الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 257 ] سورة الفرقان

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى : ( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ( 1 ) ) .

قوله تعالى : ( ليكون ) : في اسم كان ثلاثة أوجه ؛ أحدها : الفرقان . والثاني : العبد . والثالث : الله تعالى . وقرئ شاذا : على عباده ، فلا يعود الضمير إليه .

قال تعالى : ( الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا ( 2 ) ) .

قوله تعالى : ( الذي له ) : يجوز أن يكون بدلا من " الذي " الأولى ، وأن يكون خبر مبتدأ محذوف ، وأن يكون في موضع نصب على تقدير أعني .

قال تعالى : ( وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا ( 4 ) وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ( 5 ) ) .

قوله تعالى : ( افتراه ) : الهاء تعود على " عبده " في أول السورة .

قوله تعالى : ( ظلما ) : مفعول جاءوا ؛ أي أتوا ظلما

ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال والأساطير قد ذكرت في الأنعام .

( اكتتبها ) : في موضع الحال من الأساطير ؛ أي قالوا هذه أساطير الأولين مكتتبة .

قال تعالى : ( وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ( 7 ) أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ( 8 ) ) .

قوله تعالى : ( يأكل الطعام ) : هو في موضع الحال ، والعامل فيها العامل في " لهذا " أو نفس الظرف . ( فيكون ) : منصوب على جواب الاستفهام ، أو التحضيض .

( أو يلقى ) - ( أو تكون ) : معطوف على أنزل ، لأن أنزل بمعنى ينزل ، أو يلقى بمعنى ألقى .

[ ص: 258 ] و ( يأكل ) بالياء والنون ، والمعنى فيهما ظاهر .

قال تعالى : ( تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا ( 10 ) ) .

قوله تعالى : ( جنات ) : بدل من " خيرا " .

( ويجعل لك ) : بالجزم عطفا على موضع " جعل " الذي هو جواب الشرط ؛ وبالرفع على الاستئناف ؛ ويجوز أن يكون من جزم سكن المرفوع تخفيفا وأدغم .

قال تعالى : ( إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا ( 12 ) وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا ( 13 ) ) .

قوله تعالى : ( إذا رأتهم ) إلى آخر الآية : في موضع نصب صفة لسعير .

و ( ضيقا ) بالتشديد والتخفيف : قد ذكر في الأنعام .

و ( مكانا ) : ظرف ، و " منها " حال منه ؛ أي مكانا منها .

و ( ثبورا ) : مفعول به ؛ ويجوز أن يكون مصدرا من معنى دعوا .

قال تعالى : ( لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعدا مسئولا ( 16 ) ) .

قوله تعالى : ( خالدين ) : هو حال من الضمير في " يشاءون " أو من الضمير في " لهم " .

( كان على ربك ) : الضمير في " كان " يعود على " ما " ويجوز أن يكون التقدير : كان الوعد وعدا ، ودل على هذا المصدر قوله تعالى : " وعدا " وقوله : " لهم فيها " وخبر كان : " وعدا " أو " على ربك " .

قال تعالى : ( ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل ( 17 ) ) .

[ ص: 259 ] قوله تعالى : ( ويوم يحشرهم ) : أي واذكر .

قوله تعالى : ( وما أرسلنا ) : يجوز أن تكون الواو عاطفة ، وأن تكون بمعنى مع .

قوله تعالى : ( هؤلاء ) : يجوز أن يكون بدلا من عبادي ، وأن يكون نعتا .

قال تعالى : ( قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا ( 18 ) ) .

قوله تعالى : ( أن نتخذ ) : يقرأ بفتح النون وكسر الخاء على تسمية الفاعل ؛ و " من أولياء " هو المفعول الأول ، و " من دونك " الثاني ؛ وجاز دخول " من " لأنه في سياق النفي ، فهو كقوله تعالى : ( ما اتخذ الله من ولد ) [ المؤمنون : 91 ] .

ويقرأ بضم النون وفتح الخاء على على ما لم يسم فاعله ، والمفعول الأول مضمر ، و " من أولياء " الثاني .

وهذا لا يجوز عند أكثر النحويين ؛ لأن " من " لا تزاد في المفعول الثاني ؛ بل في الأول ؛ كقولك : ما اتخذت من أحد وليا ؛ ولا يجوز : ما اتخذت أحدا من ولي ؛ ولو جاز ذلك لجاز : فما منكم أحد عنه من حاجزين ؛ ويجوز أن يكون " من دونك " حالا من أولياء .

قال تعالى : ( وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا ( 20 ) ) .

قوله تعالى : ( إلا أنهم ) : كسرت " إن " لأجل اللام في الخبر .

وقيل : لو لم تكن اللام لكسرت أيضا ؛ لأن الجملة حالية ؛ إذ المعنى : إلا وهم يأكلون .

وقرئ بالفتح على أن اللام زائدة ، وتكون أن مصدرية ، ويكون التقدير : إلا أنهم يأكلون ؛ أي وما جعلناهم رسلا إلى الناس إلا لكونهم مثلهم .

ويجوز أن تكون في موضع الحال ، ويكون التقدير : إنهم ذوو أكل .

التالي السابق


الخدمات العلمية