الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ برأ ]

                                                          برأ : البارئ : من أسماء الله - عز وجل - والله البارئ الذارئ . وفي التنزيل العزيز : البارئ المصور . وقال - تعالى : فتوبوا إلى بارئكم . قال : البارئ : هو الذي خلق الخلق لا عن مثال . قال : ولهذه اللفظة من الاختصاص بخلق الحيوان ما ليس لها بغيره من المخلوقات ، وقلما تستعمل في غير الحيوان ، فيقال : برأ الله النسمة وخلق السماوات والأرض . قال ابن سيده : برأ الله الخلق يبرؤهم برءا وبروءا : خلقهم ، يكون ذلك في الجواهر والأعراض . وفي التنزيل : ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها وفي التهذيب : والبرية أيضا : الخلق بلا همز . قال الفراء : [ ص: 47 ] هي من برأ الله الخلق أي خلقهم . والبرية : الخلق ، وأصلها الهمز ، وقد تركت العرب همزها . ونظيره : النبي والذرية . وأهل مكة يخالفون غيرهم من العرب ، يهمزون البريئة والنبيء والذريئة ، من ذرأ الله الخلق ، وذلك قليل . قال الفراء : وإذا أخذت البرية من البرى ، وهو التراب ، فأصلها غير الهمز . وقال اللحياني : أجمعت العرب على ترك همز هذه الثلاثة ، ولم يستثن أهل مكة . وبرئت من المرض ، وبرأ المريض يبرأ ويبرؤ برءا وبروءا ، وأهل العالية يقولون : برأت أبرأ برءا وبروءا ، وأهل الحجاز يقولون : برأت من المرض برءا ، بالفتح ، وسائر العرب يقولون : برئت من المرض . وأصبح بارئا من مرضه وبريئا من قوم براء ، كقولك صحيحا ، وصحاحا ، فذلك ذلك . غير أنه إنما ذهب في براء إلى أنه جمع بريء . قال : وقد يجوز أن يكون براء أيضا جمع بارئ ، كجائع وجياع وصاحب وصحاب . وقد أبرأه الله من مرضه إبراء . قال ابن بري : لم يذكر الجوهري برأت أبرؤ ، بالضم في المستقبل . قال : وقد ذكره سيبويه وأبو عثمان المازني وغيرهما من البصريين . قال : وإنما ذكرت هذا لأن بعضهم لحن بشار بن برد في قوله :


                                                          نفر الحي من مكاني ، فقالوا : فز بصبر ، لعل عينك تبرو     مسه ، من صدود عبدة ، ضر
                                                          فبنات الفؤاد ما تستقر



                                                          وفي حديث مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - قال العباس لعلي - رضي الله عنهما : كيف أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أصبح بحمد الله بارئا ، أي معافى . يقال : برأت من المرض أبرأ برءا ، بالفتح ، فأنا بارئ ; وأبرأني الله من المرض . وغير أهل الحجاز يقولون : برئت ، بالكسر ، برءا ، بالضم . ومنه قول عبد الرحمن بن عوف لأبي بكر - رضي الله عنهما : أراك بارئا . وفي حديث الشرب : فإنه أروى وأبرى ، أي يبرئه من ألم العطش . أو أراد أنه لا يكون منه مرض ، لأنه قد جاء في حديث آخر : فإنه يورث الكباد . قال : وهكذا يروى في الحديث : أبرى ، غير مهموزة ، لأجل أروى . والبراء في المديد : الجزء السالم من زحاف المعاقبة . وكل جزء يمكن أن يدخله الزحاف كالمعاقبة ، فيسلم منه ، فهو بريء . الأزهري : وأما قولهم : برئت من الدين ، والرجل أبرأ براءة ، وبرئت إليك من فلان أبرأ براءة ، فليس فيها غير هذه اللغة . قال الأزهري : وقد رووا برأت من المرض أبرؤ برءا . قال : ولم نجد فيما لامه همزة فعلت أفعل . قال : وقد استقصى العلماء باللغة هذا ، فلم يجدوه إلا في هذا الحرف ، ثم ذكر قرأت أقرؤ وهنأت البعير أهنؤه . وقوله عز وجل : براءة من الله ورسوله ، قال : في رفع ( براءة ) قولان : أحدهما على خبر الابتداء ، المعنى : هذه الآيات براءة من الله ورسوله ; والثاني براءة ابتداء والخبر إلى الذين عاهدتم . قال : وكلا القولين حسن . وأبرأته مما لي عليه وبرأته تبرئة ، وبرئ من الأمر يبرأ ويبرؤ ، والأخير نادر ، براءة وبراء ، الأخيرة عن اللحياني ; قال : وكذلك في الدين والعيوب برئ إليك من حقك براءة وبراء وبروءا وتبرؤا ، وأبرأك منه وبرأك . وفي التنزيل العزيز : فبرأه الله مما قالوا . وأنا بريء من ذلك وبراء ، والجمع براء ، مثل كريم وكرام ، وبرآء ، مثل فقيه وفقهاء ، وأبراء ، مثل شريف وأشراف ، وأبرياء ، مثل نصيب وأنصباء ، وبريئون وبراء . وقال الفارسي : البراء جمع بريء ، وهو من باب رخل ورخال . وحكى الفراء في جمعه : براء غير مصروف على حذف إحدى الهمزتين . وقال اللحياني : أهل الحجاز يقولون : أنا منك براء . قال : وفي التنزيل العزيز : إنني براء مما تعبدون . وتبرأت من كذا وأنا براء منه وخلاء ، لا يثنى ولا يجمع ، لأنه مصدر في الأصل مثل سمع سماعا ، فإذا قلت : أنا بريء منه وخلي منه ثنيت وجمعت وأنثت . ولغة تميم وغيرهم من العرب : أنا بريء . وفي غير موضع من القرآن : إني بريء ; والأنثى بريئة ، ولا يقال : براءة ، وهما بريئتان ، والجمع بريئات ، وحكى اللحياني : بريات وبرايا كخطايا ; وأنا البراء منه ، وكذلك الاثنان والجمع المؤنث . وفي التنزيل العزيز : إنني براء مما تعبدون . الأزهري : والعرب تقول : نحن منك البراء والخلاء ، والواحد والاثنان والجمع من المذكر والمؤنث يقال : براء لأنه مصدر . ولو قال : بريء ، لقيل في الاثنين : بريئان ، وفي الجمع : بريئون وبراء . وقال أبو إسحاق : المعنى في البراء أي ذو البراء منكم ، ونحن ذوو البراء منكم . وزاد الأصمعي : نحن برآء على فعلاء ، وبراء على فعال ، وأبرياء ; وفي المؤنث : إنني بريئة وبريئتان ، وفي الجمع بريئات وبرايا . الجوهري : رجل بريء وبراء مثل عجيب وعجاب . وقال ابن بري : المعروف في براء أنه جمع لا واحد ، وعليه قول الشاعر :


                                                          رأيت الحرب يجنيها رجال     ويصلى ، حرها ، قوم براء



                                                          قال ومثله لزهير :


                                                          إليكم إننا قوم براء



                                                          ونص ابن جني على كونه جمعا ، فقال : يجمع بريء على أربعة من الجموع : بريء وبراء ، مثل ظريف وظراف ، وبريء وبرآء ، مثل شريف وشرفاء ، وبريء وأبرياء ، مثل صديق وأصدقاء ، وبريء وبراء ، مثل ما جاء من الجموع على فعال نحو تؤام ورباء في جمع توأم وربى .

                                                          ابن الأعرابي : برئ إذا تخلص ، وبرئ إذا تنزه وتباعد ، وبريء إذا أعذر وأنذر ; ومنه قوله - تعالى : براءة من الله ورسوله ، أي إعذار وإنذار . وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - لما دعاه عمر إلى العمل فأبى ، فقال عمر : إن يوسف قد سأل العمل . فقال : إن يوسف مني بريء وأنا منه براء ، أي بريء عن مساواته في الحكم وأن أقاس به ; ولم يرد براءة الولاية والمحبة لأنه مأمور بالإيمان به ، والبراء والبريء سواء . وليلة البراء ليلة يتبرأ القمر من الشمس ، وهي أول ليلة من الشهر . التهذيب : البراء أول يوم من الشهر ، وقد أبرأ : إذا دخل في البراء ، وهو أول الشهر . وفي الصحاح البراء ، بالفتح ، أول ليلة من [ ص: 48 ] الشهر ، ولم يقل ليلة البراء ; قال :


                                                          يا عين بكي مالكا وعبسا     يوما ، إذا كان البراء نحسا



                                                          أي إذا لم يكن فيه مطر ، وهم يستحبون المطر في آخر الشهر ; وجمعه أبرئة ، حكي ذلك عن ثعلب . قال القتيبي : آخر ليلة من الشهر تسمى براء لتبرؤ القمر فيه من الشمس . ابن الأعرابي : يقال لآخر يوم من الشهر البراء ; لأنه برئ من هذا الشهر . وابن البراء : أول يوم من الشهر . ابن الأعرابي : البراء من الأيام يوم سعد يتبرك بكل ما يحدث فيه وأنشد :


                                                          كان البراء لهم نحسا ، فغرقهم     ولم يكن ذاك نحسا مذ سرى القمر

                                                          وقال آخر :


                                                          إن عبيدا لا يكون غسا     كما البراء لا يكون نحسا



                                                          أبو عمرو الشيباني : أبرأ الرجل : إذا صادف بريئا ، وهو قصب السكر . قال أبو منصور : أحسب هذا غير صحيح ، قال : والذي أعرفه أبرت : إذا صادفت بريا ، وهو سكر الطبرزذ . وبارأت الرجل : برئت إليه وبرئ إلي . وبارأت شريكي : إذا فارقته . وبارأ المرأة والكري مبارأة وبراء : صالحهما على الفراق . والاستبراء : أن يشتري الرجل جارية ، فلا يطؤها حتى تحيض عنده حيضة ثم تطهر ; وكذلك إذا سباها لم يطأها حتى يستبرئها بحيضة ، ومعناه : طلب براءتها من الحمل . واستبرأت ما عندك : غيره . استبرأ المرأة : إذا لم يطأها حتى تحيض ; وكذلك استبرأ الرحم . وفي الحديث في استبراء الجارية : " لا يمسها حتى تبرأ رحمها ويتبين حالها هل هي حامل أم لا " . وكذلك الاستبراء الذي يذكر مع الاستنجاء في الطهارة ، وهو أن يستفرغ بقية البول ، وينقي موضعه ومجراه ، حتى يبرئهما منه أي يبينه عنهما ، كما يبرأ من الدين والمرض . والاستبراء : استنقاء الذكر عن البول . واستبرأ الذكر : طلب براءته من بقية بول فيه بتحريكه ونتره وما أشبه ذلك ، حتى يعلم أنه لم يبق فيه شيء . ابن الأعرابي : البريء : المتفصي من القبائح ، المتنجي عن الباطل والكذب ، البعيد من التهم ، النقي القلب من الشرك . والبريء الصحيح الجسم والعقل . والبرأة ، بالضم : قترة الصائد التي يكمن فيها ، والجمع برأ . قال الأعشى يصف الحمير :


                                                          فأوردها عينا ، من السيف ، رية     بها برأ مثل الفسيل المكمم



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية