الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ بدأ ]

                                                          بدأ : في أسماء الله - عز وجل - المبدئ : هو الذي أنشأ الأشياء واخترعها ابتداء من غير سابق مثال . والبدء : فعل الشيء أول . بدأ به وبدأه يبدؤه بدءا وأبدأه وابتدأه . ويقال : لك البدء والبدأة والبدأة والبديئة والبداءة والبداءة بالمد والبداهة على البدل ، أي لك أن تبدأ قبل غيرك في الرمي وغيره . وحكى اللحياني : كان ذلك في بدأتنا وبدأتنا ، بالقصر والمد ; قال : ولا أدري كيف ذلك . وفي مبدأتنا عنه أيضا . وقد أبدأنا وبدأنا كل ذلك عنه . والبديئة والبداءة والبداهة : أول ما يفجؤك ، الهاء فيه بدل من الهمز . وبديت بالشيء قدمته أنصارية . وبديت بالشيء وبدأت : ابتدأت . وأبدأت بالأمر بدءا : ابتدأت به . وبدأت الشيء : فعلته ابتداء . وفي الحديث : الخيل مبدأة يوم الورد ، أي يبدأ بها في السقي قبل الإبل والغنم ، وقد تحذف الهمزة فتصير ألفا ساكنة . والبدء والبديء : الأول ; ومنه قولهم : افعله بادي بدء ، على فعل ، وبادي بديء على فعيل ، أي أول شيء ، والياء عن بادي ساكنة في موضع النصب ; هكذا يتكلمون به . قال : وربما تركوا همزه لكثرة الاستعمال على ما نذكره في باب المعتل . وبادئ الرأي : أوله وابتداؤه . وعند أهل التحقيق من الأوائل ما أدرك قبل إنعام النظر ; يقال فعله في بادئ الرأي . وقال اللحياني : أنت بادئ الرأي ومبتدأه تريد ظلمنا ، أي أنت في أول الرأي تريد ظلمنا . وروي أيضا : أنت بادي الرأي تريد ظلمنا بغير همز ، ومعناه أنت فيما بدا من الرأي وظهر أي أنت في ظاهر الرأي ، فإن كان هكذا فليس من هذا الباب . وفي التنزيل العزيز : وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي ; وبادئ الرأي ; قرأ أبو عمرو وحده : بادئ الرأي بالهمز ، وسائر القراء قرءوا بادي بغير همز . وقال الفراء : لا تهمزوا بادي الرأي ; لأن المعنى فيما يظهر لنا ; ويبدو قال : ولو أراد ابتداء الرأي فهمز كان صوابا . وسنذكره أيضا في بدا . ومعنى قراءة أبي عمرو بادئ الرأي أي أول الرأي أي اتبعوك ابتداء الرأي حين ابتدءوا ينظرون ، وإذا فكروا لم يتبعوك . وقال ابن الأنباري : بادئ ، بالهمز ، من بدأ إذا ابتدأ ; قال : وانتصاب من همز ولم يهمز بالاتباع على مذهب المصدر أي اتبعوك اتباعا ظاهرا ، أو اتباعا مبتدأ ; قال : ويجوز أن يكون المعنى ما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا في ظاهر ما نرى منهم ، وطوياتهم على خلافك وعلى موافقتنا ; وهو من بدا يبدو إذا ظهر . وفي حديث الغلام الذي قتلهالخضر : فانطلق إلى أحدهم بادئ الرأي فقتله . قال ابن الأثير : أي في أول رأي رآه وابتدائه ، ويجوز أن يكون غير مهموز من البدو : الظهور أي في ظاهر الرأي والنظر . قالوا افعله بدءا ، وأول بدء ، عن ثعلب ، وبادي بدء وبادي بدي لا يهمز . قال : وهذا نادر ; لأنه ليس على التخفيف القياسي ، ولو كان كذلك لما ذكر هاهنا . وقال اللحياني : أما بادئ بدء فإني أحمد الله ، وبادي بدأة وبادئ بداء وبدا بدء وبدأة بدأة وبادي بدو وبادي بداء أي أما بدء الرأي فإني أحمد الله ورأيت في بعض أصول الصحاح يقال : افعله بدأة ذي بدء وبدأة ذي بدأة وبدأة ذي بديء وبدأة بديء وبديء بدء ، على فعل ، وبادئ بديء على

                                                          [ ص: 32 ] فعيل ، وبادئ بدئ ، على فعل ، وبديء ذي بديء أي أول أول . وبدأ في الأمر وعاد وأبدأ وأعاد . وقوله تعالى : وما يبدئ الباطل وما يعيد . قال الزجاج : ما في موضع نصب أي أي شيء يبدئ الباطل وأي شيء يعيد ، وتكون ما نفيا والباطل هنا إبليس ، أي ما يخلق إبليس ولا يبعث ، والله - جل وعز - هو الخالق والباعث ، وفعله عوده على بدئه وفي عوده وبدئه وفي عودته وبدأته . وتقول : افعل ذلك عودا وبدءا . ويقال : رجع عوده على بدئه : إذا رجع في الطريق الذي جاء منه . وفي الحديث : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفل في البدأة الربع وفي الرجعة الثلث ، أراد بالبدأة ابتداء سفر الغزو وبالرجعة القفول منه ; والمعنى كان إذا نهضت سرية من جملة العسكر المقبل على العدو فأوقعت بطائفة من العدو ، فما غنموا كان لهم الربع ويشركهم سائر العسكر في ثلاثة أرباع ما غنموا ، وإذا فعلت ذلك عند عود العسكر كان لهم من جميع ما غنموا الثلث ; لأن الكرة الثانية أشق عليهم ، والخطر فيها أعظم ، وذلك لقوة الظهر عند دخولهم وضعفه عند خروجهم ، وهم في الأول أنشط وأشهى للسير والإمعان في بلاد العدو ، وهم عند القفول أضعف وأفتر وأشهى للرجوع إلى أوطانهم ، فزادهم لذلك . وفي حديث علي : والله لقد سمعته يقول : ليضربنكم على الدين عودا كما ضربتموهم عليه بدءا ، أي أولا ، يعني العجم والموالي . وفي حديث الحديبية : يكون لهم بدء الفجور وثناه أي أوله وآخره . ويقال : فلان ما يبدء وما يعيد أي ما يتكلم ببادئة ولا عائدة . وفي الحديث : " منعت العراق درهمها وقفيزها ، ومنعت الشام مديها ودينارها ، ومنعت مصر إردبها ، وعدتم من حيث بدأتم " . قال ابن الأثير : هذا الحديث من معجزات سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم ; لأنه أخبر بما لم يكن ، وهو في علم الله كائن ، فخرج لفظه على لفظ الماضي ودل به على رضاه من عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بما وظفه على الكفرة من الجزية في الأمصار . وفي تفسير المنع قولان : أحدهما أنه علم أنهم سيسلمون ويسقط عنهم ما وظف عليهم ، فصاروا له بإسلامهم مانعين ; ويدل عليه قوله : وعدتم من حيث بدأتم ; لأن بدأهم في علم الله أنهم سيسلمون ، فعادوا من حيث بدءوا . والثاني أنهم يخرجون عن الطاعة ويعصون الإمام ، فيمنعون ما عليهم من الوظائف . والمدي مكيال أهل الشام ، والقفيز لأهل العراق ، والإردب لأهل مصر . والابتداء في العروض : اسم لكل جزء يعتل في أول البيت بعلة لا يكون في شيء من حشو البيت كالخرم في الطويل والوافر والهزج والمتقارب ، فإن هذه كلها يسمى كل واحد من أجزائها ، إذا اعتل ، ابتداء ، وذلك لأن فعولن تحذف منه الفاء في الابتداء ، ولا تحذف الفاء من فعولن في حشو البيت ألبتة ; وكذلك أول مفاعلتن وأول مفاعيلن يحذفان في أول البيت ، ولا يسمى مستفعلن في البسيط وما أشبهه مما علته كعلة أجزاء حشوه ، ابتداء ، وزعم الأخفش أن الخليل جعل فاعلاتن في أول المديد ابتداء ; قال : ولم يدر الأخفش لم جعل فاعلاتن ابتداء ، وهي تكون فعلاتن وفاعلاتن كما تكون أجزاء الحشو . وذهب على الأخفش أن الخليل جعل فاعلاتن هنا ليست كالحشو ; لأن ألفها تسقط أبدا بلا معاقبة ، وكل ما جاز في جزئه الأول ما لا يجوز في حشوه ، فاسمه الابتداء ; وإنما سمي ما وقع في الجزء ابتداء لابتدائك بالإعلال . وبدأ الله الخلق بدءا وأبدأهم بمعنى خلقهم . وفي التنزيل العزيز : الله يبدأ الخلق . وفيه كيف يبدئ الله الخلق . وقال : وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده . وقال : إنه هو يبدئ ويعيد ; فالأول من البادئ والثاني من المبدئ وكلاهما صفة جليلة . والبديء : المخلوق . وبئر بديء كبديع ، والجمع بدؤ . والبدء والبديء : البئر التي حفرت في الإسلام حديثة وليست بعادية ، وترك فيها الهمزة في أكثر كلامهم ، وذلك أن يحفر بئرا في الأرض الموات التي لا رب لها . وفي حديث ابن المسيب : في حريم البئر البديء خمس وعشرون ذراعا ، يقول : له خمس وعشرون ذراعا حواليها حريمها ، ليس لأحد أن يحفر في تلك الخمس والعشرين بئرا . وإنما شبهت هذه البئر بالأرض التي يحييها الرجل فيكون مالكا لها ، قال : والقليب : البئر العادية القديمة التي لا يعلم لها رب ولا حافر ، فليس لأحد أن ينزل على خمسين ذراعا منها ، وذلك أنها لعامة الناس ، فإذا نزلها نازل منع غيره ; ومعنى النزول أن لا يتخذها دارا ويقيم عليها ، وأما أن يكون عابر سبيل فلا . أبو عبيدة : يقال للركية : بديء وبديع . إذا حفرتها أنت ، فإن أصبتها قد حفرت قبلك ، فهي خفية ، وزمزم خفية ; لأنها لإسماعيل فاندفنت ، وأنشد :


                                                          فصبحت ، قبل أذان الفرقان تعصب أعقار حياض البودان



                                                          قال : البودان القلبان ، وهي الركايا ، واحدها بديء ; قال الأزهري : وهذا مقلوب ، والأصل بديان ، فقدم الياء وجعلها واوا ; والفرقان : الصبح ، والبديء : العجب ، وجاء بأمر بديء ، على فعيل ، أي عجيب . وبديء من بدأت ، والبديء : الأمر البديع ، وأبدأ الرجل : إذا جاء به ، يقال أمر بديء . قال عبيد بن الأبرص :


                                                          فلا بديء ولا عجيب



                                                          والبدء : السيد ، وقيل : الشاب المستجاد الرأي ، المستشار ، والجمع بدوء . والبدء : السيد الأول في السيادة ، والثنيان : الذي يليه في السؤدد . قال : أوس بن مغراء السعدي :


                                                          ثنياننا ، إن أتاهم ، كان بدأهم     وبدؤهم ، إن أتانا ، كان ثنيانا



                                                          والبدء : المفصل . والبدء : العظم بما عليه من اللحم . والبدء : خير عظم في الجزور ، وقيل خير نصيب في الجزور . والجمع أبداء وبدوء مثل جفن وأجفان وجفون . قال طرفة بن العبد :


                                                          وهم أيسار لقمان ، إذا     أغلت الشتوة أبداء الجزر



                                                          ويقال : أهدى له بدأة الجزور أي خير الأنصباء ، وأنشد ابن السكيت :


                                                          على أي بدء مقسم اللحم يجعل



                                                          والأبداء : المفاصل ، واحدها بدى ، مقصور ، وهو أيضا بدء ، مهموز ، تقديره بدع . وأبداء الجزور عشرة : وركاها وفخذاها [ ص: 33 ] وساقاها وكتفاها وعضداها ، وهما ألأم الجزور لكثرة العروق . والبدأة : النصيب من أنصباء الجزور ; قال النمر بن تولب :


                                                          فمنحت بدأتها رقيبا جانحا     والنار تلفح وجهه بأوارها



                                                          وروى ابن الأعرابي : فمنحت بدتها ، وهي النصيب ، وهو مذكور في موضعه ; وروى ثعلب رفيقا جانحا . وفي الصحاح : البدء والبدأة : النصيب من الجزور بفتح الباء فيهما ; وهذا شعر النمر بن تولب بضمها كما ترى . وبدئ الرجل يبدأ بدءا فهو مبدوء : جدر أو حصب . قال الكميت :


                                                          فكأنما بدئت ظواهر جلده     مما يصافح من لهيب سهامها



                                                          وقال اللحياني : بدئ الرجل يبدأ بدءا : خرج به بثر شبه الجدري ; ثم قال : قال بعضهم هو الجدري بعينه . ورجل مبدوء : خرج به ذلك . وفي حديث عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : في اليوم الذي بدئ فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم : وارأساه . قال ابن الأثير : يقال متى بدئ فلان أي متى مرض ; قال : ويسأل به عن الحي والميت . وبدأ من أرض إلى أرض أخرى وأبدأ : خرج منها إلى غيرها إبداء . وأبدأ الرجل : كناية عن النجو ، والاسم البداء ، ممدود . وأبدأ الصبي : خرجت أسنانه بعد سقوطها . والبدأة : هنة سوداء كأنها كمء ولا ينتفع بها ، حكاه أبو حنيفة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية