الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
آداب طالب الحديث


713 . وأخلص النية في طلبكا وجد وابدأ بعوالي مصركا      714 . وما يهم ثم شد الرحلا
لغيره ولا تساهل حملا

التالي السابق


أول ما يجب على الطالب إخلاص النية ، فقد روينا في سنن أبي داود ، وابن ماجه من حديث أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله عز وجل ، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا ، لم يجد [ ص: 39 ] عرف الجنة يوم القيامة . وروينا عن حماد بن سلمة قال : من طلب الحديث لغير الله مكر به . قال الخطيب : إذا عزم الله تعالى لامرئ على سماع الحديث وحضرته نية في الاشتغال به ، فينبغي أن يقدم المسألة لله تعالى أن يوفقه فيه ، ويعينه عليه ، ثم يبادر إلى السماع ، ويحرص على ذلك من غير توقف ، ولا تأخير . وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : "احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز" . وليجد الطالب في طلبه ، فقد روينا عن يحيى بن أبي كثير ، قال : لا ينال العلم براحة الجسد . وروينا عن الشافعي قال : لا يطلب هذا العلم من يطلبه بالتملل ، وغنى النفس ، فيفلح ، ولكن من طلبه بذلة النفس ، وضيق العيش ، وخدمة العلم ، أفلح . قال الخطيب : ويعمد إلى أسند شيوخ مصره ، وأقدمهم سماعا فيديم الاختلاف إليه ، ويواصل العكوف عليه ، فيقدم السماع منه ، وإن تكافأت أسانيد جماعة من الشيوخ في العلو ، وأراد أن يقتصر على السماع من بعضهم ، فينبغي أن يتخير المشهور منهم [ ص: 40 ] بطلب الحديث ، المشار إليه بالإتقان له ، والمعرفة به . وإذا تساووا في الإسناد والمعرفة فمن كان من الأشراف وذوي الأنساب ، فهو أولى أن يسمع منه .

وروينا عن الحافظ أبي الفضل صالح بن أحمد التميمي ، قال : ينبغي لطالب الحديث ومن عني به أن يبدأ بكتب حديث بلده ، ومعرفة أهله منهم ، وتفهمه وضبطه حتى يعلم صحيحها وسقيمها ، ويعرف من أهل الحديث بها ، وأحوالهم معرفة تامة ، إذا كان في بلده علم وعلماء ، قديما وحديثا . ثم يشتغل بعد بحديث البلدان والرحلة فيه .

وروينا عن أبي عبيدة ، قال : من شغل نفسه بغير المهم أضر بالمهم . وقال الخطيب : المقصود بالرحلة في الحديث أمران :أحدهما : تحصيل علو الإسناد وقدم السماع . والثاني : لقاء الحفاظ ، والمذاكرة لهم ، والاستفادة عنهم . فإذا كان الأمران موجودين في بلد الطالب ، ومعدومين في غيره ، فلا فائدة في الرحلة ، فالاقتصار على ما في البلد أولى . فإذا كانا موجودين في بلد الطالب ، وفي غيره إلا أن ما في كل واحد من البلدين يختص به ، أي : من العوالي والحفاظ ; فالمستحب للطالب الرحلة لجمع الفائدتين من علو الإسنادين ، وعلم الطائفتين . لكن بعد تحصيله حديث بلده وتمهره في المعرفة به . قال : وإذا عزم الطالب على الرحلة ، فينبغي له ألا يترك في بلده من الرواة أحدا إلا ويكتب عنه ما تيسر من الأحاديث ، وإن قلت فإني سمعت بعض أصحابنا يقول : ضيع ورقة ولا تضيعن شيخا . وروينا عن أحمد [ ص: 41 ] وسأله ابنه عبد الله عمن طلب العلم ، ترى له أن يلزم رجلا عنده علم فيكتب عنه ؟ أو ترى له أن يرحل إلى المواضع التي فيها العلم فيسمع منهم ؟ قال : يرحل ، يكتب عن الكوفيين والبصريين ، وأهل المدينة ومكة يشام الناس يسمع منهم . وروينا عن ابن معين ، قال : أربعة لا تؤنس منهم رشدا منهم رجل يكتب في بلده ، ولا يرحل في طلب الحديث . وقال إبراهيم بن أدهم : إن الله يدفع البلاء عن هذه الأمة برحلة أصحاب الحديث . قال ابن الصلاح : ولا يحملنه الحرص والشره على التساهل في السماع والتحمل ، والإخلال بما عليه في ذلك . وقال الخطيب : ليعلم الطالب أن شهوة السماع لا تنتهي ، والنهمة من الطلب لا تنقضي ، والعلم كالبحار المتعذر كيلها ، والمعادن التي لا ينقطع نيلها .

فلا ينبغي له أن يشتغل في الغربة إلا بما يستحق لأجله الرحلة .

وقولي : (حملا) تمييز ، أي : ولا تتساهل في الحمل والسماع .




الخدمات العلمية