الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في كراهية القران بين التمرتين

                                                                                                          1814 حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو أحمد الزبيري وعبيد الله عن الثوري عن جبلة بن سحيم عن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرن بين التمرتين حتى يستأذن صاحبه قال وفي الباب عن سعد مولى أبي بكر قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في كراهية القران ) القران بكسر القاف وتخفيف الراء أي ضم تمرة إلى تمرة ، لمن أكل مع جماعة .

                                                                                                          قوله : ( وعبيد الله ) هو ابن موسى العبسي الكوفي ( عن جبلة ) بفتح الجيم والموحدة ( بن سحيم ) بمهملتين مصغرا كوفي ثقة من الثالثة .

                                                                                                          قوله : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرن ) أي يجمع وهو بضم الراء وكسرها لغتان يقال قرن بين الشيئين . قالوا : ولا يقال أقرن ( بين التمرتين ) أي بأن يأكلهما دفعة ( حتى يستأذن صاحبه ) في رواية لمسلم : حتى يستأذن أصحابه أي الذين اشتركوا معه في ذلك التمر ، فإذا أذنوا جاز له القران ، قال النووي : هذا النهي متفق عليه حتى يستأذنهم ، فإذا أذنوا فلا بأس . واختلفوا في أن هذا النهي على التحريم أو على الكراهة والأدب ، فنقل القاضي عياض عن أهل الظاهر أنه [ ص: 435 ] للتحريم ، وعن غيرهم أنه للكراهة والأدب ، والصواب التفصيل ، فإن كان الطعام مشتركا بينهم فالقران حرام إلا برضاهم ، ويحصل الرضا بتصريحهم به أو بما يقوم مقام التصريح من قرينة حال أو إدلال عليهم كلهم بحيث يعلم يقينا أو ظنا قويا أنهم يرضون به ، ومتى شك في رضاهم فهو حرام وإن كان الطعام لغيرهم أو لأحدهم اشترط رضاه وحده ، فإن قرن بغير رضاه فحرام ، ويستحب أن يستأذن الآكلين معه ولا يجب وإن كان الطعام لنفسه وقد ضيفهم به فلا يحرم عليه القران ، ثم إن كان في الطعام قلة فحسن أن لا يقرن لتساويهم ، وإن كان كثيرا بحيث يفضل عنهم فلا بأس بقرانه ، لكن الأدب مطلقا التأدب في الأكل وترك الشره إلا أن يكون مستعجلا ويريد الإسراع لشغل آخر . وقال الخطابي : إنما كان هذا في زمنهم وحين كان الطعام ضيقا ، فأما اليوم مع اتساع الحال فلا حاجة إلى الإذن ، وليس كما قال ، بل الصواب ما ذكرنا من التفصيل ، فإن الاعتبار لعموم اللفظ لا لخصوص السبب لو ثبت السبب ، كيف وهو غير ثابت انتهى كلام النووي .

                                                                                                          تنبيه :

                                                                                                          قد أخرج ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ وهو في مسند البزار من طريق ابن بريدة عن أبيه رفعه : كنت نهيتكم عن القران في التمر وإن الله وسع عليكم فاقرنوا . قال الحافظ : في سنده ضعف . وقال الحازمي : حديث النهي أصح وأشهر إلا أن الخطب فيه يسير ؛ لأنه ليس من باب العبادات وإنما هو من قبيل المصالح الدنيوية فيكتفى فيه بمثل ذلك ، ويعضده إجماع الأمة على جواز ذلك . قال الحافظ : مراده بالجواز في حال كون الشخص مالكا لذلك المأكول ولو بطريق الإذن له فيه كما قرره النووي وإلا فلم يجز أحد من العلماء أن يستأثر أحد بمال غيره بغير إذنه حتى لو قامت قرينة تدل على أن الذي وضع الطعام بين الضيفان لا يرضيه استئثار بعضهم على بعض ، حرم الاستئثار جزما ، وإنما تقع المكارمة في ذلك إذا قامت قرينة الرضا . وذكر أبو موسى المديني في ذيل الغريبين عن عائشة وجابر استقباح القران لما فيه من الشره والطمع المزري بصاحبه . وقال مالك : ليس بجميل أن يأكل أكثر من رفقته .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن سعد مولى أبي بكر ) أخرجه ابن ماجه .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه .




                                                                                                          الخدمات العلمية