الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ سبق ]

                                                          سبق : السبق : القدمة في الجري وفي كل شيء ؛ تقول : له في كل أمر سبقة وسابقة وسبق ، والجمع الأسباق والسوابق . والسبق : مصدر سبق ، وقد سبقه يسبقه ويسبقه سبقا : تقدمه . وفي الحديث : أنا سابق العرب ، يعني إلى الإسلام ، وصهيب سابق الروم ، وبلال سابق الحبشة ، وسلمان سابق الفرس ، وسابقته فسبقته . واستبقنا في العدو أي تسابقنا . وقوله تعالى : ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ؛ روي فيه عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : سابقنا سابق ، ومقتصدنا ناج ، وظالمنا مغفور له ، فدلك ذلك على أن المؤمنين مغفور لمقتصدهم وللظالم لنفسه منهم . ويقال : له سابقة في هذا الأمر إذا سبق الناس إليه . وقوله تعالى : فالسابقات سبقا ؛ قال الزجاج : هي الخيل ، وقيل : السابقات أرواح المؤمنين تخرج بسهولة ، وقيل : السابقات النجوم ، وقيل : الملائكة تسبق الشياطين بالوحي إلى الأنبياء ، عليهم الصلاة والسلام ، وفي التهذيب : تسبق الجن باستماع الوحي : و لا يسبقونه بالقول ؛ لا يقولون بغير علم حتى يعلمهم ؛ وسابقه مسابقة وسباقا . وسبقك : الذي يسابقك وهم سبقي وأسباقي . التهذيب : العرب تقول للذي يسبق من الخيل : سابق وسبوق ، وإذا كان يسبق فهو مسبق ، قال الفرزدق :


                                                          من المحرزين المجد يوم رهانه سبوق إلى الغايات غير مسبق



                                                          [ ص: 116 ] وسبقت الخيل وسابقت بينها إذا أرسلتها وعليها فرسانها لتنظر أيها يسبق . والسبق من النخل : المبكرة بالحمل . والسبق والسابقة : القدمة . وأسبق القوم إلى الأمر وتسابقوا : بادروا . والسبق ، بالتحريك ، الخطر الذي يوضع بين أهل السباق . وفي التهذيب : الذي يوضع في النضال والرهان في الخيل ، فمن سبق أخذه ، والجمع أسباق . واستبق القوم وتسابقوا : تخاطروا وتسابقوا : تناضلوا . ويقال : سبق إذا أخذ السبق ، وسبق إذا أعطى السبق ، وهذا من الأضداد ، وهو نادر ، وفي الحديث : أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر ، فالخف للإبل ، والحافر للخيل ، والنصال للرمي . والسبق ، بفتح الباء : ما يجعل من المال رهنا على المسابقة ، وبالسكون : مصدر سبقت أسبق ؛ المعنى لا يحل أخذ المال بالمسابقة إلا في هذه الثلاثة ، وقد ألحق بها الفقهاء ما كان بمعناها وله تفصيل في كتب الفقه . وفي حديث آخر : من أدخل فرسا بين فرسين فإن كان يؤمن أن يسبق فلا خير فيه ، وإن كان لا يؤمن أن يسبق فلا بأس به . قال أبو عبيد : الأصل أن يسبق الرجل صاحبه بشيء مسمى على أنه إن سبق فلا شيء له ، وإن سبقه صاحبه أخذ الرهن ، فهذا هو الحلال ، لأن الرهن من أحدهما دون الآخر ، فإن جعل كل واحد منهما لصاحبه رهنا أيهما سبق أخذه فهو القمار المنهي عنه ، فإن أراد تحليل ذلك جعلا معهما فرسا ثالثا لرجل سواهما ، وتكون فرسه كفؤا لفرسيهما ، ويسمى المحلل والدخيل ، فيضع الرجلان الأولان رهنين منهما ولا يضع الثالث شيئا ، ثم يرسلون الأفراس الثلاثة ، فإن سبق أحد الأولين أخذ رهنه ورهن صاحبه ، فكان طيبا له وإن سبق الدخيل أخذ الرهنين جميعا ، وإن سبق هو لم يغرم شيئا فهذا معنى الحديث ، وفي الحديث : أنه أمر بإجراء الخيل وسبقها ثلاثة أعذق من ثلاث نخلات ؛ سبقها : بمعنى أعطى السبق ، وقد يكون بمعنى أخذ ، وهو من الأضداد ، ويكون مخففا ، وهو المال المعين ، وقوله تعالى : إنا ذهبنا نستبق ؛ قيل : معناه نتناضل ، وقيل : هو نفتعل من السبق . واستبقا الباب يعني تسابقا إليه مثل قولك اقتتلا بمعنى تقاتلا ، ومنه قوله تعالى فاستبقوا الخيرات ؛ أي بادروا إليها ، وقوله : فاستبقوا الصراط ؛ أي جاوزوه وتركوه حتى ضلوا وهم لها سابقون أي إليها سابقون كما قال تعالى بأن ربك أوحى لها أي إليها . الأزهري : جاء الاستباق في كتاب الله تعالى بثلاثة معان مختلفة : أحدها قوله عز وجل : إنا ذهبنا نستبق ؛ قال المفسرون : معناه ننتضل في الرمي وقوله عز وجل : واستبقا الباب ؛ معناه ابتدرا الباب يجتهد كل واحد منهما أن يسبق صاحبه ، فإن سبقها يوسف فتح الباب وخرج ولم يجبها إلى ما طلبته منه ، وإن سبقت زليخا أغلقت الباب دونه لتراوده عن نفسه ، والمعنى الثالث في قوله تعالى : ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون ؛ معناه فجازوا الصراط وخلفوه ، وهذا الاستباق في هذه الآية من واحد والوجهان الأولان من اثنين ، لأن هذا بمعنى سبقوا والأولان بمعنى المسابقة ، وقوله : استقيموا فقد سبقتم سبقا بعيدا ؛ يروى بفتح السين وضمها على ما لم يسم فاعله والأول أولى لقوله بعده وإن أخذتم يمينا وشمالا فقد ضللتم . وفي حديث الخوارج : سبق الفرث والدم أي مر سريعا في الرمية وخرج منها لم يعلق منها بشيء من فرثها ودمها لسرعته ، شبه خروجهم من الدين ولم يعلقوا بشيء منه به . وسبق على قومه : علاهم كرما . وسباقا البازي : قيداه ، وفي المحكم : والسباقان قيدان في رجل الجارح من الطير من سير أو غيره . وسبقت الطير إذا جعلت السباقين في رجليه .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية