الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ سبت ]

                                                          سبت : السبت ، بالكسر ، كل جلد مدبوغ ، وقيل : هو المدبوغ بالقرظ خاصة ؛ وخص بعضهم به جلود البقر ، مدبوغة كانت أم غير مدبوغة . ونعال سبتية : لا شعر عليها . الجوهري : السبت ، بالكسر ، جلود البقر المدبوغة بالقرظ ، تحذى منه النعال السبتية . وخرج الحجاج يتوذف في سبتيتين له ، وفي الحديث : أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، رأى رجلا يمشي بين القبور في نعليه ، فقال : يا صاحب السبتين ، اخلع سبتيك ، قال الأصمعي : السبت الجلد المدبوغ ، قال : فإن كان عليه شعر أو صوف أو وبر فهو مصحب . وقال أبو عمرو : النعال السبتية هي المدبوغة بالقرظ . قال الأزهري : وحديث النبي ، صلى الله عليه وسلم ، يدل على أن السبت ما لا شعر عليه . وفي الحديث : أن عبيد بن جريج قال لابن عمر : رأيتك تلبس النعال السبتية ، فقال : رأيت النبي ، صلى الله عليه وسلم ، يلبس النعال التي ليس عليها شعر ، ويتوضأ فيها فأنا أحب أن ألبسها ؛ قال : إنما اعترض عليه ، لأنها نعال أهل النعمة والسعة ، قال الأزهري : كأنها سميت سبتية لأن شعرها قد سبت عنها أي حلق وأزيل بعلاج من الدباغ ، معلوم عند دباغيها ، ابن الأعرابي : سميت النعال المدبوغة سبتية ، لأنها انسبتت بالدباغ أي لانت . وفي تسمية النعل المتخذة من السبت سبتا اتساع ، مثل قولهم : فلان يلبس الصوف والقطن والإبريسم أي الثياب المتخذة منها . ويروى السبتيتين ، على النسب ، وإنما أمره بالخلع احتراما للمقابر لأنه يمشي بينها ؛ وقيل : كان بها قذر أو لاختياله في مشيه . والسبت والسبات : الدهر . وابنا سبات : الليل والنهار ؛ قال ابن أحمر :


                                                          فكنا وهم كابني سبات تفرقا سوى ، ثم كانا منجدا وتهاميا



                                                          قال ابن بري : ذكر أبو جعفر محمد بن حبيب أن ابني سبات رجلان ، رأى أحدهما صاحبه في المنام ، ثم انتبه ، وأحدهما بنجد ، والآخر بتهامة ، وقال غيره : ابنا سبات أخوان مضى أحدهما إلى مشرق الشمس لينظر من أين تطلع ، والآخر إلى مغرب الشمس لينظر أين تغرب . السبت : برهة من الدهر ؛ قال لبيد :


                                                          وغنيت سبتا قبل مجرى داحس     لو كان ، للنفس اللجوج ، خلود



                                                          وأقمت سبتا ، وسبتة ، وسنبتا ، وسنبتة ، أي برهة . والسبت : الراحة . وسبت يسبت سبتا : استراح وسكن . والسبات : نوم خفي كالغشية . وقال ثعلب : السبات ابتداء النوم في الرأس حتى يبلغ إلى [ ص: 102 ] القلب . ورجل مسبوت ، من السبات ، وقد سبت ، عن ابن الأعرابي وأنشد :


                                                          وتركت راعيها مسبوتا     قد هم ، لما نام ، أن يموتا



                                                          التهذيب : والسبت السبات ؛ وأنشد الأصمعي :


                                                          يصبح مخمورا ، ويمسي سبتا



                                                          أي مسبوتا . والمسبت : الذي لا يتحرك ، وقد أسبت . ويقال : سبت المريض ، فهو مسبوت . وأسبت الحية إسباتا إذا أطرق لا يتحرك ؛ وقال :


                                                          أصم أعمى ، لا يجيب الرقى     من طول إطراق وإسبات



                                                          والمسبوت : الميت والمغشي عليه ، وكذلك العليل إذا كان ملقى كالنائم يغمض عينيه في أكثر أحواله ، مسبوت . وفي حديث عمرو بن مسعود ، قال لمعاوية : ما تسأل عن شيخ نومه سبات وليله هبات ؟ السبات : نوم المريض والشيخ المسن ، وهو النومة الخفيفة ، وأصله من السبت ، الراحة والسكون ، أو من القطع وترك الأعمال ، والسبات : النوم وأصله الراحة ، ، تقول منه : سبت يسبت ، هذه بالضم وحدها . ابن الأعرابي : في قوله عز وجل : وجعلنا نومكم سباتا ؛ أي قطعا ؛ والسبت : القطع فكأنه إذا نام فقد انقطع عن الناس . وقال الزجاج : السبات أن ينقطع عن الحركة ، والروح في بدنه ، أي جعلنا نومكم راحة لكم . والسبت من أيام الأسبوع ، وإنما سمي السابع من أيام الأسبوع سبتا لأن الله تعالى ابتدأ الخلق فيه ، وقطع فيه بعض خلق الأرض ؛ ويقال : أمر فيه بنو إسرائيل بقطع الأعمال وتركها ؛ وفي المحكم : وإنما سمي سبتا لأن ابتداء الخلق كان من يوم الأحد إلى يوم الجمعة ، ولم يكن في السبت شيء من الخلق ، قالوا : فأصبحت يوم السبت منسبتة أي قد تمت وانقطع العمل فيها ؛ وقيل : سمي بذلك لأن اليهود كانوا ينقطعون فيه عن العمل والتصرف ، والجمع أسبت وسبوت وقد سبتوا يسبتون ويسبتون ، وأسبتوا : دخلوا في السبت . والإسبات : الدخول في السبت . والسبت : قيام اليهود بأمر سنتها . قال تعالى : ويوم لا يسبتون لا تأتيهم ؛ وقوله تعالى : وجعلنا الليل لباسا والنوم سباتا ) ؛ قال : قطعا لأعمالكم . قال : وأخطأ من قال : سمي السبت ؛ لأن الله أمر بني إسرائيل فيه بالاستراحة ؛ وخلق هو عز وجل ، السماوات والأرض في ستة أيام ، آخرها يوم الجمعة ثم استراح وانقطع العمل ، فسمي السابع يوم السبت . قال : وهذا خطأ لأنه لا يعلم في كلام العرب سبت بمعنى استراح ، وإنما معنى سبت قطع ، ولا يوصف الله تعالى وتقدس بالاستراحة ، لأنه لا يتعب والراحة لا تكون إلا بعد تعب وشغل ، وكلاهما زائل عن الله تعالى ، قال : واتفق أهل العلم على أن الله تعالى ابتدأ الخلق يوم السبت ، ولم يخلق يوم الجمعة سماء ولا أرضا . قال الأزهري : والدليل على صحة ما قال : ما روي عن عبد الله بن عمر ، قال : خلق الله التربة يوم السبت ، وخلق الحجارة يوم الأحد ، وخلق السحاب يوم الاثنين وخلق الكروم يوم الثلاثاء ، وخلق الملائكة يوم الأربعاء ، وخلق الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم يوم الجمعة فيما بين العصر وغروب الشمس ، وفي الحديث : فما رأينا الشمس سبتا ؛ قيل : أراد أسبوعا من السبت إلى السبت ، فأطلق عليه اسم اليوم ، كما يقال : عشرون خريفا ويراد عشرون سنة ؛ وقيل : أراد بالسبت مدة من الأزمان قليلة كانت أو كثيرة . وحكى ثعلب عن ابن الأعرابي : لا تك سبتيا أي ممن يصوم السبت وحده . وسبت علاوته : ضرب عنقه ، والسبت السير السريع ؛ وأنشد لحميد بن ثور :


                                                          ومطوية الأقراب ، أما نهارها     فسبت وأما ليلها فذميل



                                                          وسبتت الناقة تسبت سبتا ، وهي سبوت . والسبت : سير فوق العنق ؛ وقيل : هو ضرب من السير وفي نسخة : سير الإبل ؛ قال رؤبة :


                                                          يمشي بها ذو المرة السبوت     وهو من الأين حف نحيت



                                                          والسبت أيضا : السبق في العدو . وفرس سبت إذا كان جوادا ، كثير العدو ، والسبت الحلق . وفي الصحاح : حلق الرأس ، وسبت رأسه وشعره يسبته سبتا ، وسلته ، وسبده حلقه ؛ قال : وسبده إذا أعفاه ، وهو من الأضداد ، وسبت الشيء سبتا وسبته : قطعه ، وخص به اللحياني الأعناق . وسبتت اللقمة حلقي وسبتته : قطعته ، والتخفيف أكثر . والسبتاء من الأرض : كالصحراء . وقيل : أرض سبتاء ، لا شجر فيها . أبو زيد : السبتاء الصحراء ، والجمع سباتي وسباتى . وأرض سبتاء مستوية .

                                                          وانسبتت الرطبة : جرى فيها كلها الإرطاب . وانسبت الرطب : عمه كله الإرطاب . ورطب منسبت : عمه الإرطاب . وانسبتت الرطبة أي لانت . ورطبة منسبتة أي لينة ؛ وقال عنترة :


                                                          بطل كأن ثيابه في سرحة     يحذى نعال السبت ليس بتوأم



                                                          مدحه بأربع خصال كرام : إحداها أنه جعله بطلا أي شجاعا ، الثانية أنه جعله طويلا شبهه بالسرحة ، الثالثة أنه جعله شريفا ، للبسه نعال السبت ، الرابعة أنه جعله تام الخلق ناميا ، لأن التوأم يكون أنقص خلقا وقوة وعقلا وخلقا . والسبت إرسال الشعر عن العقص . والسبت والسبت : نبات شبه الخمطي ، الأخيرة عن كراع ؛ أنشد قطرب :


                                                          وأرض يحار بها المدلجون     ترى السبت فيها كركن الكثيب



                                                          وقال أبو حنيفة : السبت نبت ، معرب من شبت ؛ قال : وزعم بعض الرواة أنه السنوت . والسبنتى والسبندى : الجريء المقدم من كل شيء ، والياء للإلحاق لا للتأنيث ، ألا ترى أن الهاء تلحقه والتنوين ؛ ويقال : سبنتاة وسبنداة قال ابن أحمر يصف رجلا :


                                                          كأن الليل لا يغسو عليه     إذا زجر السبنتاة الأمونا



                                                          يعني الناقة . والسبنتى : النمر ، ويشبه أن يكون سمي به لجرأته ؛ [ ص: 103 ] وقيل : السبنتى الأسد ، والأنثى بالهاء ؛ قال : الشماخ يرثي عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه :


                                                          جزى الله خيرا من إمام     وباركت يد الله في ذاك الأديم الممزق
                                                          وما كنت أخشى أن تكون وفاته     بكفي سبنتى أزرق العين ، مطرق



                                                          قال ابن بري : البيت لمزرد أخي الشماخ يقول : ما كنت أخشى أن يقتله أبو لؤلؤة وأن يجترئ على قتله . والأزرق : العدو ، وهو أيضا الذي يكون أزرق العين ، وذلك يكون في العجم ، والمطرق : المسترخي العين وقيل : السبنتاة اللبؤة : الجريئة ؛ وقيل : الناقة الجريئة الصدر ، وليس هذا الأخير بقوي ، وجمعها سبانت ، ومن العرب من يجمعها سباتى ؛ ويقال : للمرأة السليطة سبنتاة ؛ ويقال : هي سبنتاة في جلد حبنداة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية