الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                القول في الأداء والقضاء والإعادة والتعجيل : العبادة : إن لم يكن لها وقت محدود الطرفين لم توصف بأداء ولا قضاء ولا تعجيل ، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ورد المغصوب والتوبة من الذنوب ، وإن أثم المؤخر لها عن المبادرة إليه فلو تداركه بعد ذلك لا يسمى قضاء . وإن كان : فإما أن يقع في الوقت أو قبله أو بعده .

                والثاني : التعجيل .

                والثالث : القضاء . والأول : إن لم يسبق بفعلها مرة أخرى ، فالأداء وإلا فالإعادة . ما يوصف بالأداء والقضاء وما لا فيه فروع الأول الوضوء والغسل : يوصفان بالأداء وتردد القاضي أبو الطيب في وصفهما بالقضاء ولم يقف ابن الرفعة على نقل في ذلك فقال : يمكن وصف الوضوء بالقضاء تبعا للصلاة وصوره : بما إذا خرج الوقت ولم يتوضأ ولم يصل فلو توضأ بعد الوقت سمي قضاء ويقوي ذلك إذا قلنا يجب الوضوء بدخول الوقت . [ ص: 396 ]

                قيل : وفائدة ذلك تظهر في لابس خف أحدث ولم يمسح ; وخرج وقت الصلاة ، ثم سافر ، صار الوضوء قضاء عن المسح الواجب في الحضر ، فلا يمسح إلا مسح مقيم ، كما قاله أبو إسحاق لمن فاتته صلاة في الحضر ، فقضاها في السفر فإنه يتم ، والجمهور منعوا ذلك وقالوا : يمسح ثلاثا ، وفرقوا بأن الوضوء لم يستقر في الذمة بخلاف الصلاة وعلى هذا فالمراد بأداء الوضوء : الإيقاع ، لا المقابل للقضاء الثاني الأذان ، هل يوصف بالأداء أو القضاء ؟ لم أر من تعرض له وينبغي أن يقال : إن قلنا الأذان للوقت ، ففعله بعده للمقضية قضاء ، فيوصف بهما وإن قلنا : للصلاة ، وهو القديم المعتمد فلا الثالث والرابع والخامس الصلوات الخمس ، وصوم رمضان ، والحج والعمرة ، كلها توصف بالأداء والقضاء .

                فإن قيل : وقت الحج والعمرة ، العمر كله فكيف يوصف بالقضاء إذا شرع فيه ، ثم أفسده ؟ فالجواب : أنه تضيق بالشروع فيه .

                ونظيره قول القاضي حسين والمتولي والروياني : لو أفسد الصلاة صارت قضاء وإن أوقعها في الوقت ; لأن الخروج منها لا يجوز ، فيلزم فوات وقت الإحرام بها ، نقله الإسنوي ساكتا عليه ، لكن ضعفه البلقيني وقال : يلزم عليه أنه لو وقع ذلك في الجمعة لم تعد لأنها لا تقضى وذلك ممنوع السادس النوافل المؤقتة ، كلها توصف بهما السابع : صلاة الجمعة توصف بالأداء ، لا بالقضاء الثامن : الصلاة التي لها سبب لا توصف بالقضاء [ ص: 397 ] التاسع : صلاة الجنازة ، لم أر من تعرض لها والظاهر أنها توصف بالأداء ، وبالقضاء إذا دفن قبلها فصلي على القبر ، لأنها لو كانت حينئذ أداء لم يحرم التأخير إليه وهو حرام فدل على أن لها وقتا محدودا العاشر : الرمي : إذا ترك رمي يوم ، تداركه في باقي الأيام وهل هو أداء أو قضاء ؟ فيه قولان أحدهما : قضاء ، لمجاوزته الوقت المضروب له وأظهرهما : أداء لأن صحته مؤقتة بوقت محدود ، والقضاء : ليس كذلك . وعلى هذا : لا يجوز تداركه ليلا ، ولا قبل الزوال ، لأنه لم يشرع في ذلك الوقت رمي . ويجوز تأخير رمي يوم ويومين ، ليفعله مع ما بعده ، وتقديم اليوم الثاني والثالث مع اليوم الأول ، ويجب الترتيب بين المتروك ورمي اليوم .

                وعلى الأول : يكون الأمر بخلاف ذلك . هكذا فرع الرافعي وجزم في الشرح الصغير بتصحيحه ، أعني منع التدارك ليلا وقبل الزوال ، وجواز التقديم والتأخير

                وصحح النووي : الجواز ليلا ، وقبل الزوال ومنع التقديم ، وعدم وجوب الترتيب إذا تداركه قبل الزوال الحادي عشر : كفارة المظاهر تصير قضاء إذا جامع قبل إخراجها ، نص عليه الشافعي .

                الثاني عشر : زكاة الفطر ، إذا أخرها عن يوم العيد ، صارت قضاء .

                والحاصل : أن ما له وقت محدود ، يوصف بالأداء والقضاء إلا الجمعة ، وما لا فلا .

                ومن هنا علم فساد قول صاحب المعاياة : كل صلاة تفوت في زمن الحيض لا تقضى إلا في مسألة وهي : ركعتا الطواف لأنها لا تتكرر ، بخلاف سائر الصلوات لأن ذلك لا يسمى قضاء ; إذ القضاء : إنما يدخل المؤقت ، وهاتان الركعتان لا يفوتان أبدا مادام حيا . نعم يتصور قضاؤهما في صورة الحج عن الميت - إن سلم أيضا - أن فعلهما يسمى قضاء . [ ص: 398 ]

                تنبيه :

                من المشكل قول الأصحاب : يدخل وقت الرواتب قبل الفرض بدخول وقت الفرض وبعده بفعله ، ويخرج النوعان بخروج وقت الفرض .

                ووجه الإشكال : الحكم على الراتبة البعدية بخروج وقتها بخروج وقت الفرض .

                وذلك شامل لما إذا فعل الفرض ، ولما إذا لم يفعل ، مع أن الوقت في الصورة الثانية لم يدخل بعد ، فكيف يقال بخروجه وبصيرورتها قضاء ؟

                وأقرب ما يجاب به أن يقال : إن وقتها يدخل بوقت الفرض وفعله شرط لصحتها .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية