راع ، وهي أيضا الغزيرة ، وجمعها بحر ، [ ص: 25 ] كأنه يوهم حذف الهاء . قال الأزهري : قال أبو إسحاق النحوي : أثبت ما روينا عن أهل اللغة في البحيرة أنها الناقة كانت إذا نتجت خمسة أبطن فكان آخرها ذكرا ، بحروا أذنها أي شقوها وأعفوا ظهرها من الركوب والحمل والذبح ، ولا تحلأ عن ماء ترده ولا تمنع من مرعى ، وإذا لقيها المعيي المنقطع به لم يركبها . وجاء في الحديث : أن أول من بحر البحائر وحمى الحامي وغير دين إسماعيل عمرو بن لحي بن قمعة بن جندب ; وقيل : البحيرة الشاة إذا ولدت خمسة أبطن فكان آخرها ذكرا بحروا أذنها أي شقوها ، وتركت فلا يمسها أحد . قال الأزهري : والقول هو الأول ; لما جاء في حديث أبي الأحوص الجشمي عن أبيه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : " أرب إبل أنت أم رب غنم ؟ " فقال : من كل قد آتاني الله فأكثر ، فقال : " هل تنتج إبلك وافية آذانها فتشق فيها وتقول بحر ؟ " يريد به جمع البحيرة . وقال الفراء : البحيرة هي ابنة السائبة ، وقد فسرت السائبة في مكانها ; قال الجوهري : وحكمها حكم أمها . وحكى الأزهري عن ابن عرفة : البحيرة الناقة إذا نتجت خمسة أبطن والخامس ذكر نحروه فأكله الرجال والنساء ، وإن كان الخامس أنثى بحروا أذنها أي شقوها ; فكانت حراما على النساء لحمها ولبنها وركوبها ، فإذا ماتت حلت للنساء ; ومنه الحديث : فتقطع آذانها فتقول بحر ; وأنشد شمر لابن مقبل :


                                                          فيه من الأخرج المرتاع قرقرة     هدر الديامي وسط الهجمة البحر



                                                          البحر : الغزار . والأخرج : المرتاع المكاء . وورد ذكر البحيرة في غير موضع : كانوا إذا ولدت إبلهم سقبا بحروا أذنه أي شقوها ، وقالوا : اللهم إن عاش فقني ; وإن مات فذكي ; فإذا مات أكلوه وسموه البحيرة ، وكانوا إذا تابعت الناقة بين عشر إناث لم يركب ظهرها ولم يجز وبرها ، ولم يشرب لبنها إلا ضيف ، فتركوها مسيبة لسبيلها ، وسموها السائبة ، فما ولدت بعد ذلك من أنثى شقوا أذنها وخلوا سبيلها ، وحرم منها ما حرم من أمها ، وسموها البحيرة ، وجمع البحيرة على بحر جمع غريب في المؤنث إلا أن يكون قد حمله على المذكر ; نحو نذير ونذر ، على أن بحيرة فعيلة بمعنى مفعولة نحو قتيلة ; قال : ولم يسمع في جمع مثله فعل ، وحكى الزمخشري بحيرة وبحر وصريمة وصرم ، وهي التي صرمت أذنها أي قطعت . واستبحر الرجل في العلم والمال وتبحر : اتسع وكثر ماله . وتبحر في العلم : اتسع . واستبحر الشاعر إذا اتسع في القول ; قال الطرماح :


                                                          بمثل ثنائك يحلو المديح     وتستبحر الألسن المادحه



                                                          وفي حديث مازن : كان لهم صنم يقال له : باحر ، بفتح الحاء ، ويروى بالجيم . وتبحر الراعي في رعي كثير : اتسع ، وكله من البحر لسعته . وبحر الرجل إذا رأى البحر ففرق حتى دهش ، وكذلك برق إذا رأى سنا البرق فتحير ، وبقر إذا رأى البقر الكثير ومثله خرق وعقر . ابن سيده : أبحر القوم ركبوا البحر . ويقال للبحر الصغير : بحيرة كأنهم توهموا بحرة وإلا فلا وجه للهاء ، وأما البحيرة التي في طبرية وفي الأزهري التي بالطبرية فإنها بحر عظيم نحو عشرة أميال في ستة أميال وغور مائها ، وأنه علامة لخروج الدجال تيبس حتى لا يبقى فيها قطرة ماء ، وقد تقدم في هذا الفصل ما قاله السهيلي في هذا المعنى . وقوله : يا هادي الليل جرت إنما هو البحر أو الفجر ; فسره ثعلب فقال : إنما هو الهلاك أو ترى الفجر ، شبه الليل بالبحر . وقد ورد ذلك في حديث أبي بكر - رضي الله عنه : إنما هو الفجر أو البجر ، وقد تقدم ; وقال : معناه إن انتظرت حتى يضيء الفجر أبصرت الطريق ، وإن خبطت الظلماء أفضت بك إلى المكروه . قال : ويروى البحر ، بالحاء ، يريد غمرات الدنيا شبهها بالبحر ; لتحير أهلها فيها . والبحر : الرجل الكريم الكثير المعروف . وفرس بحر : كثير العدو ، على التشبيه بالبحر . والبحر : الريف ، وبه فسر أبو علي قوله عز وجل : ظهر الفساد في البر والبحر ; لأن البحر الذي هو الماء لا يظهر فيه فساد ولا صلاح ; وقال الأزهري : معنى هذه الآية : أجدب البر وانقطعت مادة البحر بذنوبهم ، كان ذلك ليذوقوا الشدة بذنوبهم في العاجل ; وقال الزجاج : معناه ظهر الجدب في البر والقحط في مدن البحر التي على الأنهار ; وقول بعض الأغفال :


                                                          وأدمت خبزي من صيير     من صير مصرين ، أو البحير



                                                          قال : يجوز أن يعني بالبحير البحر الذي هو الريف فصغره للوزن وإقامة القافية . قال : ويجوز أن يكون قصد البحيرة فرخم اضطرارا . وقوله : من صيير من صير مصرين يجوز أن يكون ( صير ) بدلا من صيير ، بإعادة حرف الجر ، ويجوز أن تكون من للتبعيض كأنه أراد من صيير كائن من صير مصرين ، والعرب تقول لكل قرية : هذه بحرتنا . والبحرة : الأرض والبلدة ; يقال : هذه بحرتنا أي أرضنا . وفي حديث القسامة : قتل رجلا ببحرة الرعاء على شط لية ، البحرة : البلدة . وفي حديث عبد الله بن أبي : اصطلح أهل هذه البحيرة أن يعصبوه بالعصابة ، البحيرة : مدينة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي تصغير البحرة ، وقد جاء في رواية مكبرا . والعرب تسمي المدن والقرى : البحار . وفي الحديث : وكتب لهم ببحرهم ; أي ببلدهم وأرضهم . وأما حديث عبد الله بن أبي فرواه الأزهري بسنده عن عروة أن أسامة بن زيد أخبره : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ركب حمارا على إكاف وتحته قطيفة فركبه وأردف أسامة ، وهو يعود سعد بن عبادة ، وذلك قبل وقعة بدر ، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن أبي أنفه ثم قال : لا تغبروا ، ثم نزل النبي - صلى الله عليه وسلم - فوقف ودعاهم إلى الله وقرأ القرآن ، فقال له عبد الله : أيها المرء إن كان ما تقول حقا فلا تؤذنا في مجلسنا وارجع إلى رحلك ، فمن جاءك منا فقص عليه ; ثم ركب دابته حتى دخل على سعد بن عبادة ، فقال له : أي سعد ، ألم تسمع ما قال أبو حباب ؟ قال كذا ، فقال سعد : اعف واصفح فوالله لقد أعطاك الله الذي أعطاك ، ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه ، يعني يملكوه فيعصبوه بالعصابة ، فلما رد الله ذلك بالحق الذي [ ص: 26 ] أعطاك شرق لذلك فذلك فعل به ما رأيت ، فعفا عنه النبي - صلى الله عليه وسلم . والبحرة : الفجوة من الأرض تتسع ; وقال أبو حنيفة : قال أبو نصر : البحار الواسعة من الأرض ، الواحدة بحرة ، وأنشد لكثير في وصف مطر :


                                                          يغادرن صرعى من أراك وتنضب     وزرقا بأجوار البحار تغادر



                                                          وقال مرة : البحرة الوادي الصغير يكون في الأرض الغليظة . والبحرة : الروضة العظيمة مع سعة ، وجمعها بحر وبحار ; قالالنمر بن تولب :


                                                          وكأنها دقرى تخايل ، نبتها     أنف ، يغم الضال نبت بحارها



                                                          الأزهري : يقال للروضة : بحرة . وقد أبحرت الأرض إذا كثرت مناقع الماء فيها . وقال شمر : البحرة الأوقة يستنقع فيها الماء . ابن الأعرابي : البحيرة المنخفض من الأرض . وبحر الرجل والبعير بحرا ، فهو بحر إذا اجتهد في العدو طالبا أو مطلوبا ، فانقطع وضعف ولم يزل بشر حتى اسود وجهه وتغير . قال الفراء : البحر أن يلغى البعير بالماء فيكثر منه حتى يصيبه منه داء . يقال : بحر يبحر بحرا ، فهو بحر وأنشد :


                                                          لأعلطنه وسما لا يفارقه     كما يجز بحمى الميسم البحر



                                                          قال : وإذا أصابه الداء كوي في مواضع فيبرأ . قال الأزهري : الداء الذي يصيب البعير فلا يروى من الماء ، هو النجر ، بالنون والجيم ، والبجر ، بالباء والجيم ، وأما البحر ، فهو داء يورث السل . وأبحر الرجل إذا أخذه السل . ورجل بحير وبحر : مسلول ذاهب اللحم ; عن ابن الأعرابي وأنشد :


                                                          وغلمتي منهم سحير وبحر     وآبق ، من جذب دلويها ، هجر



                                                          أبو عمرو : البحير والبحر الذي به السل ، والسحير : الذي انقطعت رئته ، ويقال : سحر . وبحر الرجل : بهت . وأبحر الرجل إذا اشتدت حمرة أنفه . وأبحر إذا صادف إنسانا على غير اعتماد وقصد لرؤيته ، وهو من قولهم : لقيته صحرة بحرة أي بارزا ليس بينك وبينه شيء . والباحر ، بالحاء : الأحمق الذي إذا كلم بحر وبقي كالمبهوت ، وقيل : هو الذي لا يتمالك حمقا . الأزهري : الباحر الفضولي ، والباحر الكذاب . وتبحر الخبر : تطلبه . والباحر : الأحمر الشديد الحمرة . يقال : أحمر باحر وبحراني . ابن الأعرابي : يقال أحمر قانئ وأحمر باحري وذريحي ، بمعنى واحد . وسئل ابن عباس عن المرأة تستحاض ويستمر بها الدم ، فقال : تصلي وتتوضأ لكل صلاة ، فإذا رأت الدم البحراني قعدت عن الصلاة ; دم بحراني : شديد الحمرة كأنه قد نسب إلى البحر ، وهو اسم قعر الرحم منسوب إلى قعر الرحم وعمقها ، وزادوه في النسب ألفا ونونا للمبالغة يريد الدم الغليظ الواسع ; وقيل : نسب إلى البحر لكثرته وسعته ومن الأول قول العجاج :


                                                          ورد من الجوف وبحراني



                                                          أي عبيط خالص . وفي الصحاح : البحر عمق الرحم ، ومنه قيل للدم الخالص الحمرة : باحر وبحراني . ابن سيده : ودم باحر وبحراني خالص الحمرة من دم الجوف وعم بعضهم به فقال : أحمر باحري وبحراني ، ولم يخص به دم الجوف ولا غيره . وبنات بحر : سحائب يجئن قبل الصيف منتصبات رقاقا ، بالحاء والخاء ، جميعا . قال الأزهري : قال الليث : بنات بحر ضرب من السحاب ، قال الأزهري : وهذا تصحيف منكر والصواب بنات بخر . قال أبو عبيد عن الأصمعي : يقال لسحائب يأتين قبل الصيف منتصبات : بنات بخر وبنات مخر ، بالباء والميم والخاء ، ونحو ذلك قال اللحياني وغيره ، وسنذكر كلا منهما في فصله . الجوهري : بحر الرجل ، بالكسر ، يبحر بحرا إذا تحير من الفزع مثل بطر ; ويقال أيضا : بحر إذا اشتد عطشه فلم يرو من الماء . والبحر أيضا : داء في الإبل وقد بحرت . والأطباء يسمون التغير الذي يحدث للعليل دفعة في الأمراض الحادة : بحرانا ، يقولون : هذا يوم بحران بالإضافة ، ويوم باحوري على غير قياس ، فكأنه منسوب إلى باحور وباحوراء مثل عاشور وعاشوراء ، وهو شدة الحر في تموز ، وجميع ذلك مولد ; قال ابن بري عند قول الجوهري : إنه مولد وإنه على غير قياس ; قال : ونقيض قوله إن قياسه باحري وكان حقه أن يذكره لأنه يقال دم باحري أي خالص الحمرة ; ومنه قول المثقب العبدي :


                                                          باحري الدم مر لحمه     يبرئ الكلب ، إذا عض وهر

                                                          والباحور : القمر ; عن أبي علي في البصريات له . والبحران : موضع بين البصرة وعمان ، النسب إليه بحري وبحراني ; قال اليزيدي : كرهوا أن يقولوا بحري فتشبه النسبة إلى البحر ; الليث : رجل بحراني منسوب إلى البحرين ; قال : وهو موضع بين البصرة وعمان ; ويقال : هذه البحرين وانتهينا إلى البحرين . وروي عن أبي محمد اليزيدي قال : سألني المهدي وسأل الكسائي عن النسبة إلى البحرين وإلى حصنين : لم قالوا حصني وبحراني ؟ فقال الكسائي : كرهوا أن يقولوا حصناني ; لاجتماع النونين ، قال : وقلت أنا : كرهوا أن يقولوا بحري فتشبه النسبة إلى البحر ; قال الأزهري : وإنما ثنوا البحر لأن في ناحية قراها بحيرة على باب الأحساء وقرى هجر بينها وبين البحر الأخضر عشرة فراسخ ، وقدرت البحيرة ثلاثة أميال في مثلها ولا يغيض ماؤها ، وماؤها راكد زعاق ; وقد ذكرها الفرزدق فقال :


                                                          كأن ديارا بين أسنمة النقا     وبين هذاليل البحيرة مصحف



                                                          وكانت أسماء بنت عميس يقال لها : البحرية ; لأنها كانت هاجرت إلى بلاد النجاشي فركبت البحر ، وكل ما نسب إلى البحر ; فهو بحري ، وفي الحديث ذكر بحران ، وهو بفتح الباء وضمها وسكون الحاء ، موضع بناحية الفرع من الحجاز ، له ذكر في سرية عبد الله بن جحش . وبحر وبحير وبحير وبيحر وبيحرة : أسماء . وبنو بحري : بطن . [ ص: 27 ] وبحرة ويبحر : موضعان . وبحار وذو بحار : موضعان ; قال الشماخ :


                                                          صبا صبوة من ذي بحار ، فجاورت     إلى آل ليلى بطن غول فمنعج



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية