الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 151 ] خطبة لقس بن ساعدة الإيادي

أخبرني محمد بن علي الأنصاري بن محمد بن عامر ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم ، حدثنا عبد الله بن داود بن عبد الرحمن العمري ، قال : حدثنا الأنصاري علي بن محمد الحنظلي - من ولد حنظلة الغسيل - حدثنا جعفر بن محمد ، عن محمد بن حسان ، عن محمد بن حجاج اللخمي ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن ابن عباس ؛ قال :

لما وفد وفد عبد القيس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أيكم يعرف قس بن ساعدة ؟

قالوا : كلنا نعرفه يا رسول الله .

قال : لست أنساه بعكاظ ، إذ وقف على بعير له أحمر ، فقال :

أيها الناس اجتمعوا ، وإذا اجتمعتم فاسمعوا ، وإذا سمعتم فعوا ؛ وإذا وعيتم فقولوا ، وإذا قلتم فاصدقوا ؛ من عاش مات ، ومن مات فات ؛ وكل ما هو آت آت .

أما بعد ؛ فإن في السماء لخبرا ، وإن في الأرض لعبرا ؛ مهاد موضوع ، وسقف مرفوع ، ونجوم تمور ، وبحار لا تغور ؛ أقسم بالله قس قسما [ ص: 152 ] حقا لا كاذبا فيه ولا آثما ، لئن كان في الأرض رضا ليكونن سخطا ؛ إن لله تعالى دينا هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه ، وقد أتاكم أوانه ، ولحقتكم مدته .

مالي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون ؟ أرضوا بالمقام فأقاموا ؟ أم تركوا فناموا ؟

ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أيكم يروي شعره ؟ فأنشدوه :


في الذاهبين الأوليـ ـن من القرون لنا بصائر     لما رأيت مواردا
للموت ليس لها مصادر     ورأيت قومي نحوها
يسعى الأصاغر والأكابر     لا يرجع الماضي إليـ
ـي ولا من الباقين غابر     أيقنت أني لا محا
لة حيث صار القوم صائر



* * *

أخبرني الحسن بن عبد الله بن سعيد ، حدثنا علي بن الحسين بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن زكريا ، حدثنا عبيد الله بن الضحاك ، عن هشام ، عن أبيه : أن وفدا من إياد قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فسألهم عن حال قس بن ساعدة ، فقالوا : قال قس :


يا ناعي الموت والأموات في جدث     عليهم من بقايا بزهم خرق
دعهم فإن لهم يوما يصاح بهم     كما ينبه من نوماته الصعق
منهم عراة ومنهم في ثيابهم     منها الجديد ومنها الأورق الخلق



[ ص: 153 ] مطر ونبات ، وآباء وأمهات ، وذاهب وآت . وآيات في إثر آيات ، وأموات بعد أموات . ضوء وظلام ، وليال وأيام ؛ وغني وفقير ، وشقي وسعيد ، ومحسن ومسيء . أين الأرباب الفعلة ؟ ليصلحن كل عامل عمله .

كلا ، بل هو الله واحد ، ليس بمولود ولا والد ؛ أعاد وأبدى ، وإليه المآب غدا .

أما بعد ؛ يا معشر إياد ؛ أين ثمود وعاد ؟ وأين الآباء والأجداد ؟ أين الحسن الذي لم يشكر ؟ أين الظلم الذي لم ينقم ؟ كلا ورب الكعبة ليعودن ما بدا ، ولئن ذهب يوم ليعودن يوم
.

قال : وهو قس بن ساعدة بن حذاق بن ذهل بن إياد بن نزار . أول من آمن بالبعث من أهل الجاهلية . وأول من توكأ على عصا . وأول من تكلم بـ " أما بعد ".

التالي السابق


الخدمات العلمية