الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

قال وهو على ثلاث درجات . الدرجة الأولى : أن تعرف مقام الخلق . وأنهم بأقدارهم مربوطون . وفي طاقتهم محبوسون . وعلى الحكم موقوفون . فتستفيد بهذه المعرفة ثلاثة أشياء : أمن الخلق منك ، حتى الكلب . ومحبة الخلق إياك ، ونجاة الخلق بك .

فبهذه الدرجة : يكون تحسين الخلق مع الخلق في معاملتهم ، وكيفية مصاحبتهم .

وبالثانية : تحسين الخلق مع الله في معاملته .

وبالثالثة : درجة الفناء على قاعدته وأصله .

يقول : إذا عرفت مقام الخلق ، ومقاديرهم ، وجريان الأحكام القدرية عليهم ، وأنهم مقيدون بالقدر ، لا خروج لهم عنه ألبتة ، ومحبوسون في قدرتهم وطاقتهم . لا يمكنهم تجاوزها إلى غيرها ، وأنهم موقوفون على الحكم الكوني القدري لا يتعدونه ، استفدت بهذه المعرفة ثلاثة أشياء :

أمن الخلق منك . وذلك : أنه إذا نظر إليهم بعين الحقيقة . لم يطالبهم بما لا يقدرون عليه . وامتثل فيهم أمر الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بأخذ العفو منهم . فأمنوا من تكليفه إياهم . وإلزامه لهم ما ليس في قواهم وقدرهم .

وأيضا فإنهم يأمنون لائمته . فإنه في هذه الحال عاذر لهم فيما يجري عليهم من الأحكام فيما لم يأمر الشرع بإقامته فيهم . لأنهم إذا كانوا محبوسين في طاقتهم فينبغي مطالبتهم بما يطالب به المحبوس ، وعذرهم بما يعذر به المحبوس . وإذا بدا منهم في حقك تقصير أو إساءة ، أو تفريط . فلا تقابلهم به ولا تخاصمهم . بل اغفر لهم ذلك [ ص: 303 ] واعذرهم . نظرا إلى جريان الأحكام عليهم ، وأنهم آلة . وهاهنا ينفعك الفناء بشهود الحقيقة عن شهود جنايتهم عليك ، كما قال بعض العارفين لرجل تعدى عليه وظلمه : إن كنت ظالما فالذي سلطك علي ليس بظالم .

التالي السابق


الخدمات العلمية