الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ بدع ]

                                                          بدع : بدع الشيء يبدعه بدعا وابتدعه : أنشأه وبدأه . وبدع الركية : استنبطها وأحدثها . وركي بديع : حديثة الحفر . والبديع والبدع : الشيء الذي يكون أولا . وفي التنزيل : قل ما كنت بدعا من الرسل ; أي ما كنت أول من أرسل ، قد أرسل قبلي رسل كثير . والبدعة : الحدث وما ابتدع من الدين بعد الإكمال . ابن السكيت : البدعة كل محدثة . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - في قيام رمضان : نعمت البدعة هذه . ابن الأثير : البدعة بدعتان : بدعة هدى ، وبدعة ضلال ، فما كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فهو في حيز الذم والإنكار ، وما كان واقعا تحت عموم ما ندب الله إليه وحض عليه أو رسوله فهو في حيز المدح ، وما لم يكن له مثال موجود كنوع من الجود والسخاء وفعل المعروف فهو من الأفعال المحمودة ، ولا يجوز أن يكون ذلك في خلاف ما ورد الشرع به لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جعل له في ذلك ثوابا فقال : " من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها " ، وقال في ضده : " من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها " ، وذلك إذا كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله ، قال : ومن هذا النوع قول عمر - رضي الله عنه : نعمت البدعة هذه ، لما كانت من أفعال الخير وداخلة في حيز المدح سماها بدعة ومدحها لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسنها لهم وإنما صلاها ليالي ثم تركها ولم يحافظ عليها ولا جمع الناس لها ولا كانت في زمن أبي بكر وإنما عمر - رضي الله عنهما - جمع الناس عليها وندبهم إليها فبهذا سماها بدعة ، وهي على الحقيقة سنة لقوله - صلى الله عليه وسلم : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي " ، وقوله - صلى الله عليه وسلم : " اقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر وعمر " ، وعلى هذا التأويل يحمل الحديث الآخر : كل محدثة بدعة ، إنما يريد ما خالف أصول الشريعة ولم يوافق السنة ، وأكثر ما يستعمل المبتدع عرفا في الذم . وقال أبو عدنان : المبتدع الذي يأتي أمرا على شبه لم يكن ابتدأه إياه . وفلان بدع في هذا الأمر أي أول لم يسبقه أحد . ويقال : ما هو مني ببدع وبديع ، قال الأحوص :


                                                          فخرت فانتمت فقلت : انظريني ليس جهل أتيته ببديع



                                                          وأبدع وابتدع وتبدع : أتى ببدعة ، قال الله - تعالى : ورهبانية ابتدعوها ; وقال رؤبة :


                                                          إن كنت لله التقي الأطوعا     فليس وجه الحق أن تبدعا



                                                          وبدعه : نسبه إلى البدعة . واستبدعه : عده بديعا . والبديع : المحدث العجيب . والبديع : المبدع . وأبدعت الشيء : اخترعته لا على مثال . والبديع : من أسماء الله - تعالى - لإبداعه الأشياء وإحداثه إياها وهو البديع الأول قبل كل شيء ، ويجوز أن يكون بمعنى مبدع أو يكون من بدع الخلق أي بدأه ، والله - تعالى - كما قال - سبحانه : بديع السماوات والأرض ; أي خالقها ومبدعها فهو - سبحانه - الخالق المخترع لا عن مثال سابق ، قال أبو إسحاق : يعني أنه أنشأها على غير حذاء ولا مثال إلا أن بديعا من بدع لا من أبدع ، وأبدع : أكثر في الكلام من بدع ، ولو استعمل بدع لم يكن خطأ ، فبديع فعيل بمعنى فاعل مثل قدير بمعنى قادر ، وهو صفة من صفات الله - تعالى - لأنه بدأ الخلق على ما أراد على غير مثال تقدمه . قال الليث : وقرئ ( بديع السماوات والأرض ) ، بالنصب على وجه التعجب لما قال المشركون على معنى : بدعا ما قلتم وبديعا اخترقتم ، فنصبه على التعجب ، قال : والله أعلم أهو ذلك أم لا ; فأما قراءة العامة فالرفع ، ويقولون هو اسم من أسماء الله - سبحانه - قال الأزهري : ما علمت أحدا من القراء قرأ بديع بالنصب ، والتعجب فيه غير جائز ، وإن جاء مثله في الكلام فنصبه على المدح [ ص: 38 ] كأنه قال : أذكر بديع السماوات والأرض . وسقاء بديع : جديد ، وكذلك زمام بديع ; وأنشد ابن الأعرابي في السقاء لأبي محمد الفقعسي :


                                                          ينضحن ماء البدن المسرى     نضح البديع الصفق المصفرا



                                                          الصفق : أول ما يجعل في السقاء الجديد . قال الأزهري : فالبديع بمعنى السقاء والحبل فعيل بمعنى مفعول . وحبل بديع : جديد أيضا ; حكاه أبو حنيفة . والبديع من الحبال : الذي ابتدئ فتله ولم يكن حبلا فنكث ثم غزل وأعيد فتله ; ومنه قول الشماخ :


                                                          وأدمج دمج ذي شطن بديع



                                                          والبديع : الزق الجديد والسقاء الجديد . وفي الحديث : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " تهامة كبديع العسل حلو أوله حلو آخره " ; شبهها بزق العسل لأنه لا يتغير هواؤها فأوله طيب وآخره طيب ، وكذلك العسل لا يتغير وليس كذلك اللبن فإنه يتغير ، وتهامة في فصول السنة كلها طيبة غداة ولياليها أطيب الليالي لا تؤذي بحر مفرط ولا قر مؤذ ; ومنه قول امرأة من العرب وصفت زوجها فقالت : زوجي كليل تهامة لا حر ولا قر ، ولا مخافة ولا سآمة . والبديع : المبتدع والمبتدع . وشيء بدع ، بالكسر ، أي مبتدع . وأبدع الشاعر : جاء بالبديع . الكسائي : البدع في الخير والشر ، وقد بدع بداعة وبدوعا ، ورجل بدع وامرأة بدعة إذا كان غاية في كل شيء ، كان عالما أو شريفا أو شجاعا ; وقد بدع الأمر بدعا وبدعوه وابتدعوه ورجل بدع ورجال أبداع ونساء بدع وأبداع ورجل بدع غمر وفلان بدع في هذا الأمر أي بديع وقوم أبداع ; عن الأخفش . وأبدعت الإبل : بركت في الطريق من هزال أو داء أو كلال ، وأبدعت هي : كلت أو عطبت ، وقيل : لا يكون الإبداع إلا بظلع . يقال : أبدعت به راحلته إذا ظلعت ، وأبدع وأبدع به وأبدع : كلت راحلته أو عطبت وبقي منقطعا به وحسر عليه ظهره أو قام به أي وقف به ; قال ابن بري : شاهده قول حميد الأرقط :


                                                          لا يقدر الحمس على جبابه     إلا بطول السير وانجذابه
                                                          وترك ما أبدع من ركابه



                                                          وفي الحديث : أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله إني أبدع بي فاحملني ، أي انقطع بي لكلال راحلتي . وقال اللحياني : يقال أبدع فلان بفلان إذا قطع به وخذله ولم يقم بحاجته ولم يكن عند ظنه به ، وأبدع به ظهره ; قال الأفوه :


                                                          ولكل ساع سنة ، ممن مضى     تنمي به في سعيه أو تبدع



                                                          وفي حديث الهدي : فأزحفت عليه بالطريق فعي لشأنها إن هي أبدعت ، أي انقطعت عن السير بكلال أو ظلع ، كأنه جعل انقطاعها عما كانت مستمرة عليه من عادة السير إبداعا أي إنشاء أمر خارج عما اعتيد منها ; ومنه الحديث : كيف أصنع بما أبدع علي منها ؟ وبعضهم يرويه : أبدعت وأبدع ، على ما لم يسم فاعله ، وقال : هكذا يستعمل ، والأول أوجه وأقيس . وفي المثل : إذا طلبت الباطل أبدع بك . قال أبو سعيد : أبدعت حجة فلان أي أبطلت حجته أي بطلت . وقال غيره : أبدع بر فلان بشكري وأبدع فضله وإيجابه بوصفي إذا شكره على إحسانه إليه واعترف بأن شكره لا يفي بإحسانه . قال الأصمعي : بدع يبدع فهو بديع إذا سمن ; وأنشد لبشير بن النكث :


                                                          فبدعت أرنبه وخرنقه



                                                          أي سمنت . وأبدعوا به : ضربوه . وأبدع يمينا : أوجبها ، عن ابن الأعرابي . وأبدع بالسفر وبالحج : عزم عليه .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية