الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الباب الرابع .

في آداب الضيافة .

ومظان الآداب فيها ستة : الدعوة أولا ، ثم الإجابة ، ثم الحضور ، ثم تقديم الطعام ، ثم الأكل ، ثم الانصراف .

ولنقدم على شرحها إن شاء الله تعالى فضيلة الضيافة :

قال صلى الله عليه وسلم لا تكلفوا : للضيف فتبغضوه فإنه من أبغض الضيف ، فقد أبغض الله ، ومن أبغض الله أبغضه الله .

وقال صلى الله عليه وسلم : لا خير فيمن لا يضيف .

ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل له إبل وبقر كثيرة فلم يضيفه ومر بامرأة لها شويهات فذبحت له .

فقال صلى الله عليه وسلم : انظروا إليهما إنما هذه الأخلاق بيد الله ، فمن شاء أن يمنحه خلقا حسنا فعل .

وقال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نزل به صلى الله عليه وسلم ضيف ، فقال : قل لفلان اليهودي نزل بي ضيف ، فأسلفني شيئا من الدقيق إلى رجب ، فقال اليهودي : والله ما أسلفه إلا برهن ، فأخبرته فقال : والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض ولو ، أسلفني لأديته فاذهب بدرعي وارهنه عنده .

وكان إبراهيم الخليل صلوات الله عليه وسلامه إذا أراد أن يأكل خرج ميلا أو ميلين يلتمس من يتغدى معه وكان يكنى أبا الضيفان ولصدق نيته فيه دامت ضيافته في مشهده إلى يومنا هذا ، فلا تنقضي ليلة إلا ويأكل عنده جماعة من بين ثلاثة إلى عشرة إلى مائة .

وقال : قوام الموضع إنه لم يخل إلى الآن ليلة عن ضيف وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الإيمان ؟ فقال : إطعام الطعام وبذل السلام .

وقال صلى الله عليه وسلم في الكفارات والدرجات : إطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام .

وسئل عن الحج المبرور فقال : " إطعام الطعام وطيب الكلام .

"
وقال أنس رضي الله عنه : كل بيت لا يدخله ضيف لا تدخله الملائكة .

التالي السابق


(الباب الرابع في آداب الضيافة)

من ضافه ضيفا إذا نزل عنده فهو ضيف، ويطلق على الواحد والجمع، وأضفته قريته، وأصل الضيف الميل، يقال: ضافت الشمس للغروب مالت، والضيف من مال بك نزولا، وصارت الضيافة متعارفة في القرى .

(ومظان الآداب فيها ستة: الدعوة أولا، ثم الإجابة، ثم الحضور، ثم تقديم الطعام، ثم الأكل، ثم الانصراف. ولنقدم على شرحها إن شاء الله تعالى فضيلة الضيافة: قال -صلى الله عليه وسلم-: لا تتكلفوا) . وفي رواية بحذف إحدى التاءين (للضيف فتبغضوه) أي: تملوا الضيافة وترغبوا عنها، فيكون سببا لبغض الضيف، (فإنه من أبغض الضيف، فقد أبغض الله، ومن أبغض الله أبغضه الله) .

قال العراقي : رواه أبو بكر بن لال في مكارم الأخلاق من حديث سلمان: " لا يتكلفن أحد لضيفه ما لا يقدر عليه "، وفيه محمد بن الفرج الأزرق تكلم فيه. اهـ .

قلت: ورواه البيهقي كذلك، وعند ابن عساكر في التاريخ: لا تكلفوا للضيف. وعن أبي قرصافة مرفوعا: " يا عائشة لا تتكلفي للضيف فتمليه، ولكن أطعميه مما تأكلين " رواه أبو عبد الله محمد بن باكويه الشيرازي والرافعي [ ص: 239 ] من طريق عياض بن أبي قرصافة عن أبيه.

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: لا خير فيمن لا يضيف) أي: لا يطعم الضيف الذي ينزل به، أي: إذا كان قادرا على ضيافته، ولم يعارضه ما هو أهم من ذلك كنفقة من تلزمه مؤنته. قال العراقي : رواه أحمد من حديث عقبة بن عامر، وفيه ابن لهيعة. اهـ .

قلت: وكذلك رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق، والبيهقي ، قال المنذري: رجاله رجال الصحيح غير ابن لهيعة. (ومر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برجل له إبل وبقر كثيرة فلم يضيفه ومر بامرأة لها شويهات) جمع قلة شويهة وهي مصغرة شاة فأضافته (فذبحت له) من تلك الشويهات (فقال -صلى الله عليه وسلم-: انظروا إليها إنما هذه الأخلاق بيد الله، فمن شاء أن يمنحه خلقا حسنا فعل) قال العراقي : رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق من رواية ابن المنهال مرسلا .

(وقال أبو رافع مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) وكان قبطيا قيل: اسمه إبراهيم، وقيل: أسلم وكان للعباس أولا، روى عنه أولاده وأبو سعيد المقبري، مات بعد عثمان (أنه نزل به -صلى الله عليه وسلم- ضيف، فقال: قل لفلان اليهودي) وسماه (نزل بي ضيف، فأسلفني شيئا من الدقيق إلى رجب، فقال اليهودي: لا والله لا أسلفه إلا برهن، فأخبرته فقال: والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض، لو أسلفني لأديته فاذهب بدرعي) وكان من حديد (وارهنه عنده) . قال العراقي : رواه إسحاق بن راهويه في سنده، والخرائطي في مكارم الأخلاق وابن مردويه في التفسير بسند ضعيف. اهـ .

قلت: ورواه الترمذي في الشمائل، وقال الشراح: اسم هذا اليهودي أبو الشحم من الأوس رهنها عنده في ثلاثين صاعا من شعير. رواه الشيخان، وروى الترمذي : بعشرين صاعا من طعام أخذه لأهله، وأنه لم يفكها حتى مات -صلى الله عليه وسلم- .

(وكان إبراهيم الخليل صلوات الله عليه وسلم إذا أراد أن يأكل خرج ميلا أو ميلين يلتمس من يتغذى معه) ذكره محمد بن عبد الكريم السمرقندي في كتاب روح المجالس: أنه عليه السلام كان إذا أراد أن يتغذى ولم يحضره ضيف خرج مسيرة ميل أو ميلين يطلب من يتغذى معه. اهـ .

وقال ابن أبي الدنيا في قرى الضيف: حدثنا أحمد بن جميل، أخبرنا عبد الله، عن طلحة، عن عطاء قال: كان إبراهيم عليه السلام إذا أراد أن يتغذى خرج ميلا أو ميلين يلتمس من يتغذى معه، وهو أول من سن الضيافة وعظم أمرها .

قال أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم في كتاب الأوائل: حدثنا وهبان بن بقية، حدثنا خالد، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعا: أول من ضيف الضيف إبراهيم عليه السلام. ورواه ابن أبي الدنيا في قرى الضيف، عن محمد بن عبد الله بن المبارك، حدثنا أبو أسامة، حدثنا محمد بن عمرو... فذكره مثله قال: وحدثنا إسحاق بن إسماعيل، حدثنا جرير، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب قال: كان إبراهيم أول من أضاف الضيف (و) لذلك (كان يكنى أبا الضيفان) رواه ابن أبي الدنيا في قرى الضيف من طريق سفيان الثوري عن أبيه عن عكرمة قال: كان إبراهيم عليه السلام يكنى أبا الضيفان، وكان لقصره أربعة أبواب لكيلا يفوته أحد، (ولصدق نيته فيه) أي: في أمر الضيافة (دامت ضيافته في مشهده) في غار حبرون (إلى يومنا هذا، فلا ينقضي ليلة إلا ويأكل عنده جماعة من بين ثلاثة إلى عشرة إلى مائة، وقال: قوام الموضع) أي: خدمته القائمون بشعار الكنس والإيقاد الملازمون هنالك (إنه لم يخل إلى الآن ليلة عن ضيف) وقد اتفق لي أني لما وردت لزيارته كان معي جماعة نحو الخمسة، فلما فرغت من الزيارة إذا أنا بسماط ممدود، وفيه من أنواع الأطعمة، فتعجبت لكوني ما أعرف هناك أحدا، فمن أين هذا ؟ فقال لي واحد: لا تتعجب هذه ضيافة الخليل عليه السلام، وهي لكل قادم إلى زيارته، ثم إني كنت في ضيافته ثلاثة أيام في أرغد عيش صلى الله عليه وعلى ولده وسلم. (وسئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما الإيمان ؟ فقال: إطعام الطعام وبذل السلام) رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو بلفظ: أي الإسلام خير ؟ قال: تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف.

(وقال -صلى الله عليه وسلم- في الكفارات والدرجات: إطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام) رواه الترمذي وصححه، والحاكم من حديث معاذ رضي الله عنه، وقد تقدم بعضه في الباب الرابع من الأذكار، وهو حديث: اللهم إني أسألك فعل [ ص: 240 ] الخيرات وترك المنكرات (وسئل) -صلى الله عليه وسلم- (عن الحج المبرور فقال: " إطعام الطعام وطيب الكلام") تقدم في الحج .

(وقال أنس) بن مالك (رضي الله عنه: كل بيت لا يدخله ضيف لا يدخله الملائكة) أي: ملائكة الرحمة .




الخدمات العلمية