الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ سجد ]

                                                          سجد : الساجد : المنتصب في لغة طيء ، قال الأزهري : ولا يحفظ لغير الليث . ابن سيده : سجد يسجد سجودا وضع جبهته بالأرض ، وقوم سجد وسجود . وقوله عز وجل : وخروا له سجدا ؛ هذا سجود إعظام لا سجود عبادة ؛ لأن بني يعقوب لم يكونوا يسجدون لغير الله عز وجل . قال الزجاج : إنه كان من سنة التعظيم في ذلك الوقت أن يسجد للمعظم ، قال : وقيل : خروا له سجدا أي خروا لله سجدا ؛ قال الأزهري : هذا قول الحسن ، والأشبه بظاهر الكتاب أنهم سجدوا ليوسف ، دل عليه رؤياه الأولى التي رآها حين قال : إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ؛ فظاهر التلاوة أنهم سجدوا ليوسف تعظيما له من غير أن أشركوا بالله شيئا ، وكأنهم لم يكونوا نهوا عن السجود لغير الله عز وجل ، فلا يجوز لأحد أن يسجد لغير الله وفيه وجه آخر لأهل العربية وهو أن يجعل اللام في قوله : وخروا له سجدا ؛ وفي قوله : رأيتهم لي ساجدين ؛ لام من أجل ، المعنى : وخروا من أجله سجدا لله شكرا لما أنعم الله عليهم حيث جمع شملهم وتاب عليهم وغفر ذنبهم وأعز جانبهم ووسع بيوسف ، عليه السلام ، وهذا كقولك فعلت ذلك لعيون الناس أي من أجل عيونهم ؛ وقال العجاج :


                                                          تسمع للجرع إذا استحيرا للماء في أجوافها ، خريرا



                                                          أراد تسمع للماء في أجوافها خريرا من أجل الجرع . وقوله تعالى : وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ؛ قال أبو إسحاق : السجود عبادة لله لا عبادة لآدم لأن الله عز وجل إنما خلق ما يعقل لعبادته . والمسجد والمسجد : الذي يسجد فيه ، وفي الصحاح : واحد المساجد . وقال الزجاج : كل موضع يتعبد فيه فهو مسجد ، ألا ترى أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا . وقوله عز وجل : ومن أظلم ممن منع مساجد الله ؛ المعنى على هذا المذهب أنه من أظلم ممن خالف ملة الإسلام ؟ قال : وقد كان حكمه أن لا يجيء على مفعل ولكنه أحد الحروف التي شذت فجاءت على مفعل . قال سيبويه : وأما المسجد فإنهم جعلوه اسما للبيت ولم يأت على فعل يفعل كما قال : في المدق إنه اسم للجلمود ، يعني أنه ليس على الفعل ، ولو كان على الفعل لقيل : مدق ، لأنه آلة والآلات تجيء على مفعل كمخرز [ ص: 126 ] ومكنس ومكسح . ابن الأعرابي : مسجد ، بفتح الجيم ، محراب البيوت ؛ ومصلى الجماعات مسجد ، بكسر الجيم ، والمساجد جمعها ، والمساجد أيضا : الآراب التي يسجد عليها والآراب السبعة مساجد . ويقال : سجد سجدة وما أحسن سجدته أي هيئة سجوده . الجوهري : قال الفراء : كل ما كان على فعل يفعل مثل دخل يدخل فالمفعل منه بالفتح ، اسما كان أو مصدرا ، ولا يقع فيه الفرق مثل دخل مدخلا وهذا مدخله ، إلا أحرفا من الأسماء ألزموها كسر العين ، من ذلك المسجد والمطلع والمغرب والمشرق والمسقط والمفرق والمجزر والمسكن والمرفق من رفق يرفق والمنبت والمنسك من نسك ينسك ، فجعلوا الكسر علامة الاسم ، وربما فتحه بعض العرب في الاسم ، فقد روي مسكن ومسكن وسمع المسجد والمسجد والمطلع والمطلع ، قال : والفتح في كله جائز وإن لم نسمعه . قال : وما كان من باب فعل يفعل مثل جلس يجلس فالموضع ، بالكسر ، والمصدر بالفتح للفرق بينهما ، تقول : نزل منزلا بفتح الزاي ، تريد نزل نزولا ، وهذا منزله ، فتكسر ، لأنك تعني الدار ؛ قال : وهو مذهب تفرد به هذا الباب من بين أخواته ، وذلك أن المواضع والمصادر في غير هذا الباب ترد كلها إلى فتح العين ولا يقع فيها الفرق ، ولم يكسر شيء فيما سوى المذكور إلا الأحرف التي ذكرناها . والمسجدان : مسجد مكة ومسجد المدينة ، شرفهما الله عز وجل ؛ وقال : الكميت يمدح بني أمية :


                                                          لكم مسجدا الله المزوران ، والحصى     لكم قبصه من بين أثرى وأقترا



                                                          القبص : العدد . وقوله : من بين أثرى وأقترا يريد من بين رجل أثرى ورجل أقتر أي لكم العدد الكثير من جميع الناس ، المثري منهم والمقتر . والمسجدة والسجادة : الخمرة المسجود عليها . والسجادة : أثر السجود في الوجه أيضا : والمسجد ، بالفتح : جبهة الرجل حيث يصيبه ندب السجود . وقوله تعالى : وأن المساجد لله ؛ قيل : هي مواضع السجود من الإنسان : الجبهة والأنف واليدان والركبتان والرجلان . وقال الليث في قوله : وأن المساجد لله ؛ قال : السجود مواضعه من الجسد والأرض مساجد ، واحدها مسجد ، قال : والمسجد اسم جامع حيث سجد عليه ، وفيه حديث لا يسجد بعد أن يكون اتخذ لذلك ، فأما المسجد من الأرض فموضع السجود نفسه ؛ وقيل : في قوله : وأن المساجد لله ؛ أراد أن السجود لله ، وهو جمع مسجد كقولك ضربت في الأرض . أبو بكر : سجد إذا انحنى وتطامن إلى الأرض . وأسجد الرجل : طأطأ رأسه وانحنى ، وكذلك البعير ؛ قال الأسدي أنشده أبو عبيد :


                                                          وقلن أسجد لليلى فأسجدا



                                                          يعني بعيرها أنه طأطأ رأسه لتركبه ؛ وقال حميد بن ثور يصف نساء :


                                                          فضول أزمتها أسجدت     سجود النصارى لأربابها



                                                          يقول : لما ارتحلن ولوين فضول أزمة جمالهن على معاصمهن أسجدت لهن ؛ قال ابن بري صواب إنشاده :


                                                          فلما لوين على معصم     وكف خضيب وأسوارها
                                                          فضول أزمتها ، أسجدت     سجود النصارى لأحبارها



                                                          وسجدت وأسجدت إذا خفضت رأسها لتركب . وفي الحديث : كان كسرى يسجد للطالع أي يتطامن وينحني ؛ والطالع : هو السهم الذي يجاوز الهدف من أعلاه ، وكانوا يعدونه كالمقرطس ، والذي يقع عن يمينه وشماله يقال له عاصد ؛ والمعنى : أنه كان يسلم لراميه ويستسلم ؛ وقال الأزهري : معناه أنه كان يخفض رأسه إذا شخص سهمه ، وارتفع عن الرمية ليتقوم السهم فيصيب الدارة . والإسجاد : فتور الطرف . وعين ساجدة إذا كانت فاترة . والإسجاد : إدامة النظر مع سكون ؛ وفي الصحاح : إدامة النظر وإمراض الأجفان ؛ قال كثير :


                                                          أغرك مني أن دلك ، عندنا     وإسجاد عينيك الصيودين ، رابح



                                                          ابن الأعرابي : الإسجاد ، بكسر الهمزة ، اليهود ؛ وأنشد " الأسود :


                                                          وافى بها كدارهم الإسجاد



                                                          أبو عبيدة : يقال اعطونا الإسجاد أي الجزية ، وروي بيت الأسود بالفتح كدراهم الأسجاد . قال ابن الأنباري : دراهم الأسجاد هي دراهم ضربها الأكاسرة وكان عليها صور ، وقيل : كان عليها صورة كسرى فمن أبصرها سجد لها أي طأطأ رأسه لها وأظهر الخضوع . قاله في تفسير شعر الأسود بن يعفر رواية المفضل مرقوم فيه علامة أي . . . ونخلة ساجدة إذا أمالها حملها . وسجدت النخلة إذا مالت . ونخل سواجد : مائلة ؛ عن أبي حنيفة ؛ وأنشد للبيد :


                                                          بين الصفا وخليج العين ساكنة     غلب سواجد ، لم يدخل بها الخصر



                                                          قال : وزعم ابن الأعرابي أن السواجد هنا المتأصلة الثابتة ؛ قال وأنشد في وصف بعير سانية :


                                                          لولا الزمام اقتحم الأجاردا     بالغرب ، أو دق النعام الساجدا



                                                          قال ابن سيده : كذا حكاه أبو حنيفة لم أغير من حكايته شيئا . وسجد : خضع ؛ قال الشاعر :


                                                          ترى الأكم فيها سجدا للحوافر



                                                          ومنه سجود الصلاة وهو وضع الجبهة على الأرض ولا خضوع أعظم منه . والاسم السجدة ، بالكسر ، وسورة السجدة ، بالفتح . وكل من ذل وخضع لما أمر به ، فقد سجد ؛ ومنه قوله تعالى : يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ؛ أي خضعا متسخرة لما سخرت له . وقال الفراء في قوله تعالى : والنجم والشجر يسجدان ؛ معناه يستقبلان الشمس ويميلان معها حتى ينكسر الفيء . ويكون السجود على جهة الخضوع والتواضع . كقوله عز وجل : ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ؛ الآية ويكون السجود بمعنى التحية ؛ وأنشد :

                                                          [ ص: 127 ]

                                                          ملك تدين له الملوك وتسجد



                                                          قال : ومن قال في قوله عز وجل : وخروا له سجدا ؛ سجود تحية لا عبادة ؛ وقال الأخفش : معنى الخرور في هذه الآية المرور لا السقوط والوقوع . ابن عباس وقوله عز وجل : وادخلوا الباب سجدا ؛ قال : باب ضيق ، وقال : سجدا ركعا ، وسجود الموات محمله في القرآن طاعته لما سخر له ؛ ومنه قوله تعالى : ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض ؛ إلى قوله : وكثير حق عليه العذاب ؛ وليس سجود الموات لله بأعجب من هبوط الحجارة من خشية الله ، وعلينا التسليم لله والإيمان بما أنزل من غير تطلب كيفية ذلك السجود وفقهه لأن الله - عز وجل - لم يفقهناه ، ونحو ذلك تسبيح الموات من الجبال وغيرها من الطيور والدواب يلزمنا الإيمان به والاعتراف بقصور أفهامنا عن فهمه ، كما قال الله - عز وجل : وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية