الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ سرب ]

                                                          سرب : السرب : المال الراعي ; اعني بالمال الإبل . وقال ابن الأعرابي : السرب الماشية كلها ، وجمع كل ذلك سروب . تقول : سرب علي الإبل أي أرسلها قطعة قطعة . وسرب يسرب سروبا : خرج . وسرب في الأرض يسرب سروبا : ذهب . وفي التنزيل العزيز : ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار ; أي ظاهر بالنهار في سربه . ويقال : خل سربه أي طريقه ؛ فالمعنى : الظاهر في الطرقات ، والمستخفي في الظلمات ، والجاهر بنطقه ، والمضمر في نفسه ، علم الله فيهم سواء . وروي عن الأخفش أنه قال : مستخف بالليل أي ظاهر ، والسارب المتواري . وقال أبو العباس : المستخفي المستتر ; قال : والسارب الظاهر والخفي ، عنده واحد . وقال قطرب : سارب بالنهار مستتر . يقال انسرب الوحشي إذا دخل في كناسه . قال الأزهري : تقول العرب : سربت الإبل تسرب ، وسرب الفحل سروبا أي مضت في الأرض ظاهرة حيث شاءت . والسارب : الذاهب على وجهه في الأرض ; قال قيس بن الخطيم :


                                                          أنى سربت ، وكنت غير سروب وتقرب الأحلام غير قريب



                                                          قال ابن بري : رواه ابن دريد : سربت ، بباء موحدة ؛ لقوله : وكنت غير سروب . ومن رواه : سريت ، بالياء باثنتين ؛ فمعناه كيف سريت ليلا ، وأنت لا تسربين نهارا . وسرب الفحل يسرب سروبا ؛ فهو سارب إذا توجه للمرعى ; قال الأخنس بن شهاب التغلبي :


                                                          وكل أناس قاربوا قيد فحلهم     ونحن خلعنا قيده فهو سارب



                                                          قال ابن بري : قال الأصمعي : هذا مثل يريد أن الناس أقاموا في موضع واحد ، لا يجترئون على النقلة إلى غيره ، وقاربوا قيد فحلهم أي حبسوا فحلهم عن أن يتقدم فتتبعه إبلهم ، خوفا أن يغار عليها ; ونحن أعزاء نقتري الأرض ، نذهب فيها حيث شئنا ، فنحن قد خلعنا قيد فحلنا ليذهب حيث شاء ، فحيثما نزع إلى غيث تبعناه . وظبية سارب : ذاهبة في مرعاها ; أنشد ابن الأعرابي في صفة عقاب :


                                                          فخاتت غزالا جاثما ، بصرت به     لدى سلمات عند أدماء سارب



                                                          ورواه بعضهم : سالب . وقال بعضهم : سرب في حاجته : مضى فيها نهارا ، وعم به أبو عبيد . وإنه لقريب السربة أي قريب المذهب يسرع في حاجته ؛ حكاه ثعلب . ويقال أيضا : بعيد السربة أي بعيد المذهب في الأرض ; قال الشنفرى وهو ابن أخت تأبط شرا " .


                                                          خرجنا من الوادي الذي بين مشعل     وبين الجبا هيهات أنسأت سربتي



                                                          أي ما أبعد الموضع الذي منه ابتدأت مسيري ! ابن الأعرابي : السربة السفر القريب ، والسبأة : السفر البعيد . والسرب الذاهب الماضي ، عن ابن الأعرابي . والانسراب : الدخول في السرب . وفي الحديث : [ ص: 160 ] من أصبح آمنا في سربه ، بالفتح ، أي مذهبه . قال ابن الأعرابي : السرب النفس ، بكسر السين . وكان الأخفش يقول : أصبح فلان آمنا في سربه ، بالفتح ، أي مذهبه ووجهه . والثقات من أهل اللغة قالوا : أصبح آمنا في سربه أي في نفسه ; وفلان آمن السرب : لا يغزى ماله ونعمه لعزه وفلان آمن في سربه ، بالكسر ، أي في نفسه قال ابن بري : هذا قول جماعة من أهل اللغة ، وأنكر ابن درستويه قول من قال : في نفسه ; قال : وإنما المعنى آمن في أهله وماله وولده ; ولو أمن على نفسه وحدها دون أهله وماله وولده ، لم يقل : هو آمن في سربه ; وإنما السرب ها هنا ما للرجل من أهل ومال ؛ ولذلك سمي قطيع البقر ، والظباء ، والقطا ، والنساء سربا . وكان الأصل في ذلك أن يكون الراعي آمنا في سربه ، والفحل آمنا في سربه ، ثم استعمل في غير الرعاة ، استعمارة فيما شبه به ، ولذلك كسرت السين ، وقيل : هو آمن في سربه أي في قومه . والسرب هنا : القلب . يقال : فلان آمن السرب أي آمن القلب ، والجمع سراب ، عن الهجري ; وأنشد :


                                                          إذا أصبحت بين بني سليم     وبين هوازن ، أمنت سرابي



                                                          والسرب ، بالكسر : القطيع من النساء ، والطير ، والظباء ، والبقر ، والحمر ، والشاء ، واستعماره شاعر من الجن ، زعموا ، للعظاء ؛ فقال أنشده ثعلب رحمه الله تعالى :


                                                          ركبت المطايا كلهن ؛ فلم أجد     ألذ وأشهى من جناد الثعالب
                                                          ومن عضرفوط ، حط بي فزجرته     يبادر سربا من عظاء قوارب



                                                          الأصمعي : السرب والسربة من القطا ، والظباء ، والشاء ، القطيع . يقال : مر بي سرب من قطا وظباء ووحش ونساء . أي قطيع . وقال أبو حنيفة : ويقال للجماعة من النخل : السرب ، فيما ذكر بعض الرواة . قال أبو الحسن : وأنا أظنه على التشبيه ، والجمع من كل ذلك أسراب ; والسربة مثله . ابن الأعرابي : السربة جماعة ينسلون من العسكر ، فيغيرون ويرجعون . والسربة : الجماعة من الخيل ، ما بين العشرين إلى الثلاثين ; وقيل : ما بين العشرة إلى العشرين ; تقول : مر بي سربة ، بالضم ، أي قطعة من قطا ، وخيل ، وحمر ، وظباء ; قال ذو الرمة يصف ماء :


                                                          سوى ما أصاب الذئب منه ، وسربة     أطافت به من أمهات الجوازل



                                                          وفي الحديث : كأنهم سرب ظباء ; السرب ، بالكسر ، والسربة : القطيع من الظباء ومن النساء على التشبيه بالظباء . وقيل : السربة الطائفة من السرب . وفي حديث عائشة ، رضي الله عنها ؛ فكان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يسربهن إلي . فيلعبن معي أي يرسلهن إلي . ومنه حديث علي : إني لأسربه عليه أي أرسله قطعة قطعة . وفي حديث جابر : فإذا قصر السهم قال : سرب شيئا أي أرسله ; يقال : سربت إليه الشيء إذا أرسلته واحدا واحدا ; وقيل : سربا سربا ، وهو الأشبه . ويقال : سرب عليه الخيل ، وهو أن يبعثها عليه سربة بعد سربة . الأصمعي : سرب علي الإبل أي أرسلها قطعة قطعة . والسرب : الطريق . وخل سربه ، بالفتح . أي طريقه ووجهه وقال : أبو عمرو : خل سرب الرجل ، بالكسر ؛ قال ذو الرمة :


                                                          خلى لها سرب أولاها ، وهيجها     من خلفها لاحق الصقلين همهيم



                                                          قال شمر : أكثر الرواية : خلى لها سرب أولاها ، بالفتح ; قال الأزهري : وهكذا سمعت العرب تقول : خل سربه أي طريقه . وفي حديث ابن عمر : إذا مات المؤمن يخلى له سربه ، يسرح حيث شاء أي طريقه ومذهبه الذي يمر به . وإنه لواسع السرب أي الصدر ، والرأي ، والهوى ، وقيل : هو الرخي الباب ، وقيل : هو الواسع الصدر ، البطيء الغضب ; ويروى بالفتح ، واسع السرب ، وهو المسلك والطريق . والسرب ، بالفتح : المال الراعي ; وقيل : الإبل وما رعى من المال . يقال : أغير على سرب القوم ; ومنه قولهم : اذهب فلا أنده سربك أي لا أرد إبلك حتى تذهب حيث شاءت ، أي لا حاجة لي فيك . ويقولون للمرأة عند الطلاق : اذهبي فلا أنده سربك ، فتطلق بهذه الكلمة . وفي الصحاح : وكانوا في الجاهلية يقولون في الطلاق ؛ فقيده بالجاهلية . وأصل النده : الزجر . الفراء : في قوله تعالى : فاتخذ سبيله في البحر سربا ; قال : كان الحوت مالحا ، فلما حيي بالماء الذي أصابه من العين فوقع في البحر ، جمد مذهبه في البحر ؛ فكان كالسرب ، وقال أبو إسحاق : كانت سمكة مملوحة ، وكانت آية لموسى في الموضع الذي يلقى الخضر ؛ فاتخذ سبيله في البحر سربا ; أحيا الله السمكة حتى سربت في البحر . قال : سربا منصوب على جهتين : على المفعول ؛ كقولك اتخذت طريقي في السرب ، واتخذت طريقي مكان كذا وكذا ، فيكون مفعولا ثانيا ، كقولك اتخذت زيدا وكيلا ; قال ويجوز أن يكون سربا مصدرا يدل عليه اتخذ سبيله في البحر ؛ فيكون المعنى . نسيا حوتهما ، فجعل الحوت طريقه في البحر ; ثم بين كيف ذلك ؛ فكأنه قال : سرب الحوت سربا ; وقال المعترض الظفري في السرب ، وجعله طريقا :


                                                          تركن الضبع ساربة إليهم     تنوب اللحم في سرب المخيم



                                                          قيل : تنوبه تأتيه . والسرب : الطريق . والمخيم : اسم واد ; وعلى هذا معنى الآية : فاتخذ سبيله في البحر سربا ; أي سبيل الحوت طريقا لنفسه ، لا يحيد عنه . المعنى : اتخذ الحوت سبيله الذي سلكه طريقا طرقه . قال أبو حاتم : اتخذ طريقه في البحر سربا ، قال : أظنه يريد ذهابا كسرب سربا ؛ كقولك يذهب ذهابا . ابن الأثير : وفي حديث الخضر وموسى ، عليهما السلام : فكان للحوت سربا ; السرب ، بالتحريك : المسلك في خفية . والسربة : الصف من الكرم . وكل طريقة سربة . والسربة ، والمسربة ، والمسربة ، بضم الراء ، الشعر المستدق ، النابت وسط الصدر إلى البطن ; وفي الصحاح : الشعر المستدق ، الذي يأخذ من الصدر إلى السرة . قال [ ص: 161 ] سيبويه : ليست المسربة على المكان ولا المصدر ؛ وإنما هي اسم للشعر ; قال الحارث بن وعلة الذهلي :


                                                          ألآن لما ابيض مسربتي     وعضضت من نابي على جذم
                                                          وحلبت هذا الدهر أشطره     وأتيت ما آتي على علم
                                                          ترجو الأعادي أن ألين لها     هذا تخيل صاحب الحلم !



                                                          قوله :


                                                          وعضضت من نابي على جذم



                                                          أي كبرت حتى أكلت على جذم نابي . قال ابن بري : هذا الشعر ظنه قوم للحارث بن وعلة الجرمي ، وهو غلط ، وإنما هو للذهلي ، كما ذكرنا . والمسربة ، بالفتح : واحدة المسارب ، وهي المراعي . ومسارب الدواب : مراق بطونها . أبو عبيد : مسربة كل دابة أعاليه من لدن عنقه إلى عجبه ، ومراقها في بطونها وأرفاغها ; وأنشد :


                                                          جلال أبوه عمه ، وهو خاله     مساربه حو وأقرابه زهر



                                                          قال : أقرابه مراق بطونه . وفي حديث صفة النبي ، صلى الله عليه وسلم ، كان دقيق المسربة ; وفي رواية : كان ذا مسربة . وفلان منساح السرب : يريدون شعر صدره . وفي حديث الاستنجاء بالحجارة : يمسح صفحتيه بحجرين ، ويمسح بالثالث المسربة ; يريد أعلى الحلقة ، هو بفتح الراء وضمها ، مجرى الحدث من الدبر ؛ وكأنها من السرب المسلك . وفي بعض الأخبار : دخل مسربته ; هي مثل الصفة بين يدي الغرفة ، وليست التي بالشين المعجمة ؛ فإن تلك الغرفة . والسراب : الآل ; وقيل : السراب الذي يكون نصف النهار لاطئا بالأرض ، لاصقا بها ، كأنه ماء جار . والآل : الذي يكون بالضحى ، يرفع الشخوص ويزهاها ، كالملا ، بين السماء والأرض . وقال ابن السكيت : السراب الذي يجري على وجه الأرض كأنه الماء ، وهو يكون نصف النهار . الأصمعي : الآل السراب واحد ، وخالفه غيره ، فقال : الآل من الضحى إلى زوال الشمس ; والسراب بعد الزوال إلى صلاة العصر ; واحتجوا بأن الآل يرفع كل شيء حتى يصير آلا أي شخصا ، وأن السراب يخفض كل شيء حتى يصير لازقا بالأرض ، لا شخص له . وقال يونس : تقول العرب : الآل من غدوة إلى ارتفاع الضحى الأعلى ، ثم هو سراب سائر اليوم . ابن السكيت : الآل الذي يرفع الشخوص ، وهو يكون بالضحى ; والسراب الذي يجري على وجه الأرض كأنه الماء ، وهو نصف النهار ; قال الأزهري : وهو الذي رأيت العرب بالبادية يقولونه . وقال أبو الهيثم : سمي السراب سرابا ؛ لأنه يسرب سروبا أي يجري جريا ; يقال : سرب الماء يسرب سروبا . أي يجري جريا ; يقال : سرب الماء يسرب سروبا . والسريبة : الشاة التي تصدرها ، إذا رويت الغنم ؛ فتتبعها . والسرب : حفير تحت الأرض ; وقيل : بيت تحت الأرض ; وقد سربته . وتسريب الحافر : أخذه في الحفر يمنة ويسرة . الأصمعي : يقال للرجل إذا حفر : قد سرب أي أخذ يمينا وشمالا . والسرب : جحر الثعلب ، والأسد ، والضبع ، والذئب . والسرب : الموضع الذي قد حل فيه الوحشي ، والجمع أسراب . وانسرب الوحشي في سربه ، والثعلب في جحره ، وتسرب : دخل . ومسارب الحيات : مواضع آثارها إذا انسابت في الأرض على بطونها . والسرب : القناة الجوفاء التي يدخل منها الماء الحائط . والسرب ، بالتحريك : الماء السائل . ومنهم من خص فقال : السائل من المزادة ونحوها . سرب سربا إذا سال ؛ فهو سرب ، وانسرب ، وأسربه هو ، وسربه ; قال ذو الرمة :


                                                          ما بال عينك ، منها الماء ، ينسكب ؟     كأنه من كلى مفرية ، سرب



                                                          قال أبو عبيدة : ويروى بكسر الراء ; تقول منه سربت المزادة ، بالكسر ، تسرب سربا ؛ فهي سربة إذا سالت . تسريب القربة : أن ينصب فيها الماء لتنسد خرزها . ويقال : خرج الماء سربا ، وذلك إذا خرج من عيون الخرز . وقال اللحياني : سربت العين سربا ، وسربت تسرب سروبا ، وتسربت : سالت . والسرب : الماء يصب في القربة الجديدة ، أو المزادة ، ليبتل السير حتى ينتفخ ، فتستد مواضع الخرز ; وقد سربها فسربت سربا . ويقال : سرب قربتك أي اجعل فيها ماء حتى تنتفخ عيون الخرز ، فتستد ; قال جرير :


                                                          نعم ، وانهل دمعك غير نزر     كما عينت بالسرب الطبابا



                                                          أبو مالك : تسربت من الماء ومن الشراب أي تملأت . وطريق سرب : تتابع الناس فيه ; قال أبو خراش :


                                                          في ذات ريد ، كزلق الرخ مشرفة     طريقها سرب ، بالناس دعبوب



                                                          وتسربوا فيه : تتابعوا . والسرب : الخرز ، عن كراع . والسربة : الخرزة . وإنك لتريد سربة أي سفرا قريبا ، عن ابن الأعرابي . شمر : الأسراب من الناس : الأقاطيع ، واحدها سرب ; قال : ولم أسمع سربا في الناس ، إلا للعجاج ; قال :


                                                          ورب أسراب حجيج نظم



                                                          والأسرب والأسرب : الرصاص ، أعجمي ، وهو في الأصل سرب . والأسرب : دخان الفضة ، يدخل في الفم والخيشوم والدبر فيحصره ، فربما أفرق ، وربما مات . وقد سرب الرجل . فهو مسروب سربا . وقال شمر : الأسرب ، مخفف الباء ، وهو بالفارسية سرب ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية