الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ سنه ]

                                                          سنه : السنة واحدة السنين ، قال ابن سيده : السنة العام منقوصة ، والذاهب منها يجوز أن يكون هاء وواوا بدليل قولهم في جمعها : سنهات وسنوات ، كما أن عضة كذلك بدليل قولهم عضاه وعضوات ، قال ابن بري : الدليل على أن لام سنة واو - قولهم سنوات ؛ قال ابن الرقاع :


                                                          عتقت في القلال من بيت رأس سنوات وما سبتها التجار

                                                          والسنة مطلقة : السنة المجدبة ، أوقعوا ذلك عليها إكبارا لها وتشنيعا واستطالة . يقال : أصابتهم السنة ، والجمع من كل ذلك سنهات وسنون ، كسروا السين ليعلم بذلك أنه قد أخرج عن بابه إلى الجمع بالواو والنون ، وقد قالوا سنينا ؛ وأنشد الفارسي :


                                                          دعاني من نجد فإن سنينه     لعبن بنا شيبا وشيبننا مردا

                                                          فثبات نونه مع الإضافة يدل على أنها مشبهة بنون قنسرين فيمن قال : هذه قنسرين ، وبعض العرب يقول : هذه سنين ، كما ترى ، ورأيت سنينا ، فيعرب النون وبعضهم يجعلها نون الجمع ، فيقول : هذه سنون ورأيت سنين ، وقوله عز وجل : ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ، أي بالقحوط ، والسنة الأزمة ، وأصل السنة سنهة ، بوزن جبهة ، فحذفت لامها ، ونقلت حركتها إلى النون ، فبقيت سنة ، لأنها من سنهت النخلة ، وتسنهت إذا أتى عليها السنون . قال الجوهري : تسنهت إذا أتى عليها السنون . قال ابن الأثير : وقيل : إن أصلها سنوة بالواو فحذفت كما حذفت الهاء لقولهم تسنيت عنده إذا أقمت عنده سنة ، ولهذا يقال على الوجهين : استأجرته مسانهة ومساناة ، وتصغيره سنيهة وسنية ، وتجمع سنوات وسنهات ، فإذا جمعتها جمع الصحة كسرت السين ، فقلت سنين وسنون ، وبعضهم يضمها [ ص: 283 ] ويقول : سنون ، بالضم ، ومنهم من يقول : سنين على كل حال في النصب والرفع والجر ، ويجعل الإعراب على النون الأخيرة ، فإذا أضفتها على الأول حذفت نون الجمع للإضافة ، وعلى الثاني لا تحذفها فتقول سني زيد وسنين زيد . الجوهري : وأما من قال : سنين ومئين ورفع النون ؛ ففي تقديره قولان : أحدهما : أنه فعلين مثل غسلين ، محذوفة ، إلا أنه جمع شاذ ، وقد يجيء في الجموع ما لا نظير له نحو عدى ؛ هذا قول الأخفش ، والقول الثاني : أنه فعيل ، وإنما كسروا الفاء لكسرة ما بعدها ، وقد جاء الجمع على فعيل نحو كليب وعبيد ، إلا أن صاحب هذا القول يجعل النون في آخره بدلا من الواو ، وفي المائة بدلا من الياء ، قال ابن بري : سنين ليس بجمع تكسير وإنما هو اسم موضوع للجمع ، وقوله : إن عدى لا نظير له في الجموع - وهم ؛ لأن عدى نظيره لحى وفرى وجرى ، وإنما غلطه قولهم إنه لم يأت فعل صفة إلا عدى ومكانا سوى . وقوله تعالى : ( ثلاثمائة سنين ) ؛ قال الأخفش : إنه بدل من ثلاث ومن المائة ، أي : لبثوا ثلاثمائة من السنين . قال : فإن كانت السنون تفسيرا للمائة فهي جر وإن كانت تفسيرا للثلاث فهي نصب ، والعرب تقول تسنيت عنده وتسنهت عنده . ويقال : هذه بلاد سنين أي جدبة ؛ قال الطرماح :


                                                          بمنخرق تحن الريح فيه     حنين الجلب في البلد السنين



                                                          الأصمعي : أرض بني فلان سنة إذا كانت مجدبة . قال أبو منصور : وبعث رائد إلى بلد فوجده ممحلا فلما رجع سئل عنه فقال : السنة ، أراد الجدوبة . وفي الحديث اللهم أعني على مضر بالسنة ؛ والسنة : الجدب ، يقال : أخذتهم السنة إذا أجدبوا وأقحطوا ، وهي من الأسماء الغالبة نحو الدابة في الفرس والمال في الإبل ، وقد خصوها بقلب لامها تاء في أسنتوا إذا أجدبوا ، وفي حديث عمر ، رضي الله عنه : أنه كان لا يجيز نكاحا عام سنة أي عام جدب ، يقول : لعل الضيق يحملهم على أن ينكحوا غير الأكفاء ، وكذلك حديثه الآخر : كان لا يقطع في عام سنة ، يعني السارق ، وفي حديث طهفة : فأصابتنا سنية حمراء أي جدب شديد ، وهو تصغير تعظيم ، وفي حديث الدعاء على قريش : أعني عليهم بسنين كسني يوسف ؛ هي التي ذكرها الله في كتابه : " ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد " أي : سبع سنين فيها قحط وجدب ، والمعاملة من وقتها مسانهة ، وسانهه مسانهة وسناها ، الأخيرة عن اللحياني ، عامله بالسنة أو استأجره لها ، وسانهت النخلة ، وهي سنهاء حملت سنة ولم تحمل أخرى ، فأما قول بعض الأنصار ، هو سويد بن الصامت :


                                                          فليست بسنهاء ولا رجبية     ولكن عرايا في السنين الجوائح



                                                          قال أبو عبيد : لم تصبها السنة المجدبة . والسنهاء : التي أصابتها السنة المجدبة ، وقد تكون النخلة التي حملت عاما ولم تحمل آخر ، وقد تكون التي أصابها الجدب وأضر بها ، فنفى ذلك عنها ، الأصمعي : إذا حملت النخلة سنة ولم تحمل سنة ، قيل : قد عاومت وسانهت ، وقال غيره : يقال للسنة التي تفعل ذلك سنهاء ، وفي الحديث : أنه نهى عن بيع السنين وهو أن يبيع ثمرة نخله لأكثر من سنة ؛ نهى عنه لأنه غرر وبيع ما لم يخلق ، وهو مثل الحديث الآخر : أنه نهى عن المعاومة . وفي حديث حليمة السعدية : خرجنا نلتمس الرضعاء بمكة في سنة سنهاء أي لا نبات بها ولا مطر ، وهي لفظة مبنية من السنة كما يقال : ليلة ليلاء ويوم أيوم ، ويروى : في سنة شهباء . وأرض بني فلان سنة أي مجدبة . أبو زيد : طعام سنه وسن إذا أتت عليه السنون ، وسنه الطعام والشراب سنها وتسنه : تغير ، وعليه وجه بعضهم قوله تعالى : فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه ؛ والتسنه التكرج الذي يقع على الخبز والشراب وغيره ، تقول منه : خبز متسنه . وفي القرآن : لم يتسنه لم تغيره السنون ، ومن جعل حذف السنة واوا ؛ قرأ : لم يتسن ، وقال : سانيته مساناة . وإثبات الهاء أصوب ، وقال الفراء : في قوله تعالى : لم يتسنه لم يتغير بمرور السنين عليه ، مأخوذ من السنة ، وتكون الهاء أصلية من قولك بعته مسانهة ، تثبت وصلا ووقفا . ومن وصله بغير هاء جعله من المساناة ؛ لأن لام سنة تعتقب عليها الهاء والواو ، وتكون زائدة صلة بمنزلة قوله تعالى : فبهداهم اقتده ؛ فمن جعل الهاء زائدة جعل فعلت منه تسنيت ، ألا ترى أنك تجمع السنة سنوات ، فيكون تفعلت على صحة ؟ ومن قال في تصغير السنة : سنينة ، وإن كان ذلك قليلا - جاز أن يقول : تسنيت تفعلت ، أبدلت النون ياء لما كثرت النونات كما قالوا تظنيت وأصله الظن ، وقد قالوا : هو مأخوذ من قوله عز وجل : من حمإ مسنون ؛ يريد متغيرا ، فإن يكن كذلك فهو أيضا مما بدلت نونه ياء ، ونرى - والله أعلم - أن معناه مأخوذ من السنة ، أي لم تغيره السنون . وروى الأزهري عن أبي العباس أحمد بن يحيى في قوله : لم يتسنه قال : قرأها أبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم بإثبات الهاء إن وصلوا أو قطعوا ، وكذلك قوله : فبهداهم اقتده ؛ ووافقهم أبو عمرو : في : لم يتسنه ؛ وخالفهم في " اقتده " ، فكان يحذف الهاء منه في الوصل ويثبتها في الوقف ، وكان الكسائي يحذف الهاء منهما في الوصل ويثبتها في الوقف ؛ قال أبو منصور : وأجود ما قيل في تصغير السنة : سنيهة على أن الأصل سنهة كما قالوا : الشفة أصلها شفهة فحذفت الهاء ، قال : ونقصوا الهاء من السنة كما نقصوها من الشفة لأن الهاء ضاهت حروف اللين التي تنقص من الواو والياء والألف ، مثل زنة وثبة وعزة وعضة ، والوجه في القراءة : لم يتسنه ، بإثبات الهاء في الوقف والإدراج ، وهو اختيار أبي عمرو ، وهو من قولهم سنه الطعام إذا تغير ، وقال أبو عمرو الشيباني : هو من قولهم حمإ مسنون ؛ فأبدلوا من يتسنن كما قالوا تظنيت وقصيت أظفاري .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية