الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 38 ] قال الخطابي في الرسالة الناصحة له: ومما يجب أن يعلم في هذا الباب ويحكم القول فيه أنه لا يجوز أن يعتمد في الصفات إلا الأحاديث المشهورة التي قد ثبتت صحة أسانيدها وعدالة ناقليها، فإن قوما من أهل الحديث قد تعلقوا منها بألفاظ لا تصح من طريق السند، وإنما هي من رواية المفاريد والشواذ فجعلوها أصلا في الصفات وأدخلوها في جملتها كحديث الشفاعة وما روي فيه من قوله صلى الله عليه وسلم: فأعود إلى ربي فأجده بمكانه أو في مكانه، فزعموا على هذا المعنى [ ص: 39 ] أن لله تعالى مكانا - تعالى الله عن ذلك - وإنما هذه لفظة تفرد بها في هذه القصة شريك بن عبد الله بن أبي نمر، وخالفه أصحابه فيها ولم يتابعوه عليها، وسبيل مثل هذه الزيادة أن ترد ولا تقبل لاستحالتها ولأن مخالفة أصحاب الراوي له في روايته كخلاف البينة، وإذا تعارضت البينتان سقطتا معا، وقد تحتمل [ ص: 40 ] هذه اللفظة لو كانت صحيحة أن يكون معناها أن يجد ربه عز وجل بمكانه الأول من الإجابة في الشفاعة والإسعاف بالمسألة؛ إذ كان مرويا في الخبر أنه يعود مرارا فيسأل ربه تعالى في المذنبين من أمته كل ذلك يشفعه فيهم ويشفعه بمسألته لهم.

قال: ومن هذا الباب أن قوما منهم زعموا أن لله حدا، وكان أعلى ما احتجوا به في ذلك حكاية عن ابن المبارك، قال علي بن الحسن بن شقيق: قلت: لابن المبارك: نعرف ربنا بحد أو نثبته بحد؟ فقال: نعم بحد فجعلوه أصلا في هذا [ ص: 41 ] الباب، وزادوا الحد في صفاته تعالى الله عن ذلك، وسبيل هؤلاء القوم عافانا الله وإياهم أن يعلموا أن صفات الله تعالى لا تؤخذ إلا من كتاب أو من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم دون قول أحد من الناس كائنا من كان علت درجته أو نزلت تقدم زمانه أو تأخر؛ لأنها لا تدرك من طريق القياس والاجتهاد فيكون فيها لقائل مقال ولناظر مجال، على أن هذه الحكاية قد رويت لنا أنه قيل له: أتعرف ربنا بجد؟ فقال: نعم، نعرف ربنا بجد بالجيم لا بالحاء، وزعم بعضهم أنه جائز أن يقال إن له تعالى حدا لا كالحدود كما نقول يد لا كالأيدي فيقال له: إنما أحوجنا إلى أن نقول يد لا كالأيدي لأن اليد قد جاء ذكرها في القرآن وفي السنة فلزم قبولها ولم يجز ردها، فأين ذكر الحد في الكتاب والسنة حتى نقول حد لا كالحدود كما نقول يد لا كالأيدي؟ أرأيت إن قال جاهل رأس لا كالرؤوس قياسا على قولنا يد لا كالأيدي هل تكون الحجة عليه إلا نظير ما ذكرناه في الحد من أنه لما جاء ذكر اليد وجب القول به ولما لم يجئ ذكر [ ص: 42 ] الرأس لم يجز القول به.

التالي السابق


الخدمات العلمية