الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        فصل في الجنين

                                                                                                        قال : ( وإذا ضرب بطن امرأة فألقت جنينا ميتا ففيه غرة وهي نصف عشر الدية ) قال رضي الله عنه : معناه دية الرجل وهذا في الذكر وفي الأنثى عشر دية المرأة وكل منهما خمسمائة درهم والقياس أن لا يجب شيء ، لأنه لم يتيقن بحياته ، والظاهر لا يصلح حجة للاستحقاق ، وجه الاستحسان ما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال { : في الجنين غرة عبد أو أمة قيمته خمسمائة }ويروى أو خمسمائة فتركنا القياس بالأثر وهو حجة على من قدرها بستمائة نحو مالك والشافعي . [ ص: 418 - 419 ]

                                                                                                        ( وهي على العاقلة ) عندنا إذا كانت خمسمائة درهم ، وقال مالك في ماله لأنه بدل الجزء . ولنا { أنه عليه الصلاة والسلام قضى بالغرة على العاقلة }. [ ص: 420 ]

                                                                                                        ولأنه بدل النفس ولهذا سماه عليه الصلاة والسلام دية حيث قال : { دوه وقالوا أندي من لا صاح ولا استهل }الحديث إلا أن العواقل لا تعقل ما دون خمسمائة ( وتجب في سنة ) وقال الشافعي رحمه الله : في ثلاث سنين لأنه بدل النفس ولهذا يكون موروثا بين ورثته .

                                                                                                        ولنا ما روي عن محمد بن الحسن رحمه الله أنه قال : { بلغنا أن رسول الله عليه الصلاة والسلام جعله على العاقلة في سنة }ولأنه إن كان بدل النفس من حيث إنه نفس على حدة فهو بدل العضو من حيث الاتصال بالأم فعملنا بالشبه [ ص: 421 ] الأول في حق التوريث ، وبالثاني في حق التأجيل إلى سنة لأن بدل العضو إذا كان ثلث الدية أو أقل أكثر من نصف العشر يجب في سنة بخلاف أجزاء الدية لأن كل جزء منها على من وجب يجب في ثلاث سنين ( ويستوي فيه الذكر والأنثى ) لإطلاق ما روينا ولأن في الحيين ، إنما ظهر التفاوت لتفاوت معاني الآدمية ، ولا تفاوت في الجنين فيقدر بمقدار واحد وهو خمسمائة ( فإن ألقته حيا ثم مات ففيه دية كاملة ) لأنه أتلف حيا بالضرب السابق ( وإن ألقته ميتا ثم ماتت الأم فعليه دية بقتل الأم وغرة بإلقائها ) وقد صح { أنه عليه الصلاة والسلام قضى في هذا بالدية والغرة }

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        فصل في الجنين

                                                                                                        الحديث الحادي والعشرون : روي { أنه عليه السلام قال : في الجنين غرة عبد ، أو [ ص: 418 ] أمة ، قيمته خمسمائة } ، ويروى : أو خمسمائة ; قلت : الأول غريب ، ورواية : أو خمسمائة . عند الطبراني في " معجمه " حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا عثمان بن سعيد المري ثنا المنهال بن خليفة عن سلمة بن تمام عن أبي المليح الهذلي عن أبيه ، قال : { كان فينا رجل يقال له : حمل بن مالك ، له امرأتان : إحداهما هذلية ، والأخرى عامرية ، فضربت الهذلية بطن العامرية ، بعمود خباء ، أو فسطاط ، فألقت جنينا ميتا ، فانطلق بالضاربة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم معها أخ لها يقال له : عمران بن عويمر ، فلما قصوا عليه القصة ، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : دوه ، فقال له عمران : يا رسول الله أندي من لا أكل ولا شرب ، ولا صاح ، فاستهل ومثل هذا يطل ؟ فقال عليه السلام : دعني من رجز الأعراب فيه غرة ، عبد ، أو أمة ، أو خمسمائة ، أو فرس ، أو عشرون ومائة شاة ، فقال : يا رسول الله إن لها ابنين ، هما سادة الحي ، وهم أحق أن يعقلوا عن أمهم ، قال : أنت أحق أن تعقل عن أختك من ولدها ، قال : ما لي شيء أعقل ، قال : يا حمل بن مالك وكان يومئذ على صدقات هذيل ، وهو زوج المرأتين ، وأبو الجنين المقتول اقتض من تحت يدك من صدقات هذيل عشرين ومائة شاة ، ففعل }انتهى . حدثنا محمد بن إبراهيم بن شبيب العسال الأصبهاني ثنا إسماعيل بن عمرو البجلي ثنا سلمة بن صالح عن أبي بكر بن عبد الله عن أبي المليح الهذلي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ، واسم أبي المليح أسامة بن عمير الهذلي ، ذكره في " باب الألف " .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        رواه البزار في " مسنده " حدثنا محمد بن معمر ، وصفوان بن المغلس ، قالا : ثنا عبيد الله بن موسى عن يوسف بن صهيب عن عبد الله بن بريدة عن أبيه { عن امرأة خذفت امرأة ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ولدها بخمسمائة ، ونهى عن الخذف }انتهى .

                                                                                                        وقال : لا نعلمه يرويه عن ابن بريدة ، إلا يوسف بن صهيب ، وهو رجل مشهور من أهل الكوفة انتهى .

                                                                                                        وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا إسماعيل بن عياش عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب ، قوم الغرة خمسين دينارا ، انتهى .

                                                                                                        وأخرج أبو داود في " سننه " عن إبراهيم النخعي ، قال : الغرة خمسمائة يعني درهما [ ص: 419 ] قال : قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن : هي خمسون دينارا انتهى .

                                                                                                        وروى إبراهيم الحربي في " أول كتابه غريب الحديث " حدثنا أحمد بن حنبل ثنا وكيع عن سفيان عن طارق عن الشعبي ، قال : الغرة خمسمائة ، وحدثنا أحمد بن حنبل ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن قتادة ، قال : الغرة خمسون دينارا انتهى .

                                                                                                        واعلم أن الحديث في " الصحيحين " عن أبي هريرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في جنين امرأة من بني لحيان بغرة عبد ، أو أمة ، وليس فيه ذكر الخمسمائة } ، وسيأتي بتمامه .

                                                                                                        الحديث الثاني والعشرون : روي { أنه عليه السلام قضى بالغرة على العاقلة }; قلت : روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا يونس بن محمد ثنا عبد الواحد بن زياد عن مجالد عن الشعبي عن جابر { أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل في الجنين غرة على عاقلة القاتلة ، وبرأ زوجها ، وولدها }انتهى .

                                                                                                        حدثنا يحيى بن يعلى التيمي عن منصور عن إبراهيم عن عبيد بن نضلة عن المغيرة بن شعبة ، قال : { قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على عاقلتها بالدية ، وغرة في الحمل }انتهى . حدثنا حفص عن هشام عن ابن سيرين { أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الغرة على العاقلة }انتهى .

                                                                                                        وبهذا السند والمتن رواه الدارقطني في " سننه " ، وأخرج بهذا الإسناد أيضا قال : { كانت عند رجل من هذيل امرأتان ، فغارت إحداهما على الأخرى ، فرمتها بفهر ، أو عمود فسطاط ، فأسقطت ، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى فيه بغرة ، فقال وليها : أندي من لا صاح ، ولا استهل ولا شرب ، ولا أكل فقال عليه السلام . أسجع كسجع الأعراب ؟ وجعلها على أولياء المرأة }انتهى .

                                                                                                        وروى أبو داود في " سننه حدثنا حفص بن عمر النمري ثنا شعبة عن منصور عن إبراهيم عن عبيد بن نضلة عن المغيرة بن شعبة { أن امرأتين كانتا تحت رجل من هذيل ، فضربت إحداهما الأخرى بعمود ، فقتلتها ، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحد الرجلين : كيف ندي من لا صاح ، ولا أكل ولا شرب ، ولا استهل فقال : أسجع كسجع الأعراب ؟ فقضى فيه غرة ، وجعله على عاقلة المرأة } ، انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الترمذي عن وهب بن جرير ثنا شعبة به ، وقال : حديث [ ص: 420 ] حسن صحيح .

                                                                                                        ( الحديث الثالث والعشرون ) : روي { أنه عليه السلام قال في الجنين : دوه ، وقالوا : أندي من لا صاح ، ولا استهل } ، الحديث ; قلت : الأول رواه الطبراني في " معجمه " حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا محمد بن عبد الله بن أبي ليلى حدثني أبي عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مجاهد عن حمل بن مالك بن النابغة الهذلي ، { أنه كانت عنده امرأة ، فتزوج عليها أخرى ، فتغايرتا ، فضربت إحداهما الأخرى بعمود فسطاط ، فطرحت ولدا ميتا ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : دوه ، فجاء وليها فقال : أندي من لا شرب ولا أكل ، ولا استهل فمثل ذلك يطل ؟ فقال : رجز الأعراب ، نعم دوه ، فيه غرة عبد ، أو أمة ، أو وليدة }انتهى .

                                                                                                        وتقدم عند الطبراني أيضا أول الفصل من حديث أبي المليح في قصة حمل بن مالك { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم : دوه }. حديث :

                                                                                                        " أندي " ، هو عند أبي داود ، والنسائي ، وابن حبان في " صحيحه " عن أبي هريرة ، في قصة حمل بن مالك أيضا ، وفيه : أندي من لا صاح ، وكذلك هو عند أبي داود وأحمد في " مسنده " ، والطبراني في " معجمه " ، والدارقطني في " سننه " عن المغيرة بن شعبة في القصة : أندي من لا صاح ; وأخرجه البزار في " مسنده " عن أسباط عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس في القصة أيضا ، { قالوا : يا رسول الله ، كيف نديه ، وما استهل }; وأخرجه أيضا عن مجالد عن الشعبي عن جابر { عن امرأتين من هذيل ، قتلت إحداهما الأخرى ، إلى أن قال : فقالت العاقلة : أندي من لا شرب ، ولا أكل ولا صاح فاستهل } ، الحديث . الحديث الرابع والعشرون :

                                                                                                        روي عن محمد بن الحسن ، قال : { بلغنا أن رسول الله [ ص: 421 ] صلى الله عليه وسلم حمل الغرة على العاقلة في سنة }; قلت : غريب .

                                                                                                        الحديث الخامس والعشرون : قال المصنف : وقد صح { أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في هذا [ ص: 422 ] بالدية ، والغرة يعني إذا ألقته ميتا ، ثم ماتت الأم }; قلت : نظرت الكتب الستة إلا النسائي فلم أجده بهذا المعنى ، والذي في الكتب الستة عن أبي هريرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في جنين امرأة من بني لحيان بغرة عبد ، أو أمة ، ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ميراثها لبنيها ، ولزوجها ، وأن العقل على عصبتها }انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع السادس والثلاثين ، من القسم الخامس ; وقال : قد يوهم هذا الخبر أن المرأة القاتلة هي التي ماتت ، ثم ذكر أخبار تدل على أن المقتولة هي التي ماتت : منها حديث أخرجه عن طاوس عن ابن عباس { أن عمر رضي الله عنه ناشد الناس في الجنين ، فقام حمل بن مالك بن النابغة ، فقال : كنت بين امرأتين ، فضربت إحداهما الأخرى ، فقتلتها ، وجنينها ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه [ ص: 423 ] بغرة عبد ، أو أمة ، وأن تقتل بها }انتهى .

                                                                                                        وهذا رواه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه والحاكم في " المستدرك في الفضائل " ، والمرأتان اسمهما في " سنن أبي داود " عن ابن عباس ، قال : كان اسم إحداهما مليكة ، والأخرى أم غطيف وفي " معجم الطبراني " عن عويم بن ساعدة ، قال : { كانت أختي مليكة ، وامرأة منا ، يقال لها : أم عفيف ، بنت مسروح ، تحت حمل بن النابغة . فضربت أم عفيف مليكة ، بمسطح بيتها . وهي حامل ، فقتلتها ، وذا بطنها ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بالدية ، وفي جنينها بغرة عبد ، أو ولده ، فقال أخوها العلاء بن مسروح : يا رسول الله أنغرم من لا أكل ولا شرب ، ولا نطق ، ولا استهل فمثل هذا يطل فقال عليه السلام : أسجع كسجع الجاهلية } ، انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية