الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
قلت: أهل الإثبات المنازعون للخطابي وذويه يجيبون عن هذا بوجوه:

أحدها: أن هذا الكلام الذي ذكره إنما يتوجه لو قالوا إن له صفة هي الحد كما توهمه هذا الراد عليهم وهذا لم يقله أحد ولا يقوله عاقل فإن هذا الكلام لا حقيقة له إذ ليس في الصفات التي يوصف بها شيء من الموصوفات كما يوصف باليد والعلم صفة معينة يقال لها الحد، وإنما الحد ما يتميز به الشيء عن غيره من صفته وقدره كما هو المعروف من لفظ الحد في الموجودات، فيقال: حد الإنسان وحد كذا وهي الصفات المميزة له، ويقال: حد الدار والبستان وهي جهاته وجوانبه المميزة له، ولفظ الحد في هذا أشهر في اللغة والعرف العام ونحو ذلك، ولما كان الجهمية يقولون [ ص: 43 ] ما مضمونه إن الخالق لا يتميز عن الخلق فيجحدون صفاته التي تميز بها ويجحدون قدره حتى يقول المعتزلة إذا عرفوا أنه حي عالم قدير قد عرفنا حقيقته وماهيته، ويقولون: إنه لا يباين غيره، بل إما أن يصفوه بصفة المعدوم فيقولون لا داخل العالم ولا خارجه ولا كذا ولا كذا أو يجعلوه حالا في المخلوقات أو وجود المخلوقات، فبين ابن المبارك أن الرب سبحانه وتعالى على عرشه مباين لخلقه منفصل عنه، وذكر الحد لأن الجهمية كانوا يقولون ليس له حد وما لا حد له لا يباين المخلوقات ولا يكون فوق العالم لأن ذلك مستلزم للحد، فلما سألوا أمير المؤمنين - في كل شيء - عبد الله بن المبارك بماذا نعرفه؟

قال: بأنه فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه، فذكروا له لازم ذلك الذي تنفيه الجهمية وبنفيهم له ينفون ملزومه [ ص: 44 ] الذي هو موجود فوق العرش ومباينته للمخلوقات فقالوا له: بحد؟ قال: بحد. وهذا يفهمه كل من عرف ما بين قول المؤمنين أهل السنة والجماعة وبين الجهمية الملاحدة من الفرق .

التالي السابق


الخدمات العلمية