الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ سحر ]

                                                          سحر : الأزهري : السحر عمل تقرب فيه إلى الشيطان وبمعونة منه ، كل ذلك الأمر كينونة للسحر ، ومن السحر الأخذة التي تأخذ العين حتى يظن أن الأمر كما يرى وليس الأصل على ما يرى ; والسحر : الأخذة . وكل ما لطف مأخذه ودق ، فهو سحر ، والجمع أسحار وسحور ، وسحره يسحره سحرا وسحرا وسحره ، ورجل ساحر من قوم سحرة وسحار ، وسحار من قوم سحارين ، ولا يكسر ; والسحر : البيان في فطنة ، كما جاء في الحديث : إن قيس بن عاصم المنقري والزبرقان بن بدر و عمرو بن الأهتم قدموا على النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فسأل النبي ، صلى الله عليه وسلم ، عمرا عن الزبرقان فأثنى عليه خيرا فلم يرض الزبرقان بذلك ، وقال : والله يا رسول الله إنه ليعلم أنني أفضل مما قال : ولكنه حسد مكاني منك ; فأثنى عليه عمرو شرا ثم قال : والله ما كذبت عليه في الأولى ولا في الآخرة ولكنه أرضاني فقلت بالرضا ثم أسخطني فقلت بالسخط ، فقال : رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إن من البيان لسحرا ; قال أبو عبيد : كأن المعنى ، والله أعلم ، أنه يبلغ من ثنائه أنه يمدح الإنسان فيصدق فيه حتى يصرف القلوب إلى قوله ثم يذمه فيصدق فيه حتى يصرف القلوب إلى قوله الآخر ؛ فكأنه قد سحر السامعين بذلك ; وقال ابن الأثير : يعني إن من البيان لسحرا أي منه ما يصرف قلوب السامعين وإن كان غير حق ، وقيل : معناه إن من البيان ما يكسب من الإثم ما يكتسبه الساحر بسحره فيكون في معرض الذم ، ويجوز أن يكون في معرض المدح لأنه تستمال به القلوب ويرضى به الساخط ويستنزل به الصعب . قال الأزهري وأصل السحر صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره فكأن الساحر لما أرى الباطل في صورة الحق وخيل الشيء على غير حقيقته ، قد سحر الشيء عن وجهه أي صرفه . وقال الفراء : في قوله تعالى : فأنى تسحرون ; معناه فأنى تصرفون ; ومثله : فأنى تؤفكون ; أفك سحر سواء . وقال يونس : تقول العرب للرجل ما سحرك عن وجه كذا وكذا أي ما صرفك عنه ؟ وما سحرك عنا سحرا أي ما صرفك ؟ عن كراع ، والمعروف : ما شجرك شجرا . وروى شمر عن ابن عائشة قال : العرب إنما سمت السحر سحرا لأنه يزيل الصحة إلى المرض ، وإنما يقال سحره أي أزاله عن البغض إلى الحب ; وقال الكميت :


                                                          وقاد إليها الحب ، فانقاد صعبه بحب من السحر الحلال التحبب



                                                          يريد أن غلبة حبها كالسحر وليس به لأنه حب حلال ، والحلال لا يكون سحرا لأن السحر كالخداع ; قال شمر : وأقرأني ابن الأعرابي للنابغة :


                                                          فقالت : يمين الله أفعل ! إنني     رأيتك مسحورا يمينك فاجره



                                                          قال : مسحورا ذاهب العقل مفسدا . قال ابن سيده : وأما قوله ، صلى الله عليه وسلم ، من تعلم بابا من النجوم فقد تعلم بابا من السحر ; فقد يكون على المعنى الأول أي أن علم النجوم محرم التعلم ، وهو كفر ، كما أن علم السحر كذلك ، وقد يكون على المعنى الثاني أي أنه فطنة وحكمة ، وذلك ما أدرك منه بطريق الحساب كالكسوف ونحوه ، وبهذا علل الدينوري هذا الحديث . والسحر والسحارة : شيء يلعب به الصبيان إذا مد من جانب خرج على لون ، وإذا مد من جانب آخر خرج على لون آخر مخالف ، وكل ما أشبه ذلك : سحارة . وسحره بالطعام والشراب يسحره سحرا وسحره : غذاه وعلله ، وقيل : خدعه . والسحر : الغذاء ; قال امرؤ القيس :


                                                          أرانا موضعين لأمر غيب     ونسحر بالطعام وبالشراب
                                                          عصافير وذبان ودود     وأجرأ من مجلحة الذئاب



                                                          أي نغذى أو نخدع . قال ابن بري : وقوله موضعين أي مسرعين ، وقوله : لأمر غيب يريد الموت وأنه قد غيب عنا وقته ونحن نلهى عنه بالطعام والشراب . والسحر : الخديعة ; وقول لبيد :


                                                          فإن تسألينا : فيم نحن ؟ فإننا     عصافير من هذا الأنام المسحر



                                                          يكون على الوجهين . وقوله تعالى : إنما أنت من المسحرين ; يكون من التغذية والخديعة . وقال الفراء : إنما أنت من المسحرين ، قالوا لنبي الله لست بملك إنما أنت بشر مثلنا . قال : والمسحر المجوف كأنه ، والله أعلم ، أخذ من قولك انتفخ سحرك أي أنك تأكل الطعام والشراب فتعلل به ، وقيل : من المسحرين أي ممن سحر مرة بعد مرة . وحكى الأزهري عن بعض أهل اللغة في قوله تعالى : إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ; [ ص: 136 ] قولين : أحدهما أنه ذو سحر مثلنا ، والثاني أنه سحر وأزيل عن حد الاستواء . وقوله تعالى : ياأيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون ; يقول القائل : كيف قالوا لموسى يا أيها الساحر وهم يزعمون أنهم مهتدون ؟ والجواب في ذلك أن الساحر عندهم كان نعتا محمودا ، والسحر كان علما مرغوبا فيه ، فقالوا له يا أيها الساحر على جهة التعظيم له . وخاطبوه بما تقدم له عندهم من التسمية بالساحر ، إذا جاء بالمعجزات التي لم يعهدوا مثلها ، ولم يكن السحر عندهم كفرا ولا كان مما يتعايرون به ، ولذلك قالوا له يا أيها الساحر . والساحر : العالم . والسحر : الفساد . وطعام مسحور إذا أفسد عمله ، وقيل : طعام مسحور مفسود ; عن ثعلب . قال ابن سيده : هكذا حكاه مفسود لا أدري أهو على طرح الزائد أم فسدته لغة أم هو خطأ . ونبت مسحور : مفسود ; هكذا حكاه أيضا الأزهري . أرض مسحورة : أصابها من المطر أكثر مما ينبغي " فأفسدها . وغيث ذو سحر إذا كان ماؤه أكثر مما ينبغي . وسحر المطر الطين والتراب سحرا : أفسده فلم يصلح للعمل ; ابن شميل : يقال : للأرض التي ليس بها نبت إنما هي قاع قرقوس . أرض مسحورة . قليلة اللبن . وقال : إن اللسق يسحر ألبان الغنم ، وهو أن ينزل اللبن قبل الولاد . والسحر والسحر : آخر الليل قبيل الصبح ، والجمع أسحار . والسحرة : السحر ، وقيل : أعلى السحر ، وقيل : هو من ثلث الليل الآخر إلى طلوع الفجر . يقال : لقيته بسحرة ، ولقيته سحرة وسحرة يا هذا ، ولقيته سحرا وسحر ، بلا تنوين ، ولقيته بالسحر الأعلى ، ولقيته بأعلى سحرين وأعلى السحرين ؛ فأما قول العجاج :


                                                          غدا بأعلى سحر وأحرسا



                                                          فهو خطأ ، كان ينبغي له أن يقول : بأعلى سحرين ؛ لأنه أول تنفس الصبح ، كما قال الراجز :


                                                          مرت بأعلى سحرين تدأل



                                                          ولقيته سحري هذه الليلة وسحريتها ; قال :


                                                          في ليلة لا نحس في     سحريها وعشائها



                                                          أراد : ولا عشائها . الأزهري : السحر قطعة من الليل . وأسحر القوم : صاروا في السحر ؛ كقولك : أصبحوا . وأسحروا واستحروا : خرجوا في السحر . واستحرنا أي صرنا في ذلك الوقت ، ونهضنا لنسير في ذلك الوقت ; ومنه قول زهير :


                                                          بكرن بكورا واستحرن بسحرة



                                                          ونقول : لقيته سحر يا هذا إذا أردت به سحر ليلتك ، لم تصرفه لأنه معدول عن الألف واللام وهو معرفة ، وقد غلب عليه التعريف بغير إضافة ولا ألف ولا لام كما غلب ابن الزبير على واحد من بنيه ، وإذا نكرت سحر صرفته ، كما قال تعالى : إلا آل لوط نجيناهم بسحر ; أجراه لأنه نكرة ، كقولك نجيناهم بليل ; قال : فإذا ألقت العرب منه الباء لم يجروه فقالوا : فعلت هذا سحر يا فتى ، وكأنهم في تركهم إجراءه أن كلامهم كان فيه بالألف واللام فجرى على ذلك ؛ فلما حذفت منه الألف واللام وفيه نيتهما لم يصرف ، وكلام العرب أن يقولوا : ما زال عندنا منذ السحر ، لا يكادون يقولون غيره . وقال الزجاج ، وهو قول سيبويه : سحر إذا كان نكرة يراد سحر من الأسحار انصرف ، تقول : أتيت زيدا سحرا من الأسحار ؛ فإذا أردت سحر يومك قلت : أتيته سحر يا هذا ، وأتيته بسحر يا هذا ; قال الأزهري : والقياس ما قاله سيبويه . وتقول : سر على فرسك سحر يا فتى فلا ترفعه لأنه ظرف غير متمكن ، وإن سميت بسحر رجلا أو صغرته انصرف لأنه ليس على وزن المعدول كأخر ، تقول : سر على فرسك سحيرا وإنما لم ترفعه لأن التصغير لم يدخله في الظروف المتمكنة كما أدخله في الأسماء المنصرفة ; قال الأزهري : وقول ذي الرمة يصف فلاة :


                                                          مغمض أسحار الخبوت إذا اكتسى     من الآل جلأ نازح الماء مقفر



                                                          قيل : أسحار الفلاة أطرافها . وسحر كل شيء : طرفه . شبه بأسحار الليالي وهي أطراف مآخرها ; أراد مغمض أطراف خبوته فأدخل الألف واللام فقاما مقام الإضافة . وسحر الوادي : أعلاه . الأزهري : سحر إذا تباعد ، وسحر خدع ، وسحر بكر . واستحر الطائر : غرد بسحر ; قال امرؤ القيس :


                                                          كأن المدام وصوب الغمام     وريح الخزامى ونشر القطر
                                                          يعل به برد أنيابها     إذا طرب الطائر المستحر



                                                          والسحور : طعام السحر وشرابه . قال الأزهري : السحور ما يتسحر به وقت السحر من طعام أو لبن أو سويق وضع اسما لما يؤكل ذلك الوقت ; وقد تسحر الرجل ذلك الطعام أي أكله ، وقد تكرر ذكر السحور في الحديث في غير موضع ; قال ابن الأثير : هو بالفتح اسم ما يتسحر به من الطعام والشراب ، وبالضم المصدر والفعل نفسه ؛ وأكثر ما روي بالفتح ; وقيل : الصواب بالضم لأنه بالفتح الطعام والبركة ، والأجر والثواب في الفعل لا في الطعام ; وتسحر : أكل السحور . والسحر والسحر والسحر : ما التزق بالحلقوم والمريء من أعلى البطن . ويقال للجبان : قد انتفخ سحره ، ويقال ذلك أيضا لمن تعدى طوره . قال الليث : إذا نزت بالرجل البطنة يقال : انتفخ سحره ، معناه عدا طوره وجاوز قدره ; قال الأزهري : هذا خطأ إنما يقال : انتفخ سحره للجبان الذي ملأ الخوف جوفه ، فانتفخ السحر وهو الرئة حتى رفع القلب إلى الحلقوم ، ومنه قوله تعالى : وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنون ; وكذلك قوله : وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر ; كل هذا يدل على أن انتفاخ السحر مثل لشدة الخوف وتمكن الفزع وأنه لا يكون من البطنة ; ومنه قولهم للأرنب : المقطعة الأسحار ، والمقطعة السحور ، والمقطعة النياط ، وهو على التفاؤل ، أي سحره يقطع على هذا الاسم . وفي المتأخرين من يقول : المقطعة بكسر الطاء ، أي من سرعتها وشدة عدوها كأنها تقطع سحرها [ ص: 137 ] ونياطها . وفي حديث أبي جهل يوم بدر : قال لعتبة بن ربيعة انتفخ سحرك أي رئتك ; يقال ذلك للجبان وكل ذي سحر مسحر . والسحر أيضا : الرئة ، والجمع أسحار وسحر وسحور ; قال الكميت :


                                                          وأربط ذي مسامع ، أنت ، جأشا     إذا انتفخت من الوهل السحور



                                                          وقد يحرك فيقال : سحر مثال نهر ونهر لمكان حروف الحلق . والسحر أيضا : الكبد . والسحر : سواد القلب ونواحيه ، وقيل : هو القلب ، وهو السحرة أيضا ; قال :


                                                          وإني امرؤ لم تشعر الجبن سحرتي     إذا ما انطوى مني الفؤاد على حقد



                                                          وفي حديث عائشة ، رضي الله عنها : مات رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بين سحري ونحري ; السحر الرئة ، أي مات رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وهو مستند إلى صدرها وما يحاذي سحرها منه ; وحكىالقتيبي عن بعضهم أنه بالشين المعجمة والجيم . وأنه سئل عن ذلك فشبك بين أصابعه وقدمها عن صدره ، وكأنه يضم شيئا إليه ، أي أنه مات وقد ضمته بيديها إلى نحرها وصدرها ، رضي الله عنها . والشجر : التشبيك ، وهو الذقن أيضا ، والمحفوظ الأول ، وسنذكره في موضعه . وسحره ، فهو مسحور وسحير : أصاب سحره أو سحره أو سحرته . ورجل سحر وسحير ; انقطع سحره ، وهو رئته ؛ فإذا أصابه منه السل وذهب لحمه ؛ فهو سحير سحر ; قالالعجاج :


                                                          وغلمتي منهم سحير وسحر     وقائم من جذب دلويها هجر



                                                          سحر : انقطع سحره من جذبه بالدلو ; وفي المحكم :


                                                          وآبق من جذب دلويها



                                                          وهجر وهجير : يمشي مثقلا متقارب الخطو كأن به هجارا لا ينبسط مما به من الشر والبلاء . والسحارة : السحر وما تعلق به مما ينتزعه القصاب ; وقوله :


                                                          أيذهب ما جمعت صريم سحر ؟     ظليفا إن ذا لهو العجيب



                                                          معناه : مصروم الرئة مقطوعها ; وكل ما يبس منه ، فهو صريم سحر ; أنشد ثعلب :


                                                          تقول ظعينتي لما استقلت      : أتترك ما جمعت صريم سحر ؟



                                                          وصرم سحره : انقطع رجاؤه ، وقد فسر صريم سحر بأنه المقطوع الرجاء . وفرس سحير : عظيم الجوف . والسحر والسحرة : بياض يعلو السواد ، يقال بالسين والصاد ؛ إلا أن السين أكثر ما يستعمل في سحر الصبح ، والصاد في الألوان ، يقال : حمار أصحر وأتان صحراء والإسحار والأسحار : بقل يسمن عليه المال ، واحدته إسحارة وأسحارة . قال أبو حنيفة : سمعت أعرابيا يقول : السحار فطرح الألف وخفف الراء وزعم أن نباته يشبه الفجل غير أن لا فجلة له ، وهو خشن يرتفع في وسطه قصبة في رأسها كعبرة ككعبرة الفجلة ، فيها حب له دهن يؤكل ويتداوى به ، وفي ورقه حروفة ; قال : وهذا قول ابن الأعرابي ، قال : ولا أدري أهو الإسحار أم غيره . الأزهري عن النضر : الإسحارة والأسحارة بقلة حارة تنبت على ساق ، لها ورق صغار ، لها حبة سوداء كأنها الشهنيزة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية