الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

في بناء المسجد

قال الزهري : بركت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم موضع مسجده ، وهو يومئذ يصلي فيه رجال من المسلمين ، وكان مربدا لسهل وسهيل غلامين يتيمين من الأنصار كانا في حجر أسعد بن زرارة ، فساوم رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين بالمربد ليتخذه مسجدا ، فقالا : بل نهبه لك يا رسول الله ، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فابتاعه منهما بعشرة دنانير ، وكان جدارا ليس له سقف ، وقبلته إلى بيت المقدس ، وكان يصلي فيه ويجمع أسعد بن زرارة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان فيه شجرة غرقد وخرب ونخل وقبور للمشركين ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقبور فنبشت ، وبالخرب [ ص: 56 ] فسويت وبالنخل والشجر فقطعت وصفت في قبلة المسجد ، وجعل طوله مما يلي القبلة إلى مؤخره مائة ذراع ، والجانبين مثل ذلك أو دونه ، وجعل أساسه قريبا من ثلاثة أذرع ، ثم بنوه باللبن ، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يبني معهم ، وينقل اللبن والحجارة بنفسه ويقول :


اللهم لا عيش إلا عيش الآخره فاغفر للأنصار والمهاجره



وكان يقول :


هذا الحمال لا حمال خيبر     هذا أبر ربنا وأطهر



وجعلوا يرتجزون وهم ينقلون اللبن ، ويقول بعضهم في رجزه :


لئن قعدنا والرسول يعمل     لذاك منا العمل المضلل



وجعل قبلته إلى بيت المقدس ، وجعل له ثلاثة أبواب ، بابا في مؤخره ، وبابا يقال له : باب الرحمة ، والباب الذي يدخل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجعل عمده الجذوع ، وسقفه بالجريد ، وقيل له : ألا تسقفه فقال : ( لا عريش كعريش موسى ) وبنى إلى جنبه بيوت أزواجه باللبن ، وسقفها بالجريد والجذوع ، فلما فرغ من البناء بنى بعائشة في البيت الذي بناه لها شرقي المسجد قبليه ، وهو مكان حجرته اليوم ، وجعل لسودة بنت زمعة بيتا آخر .

التالي السابق


الخدمات العلمية