الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ برح ]

                                                          برح : برح برحا وبروحا : زال . والبراح : مصدر قولك برح مكانه أي زال عنه وصار في البراح . وقولهم : لا براح ، منصوب كما نصب قولهم لا ريب ، ويجوز رفعه فيكون بمنزلة ليس ; كما قال سعد بن ناشب في قصيدة مرفوعة :


                                                          من فر عن نيرانها فأنا ابن قيس لا براح



                                                          قال ابن الأثير : البيت لسعد بن مالك يعرض بالحرث بن عباد ، وقد كان اعتزل حرب تغلب وبكر ابني وائل ; ولهذا يقول :


                                                          بئس الخلائف بعدنا :     أولاد يشكر واللقاح



                                                          وأراد باللقاح بني حنيفة ، سموا بذلك لأنهم لا يدينون بالطاعة للملوك ، وكانوا قد اعتزلوا حرب بكر وتغلب إلا الفند الزماني . وتبرح : كبرح ; قال مليح الهذلي :


                                                          مكثن على حاجاتهن ، وقد مضى     شباب الضحى ، والعيس ما تتبرح



                                                          وأبرحه هو . الأزهري : برح الرجل يبرح براحا إذا رام من موضعه . وما برح يفعل كذا أي ما زال ، ولا أبرح أفعل ذاك أي لا أزال أفعله . وبرح الأرض : فارقها . وفي التنزيل : فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي ; وقوله - تعالى : لن نبرح عليه عاكفين أي لن نزال . وحبيل براح : الأسد كأنه قد شد بالحبال فلا يبرح ، وكذلك الشجاع . والبراح الظهور والبيان . وبرح الخفاء وبرح ، الأخيرة عن ابن الأعرابي : ظهر ; قال :


                                                          برح الخفاء فما لدي تجلد



                                                          أي وضح الأمر كأنه ذهب السر وزال . الأزهري : برح الخفاء معناه زال الخفاء ، وقيل : معناه ظهر ما كان خافيا وانكشف ، مأخوذ من براح الأرض ، وهو البارز الظاهر ، وقيل : معناه ظهر ما كنت أخفي . وجاء بالكفر براحا أي بينا . وفي الحديث : جاء بالكفر براحا أي جهارا ، من برح الخفاء إذا ظهر ، ويروى بالواو . وجاءنا بالأمر براحا أي بينا . وأرض براح : واسعة ظاهرة لا نبات فيها ولا عمران . والبراح ; بالفتح : المتسع من الأرض لا زرع فيه ولا شجر . وبراح وبراح : اسم للشمس ، معرفة مثل قطام ، سميت بذلك لانتشارها [ ص: 52 ] وبيانها ; وأنشد قطرب :


                                                          هذا مقام قدمي رباح     ذبب حتى دلكت براح



                                                          براح يعني الشمس . ورواه الفراء : براح ، بكسر الباء ، وهي باء الجر ، وهو جمع راحة وهي الكف أي استريح منها ، يعني أن الشمس قد غربت أو زالت فهم يضعون راحاتهم عن عيونهم ، ينظرون هل غربت أو زالت . ويقال للشمس إذا غربت : دلكت براح يا هذا ، على فعال . المعنى : أنها زالت وبرحت حين غربت ، فبراح بمعنى بارحة ، كما قالوا لكلب الصيد : كساب بمعنى كاسبة ، وكذلك حذام بمعنى حاذمة . ومن قال : دلكت الشمس براح ، فالمعنى : أنها كادت تغرب ; قال : وهو قول الفراء ; قال ابن الأثير : وهذان القولان ، يعني فتح الباء وكسرها ، ذكرهما أبو عبيد والأزهري والهروي والزمخشري وغيرهم من مفسري اللغة والغريب ، قال : وقد أخذ بعض المتأخرين القول الثاني على الهروي ، فظن أنه قد انفرد به ، وخطأه في ذلك ، ولم يعلم أن غيره من الأئمة قبله وبعده ذهب إليه ; وقال الغنوي :


                                                          بكرة حتى دلكت براح



                                                          يعني برائح ، فأسقط الياء ، مثل جرف هار وهائر . وقال المفضل : دلكت براح وبراح ، بكسر الحاء وضمها ; وقال أبو زيد : دلكت براح ، مجرور منون ، ودلكت براح ، مضموم غير منون ; وفي الحديث : حين دلكت براح . ودلوك الشمس : غروبها . وبرح بنا فلان تبريحا ، وأبرح ، فهو مبرح بنا ومبرح : آذانا بالإلحاح ، وفي التهذيب : آذاك بإلحاح المشقة ، والاسم البرح والتبريح ، ويوصف به فيقال : أمر برح ; قال :


                                                          بنا والهوى برح على من يغالبه



                                                          وقالوا : برح بارح وبرح مبرح ، على المبالغة ، فإن دعوت به ، فالمختار النصب ، وقد يرفع ; وقول الشاعر :


                                                          أمنحدرا ترمي بك العيس غربة ؟     ومصعدة ؟ برح لعينيك بارح !



                                                          يكون دعاء ويكون خبرا . والبرح : الشر والعذاب الشديد . وبرح به : عذبه . والتباريح : الشدائد ، وقيل : هي كلف المعيشة في مشقة . وتباريح الشوق : توهجه . ولقيت منه برحا بارحا أي شدة وأذى ; وفي الحديث : لقينا منه البرح أي الشدة ; وفي حديث أهل النهروان : لقوا برحا ; قال الشاعر :


                                                          أجدك هذا ؟ عمرك الله ! كلما     دعاك الهوى ؟ برح لعينيك بارح !



                                                          وضربه ضربا مبرحا : شديدا ، ولا تقل مبرحا . وفي الحديث : " ضربا غير مبرح " أي غير شاق . وهذا أبرح علي من ذاك أي أشق وأشد ; قال ذو الرمة :


                                                          أنينا وشكوى بالنهار كثيرة     علي ، وما يأتي به الليل أبرح



                                                          وهذا على طرح الزائد ، أو يكون تعجبا لا فعل له كأحنك الشاتين . والبرحاء : الشدة والمشقة ، وخص بعضهم به شدة الحمى ; وبرحايا ، في هذا المعنى . وبرحاء الحمى وغيرها : شدة الأذى . ويقال للمحموم الشديد الحمى : أصابته البرحاء . الأصمعي : إذا تمدد المحموم للحمى ، فذلك المطوى ، فإذا ثاب عليها ، فهي الرحضاء ، فإذا اشتدت الحمى ، فهي البرحاء . وفي الحديث : " برحت بي الحمى " ; أي أصابني منها البرحاء ، وهو شدتها . وحديث الإفك : فأخذه البرحاء ; وهو شدة الكرب من ثقل الوحي . وفي حديث قتل أبي رافع اليهودي : برحت بنا امرأته بالصياح . وتقول : برح به الأمر تبريحا أي جهده ، ولقيت منه بنات برح وبني برح . والبرحين والبرحين ، بكسر الباء وضمها ، والبرحين أي الشدائد والدواهي ، كأن واحد البرحين برح ، ولم ينطق به إلا أنه مقدر ، كأنه سبيله أن يكون الواحد برحة ، بالتأنيث ، كما قالوا : داهية ومنكرة ، فلما لم تظهر الهاء في الواحد جعلوا جمعه بالواو والنون ، عوضا من الهاء المقدرة ، وجرى ذلك مجرى أرض وأرضين ، وإنما لم يستعملوا في هذا الإفراد ، فيقولوا : برح ، واقتصروا فيه على الجمع دون الإفراد من حيث كانوا يصفون الدواهي بالكثرة والعموم والاشتمال والغلبة ; والقول في الفتكرين والأقورين كالقول في هذه ; ولقيت منه برحا بارحا ، ولقيت منه ابن بريح ، كذلك ; والبريح : التعب أيضا ; وأنشد :


                                                          به مسيح وبريح وصخب



                                                          والبوارح : شدة الرياح من الشمال في الصيف دون الشتاء ، كأنه جمع بارحة ، وقيل : البوارح الرياح الشدائد التي تحمل التراب في شدة الهبوات ، واحدها بارح ، والبارح : الريح الحارة في الصيف . والبوارح : الأنواء ، حكاه أبو حنيفة عن بعض الرواة ورده عليهم . أبو زيد : البوارح الشمال في الصيف ; خاصة قال الأزهري : وكلام العرب الذين شاهدتهم على ما قال أبو زيد ، وقال ابن كناسة : كل ريح تكون في نجوم القيظ ، فهي عند العرب بوارح ، قال : وأكثر ما تهب بنجوم الميزان وهي السمائم ; قال ذو الرمة :


                                                          لا بل هو الشوق من دار تخونها     مرا سحاب ، ومرا بارح ترب



                                                          فنسبها إلى التراب لأنها قيظية لا ربعية . وبوارح الصيف : كلها تربة . والبارح من الظباء والطير : خلاف السانح ، وقد برحت تبرح بروحا ; قال :


                                                          فهن يبرحن له بروحا     وتارة يأتينه سنوحا



                                                          وفي الحديث : برح ظبي ; هو من البارح ضد السانح . والبارح : ما مر من الطير والوحش من يمينك إلى يسارك ، والعرب تتطير به لأنه لا يمكنك أن ترميه حتى تنحرف ، والسانح ما مر بين يديك من جهة يسارك إلى يمينك ، والعرب تتيمن به لأنه أمكن للرمي والصيد . وفي المثل : من لي بالسانح بعد البارح ؟ يضرب للرجل يسيء الرجل ، فيقال له : إنه سوف يحسن إليك ، فيضرب هذا المثل ; وأصل ذلك أن [ ص: 53 ] رجلا مرت به ظباء بارحة ، فقيل له : سوف تسنح لك ، فقال : من لي بالسانح بعد البارح ؟ وبرح الظبي ، بالفتح ، بروحا إذا ولاك مياسره ، يمر من ميامنك إلى مياسرك ; وفي المثل : إنما هو كبارح الأروي قليلا ما يرى ; يضرب ذلك للرجل إذا أبطأ عن الزيارة ، وذلك أن الأروي يكون مساكنها في الجبال من قنانها فلا يقدر أحد عليها أن تسنح له ، ولا يكاد الناس يرونها سانحة ولا بارحة إلا في الدهور مرة . وقتلوهم أبرح قتل أي أعجبه ; وفي حديث عكرمة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن التوليه والتبريح ; قال : التبريح قتل السوء للحيوان مثل أن يلقى السمك على النار حيا ، وجاء التفسير متصلا بالحديث ; قال شمر : ذكر ابن المبارك هذا الحديث مع ما ذكره من كراهة إلقاء السمكة إذا كانت حية على النار ، وقال : أما الأكل فتؤكل ولا يعجبني ، قال : وذكر بعضهم أن إلقاء القمل في النار مثله ; قال الأزهري : ورأيت العرب يملأون الوعاء من الجراد وهي تهتش فيه ، ويحتفرون حفرة في الرمل ويوقدون فيها ثم يكبون الجراد من الوعاء فيها ، ويهيلون عليها الإرة الموقدة حتى تموت ، ثم يستخرجونها ويشررونها في الشمس ، فإذا يبست أكلوها . وأصل التبريح : المشقة والشدة . وبرح به إذا شق عليه . وما أبرح هذا الأمر ! أي ما أعجبه ! قال الأعشى :


                                                          أقول لها ، حين جد الرحي     ل : أبرحت ربا ، وأبرحت جارا



                                                          أي أعجبت وبالغت ; وقيل : معنى هذا البيت أبرحت أكرمت أي صادفت كريما ; وأبرحه بمعنى أكرمه وعظمه . وقال أبو عمرو : برحى له ومرحى له إذا تعجب منه ، وأنشد بيت الأعشى وفسره ، فقال : معناه أعظمت ربا ; وقال آخرون : أعجبت ربا . ويقال : أكرمت من رب ، وقال الأصمعي : أبرحت بالغت . ويقال : أبرحت لؤما وأبرحت كرما أي جئت بأمر مفرط . وأبرح فلان رجلا إذا فضله ; وكذلك كل شيء تفضله . وبرح الله عنه أي فرج الله عنه ; وإذا غضب الإنسان على صاحبه ، قيل : ما أشد ما برح عليه ! والعرب تقول : فعلنا البارحة كذا وكذا لليلة التي قد مضت ، يقال ذلك بعد زوال الشمس ، ويقولون قبل الزوال : فعلنا الليلة كذا وكذا ; وقول ذي الرمة :


                                                          تبلغ بارحي كراه فيه



                                                          قال بعضهم : أراد النوم الذي شق عليه أمره لامتناعه منه ، ويقال : أراد نوم الليلة البارحة . والعرب تقول : ما أشبه الليلة بالبارحة أي ما أشبه الليلة التي نحن فيها بالليلة الأولى التي قد برحت وزالت ومضت . والبارحة : أقرب ليلة مضت ; تقول : لقيته البارحة ، ولقيته البارحة الأولى ، وهو من برح أي زال ، ولا يحقر ; قال ثعلب : حكي عن أبي زيد أنه قال : تقول مذ غدوة إلى أن تزول الشمس : رأيت الليلة في منامي ، فإذا زالت ، قلت : رأيت البارحة ; وذكر السيرافي في أخبار النحاة عن يونس ، قال : يقولون كان كذا وكذا الليلة إلى ارتفاع الضحى ، وإذا جاوز ذلك ، قالوا : كان البارحة . الجوهري : وبرحى ، على فعلى ، كلمة تقال عند الخطإ في الرمي ، ومرحى عند الإصابة ; ابن سيده : وللعرب كلمتان عند الرمي : إذا أصاب قالوا : مرحى ، وإذا أخطأ قالوا : برحى . وقول بريح : مصوب به ; قال الهذلي :


                                                          أراه يدافع قولا بريحا



                                                          وبرحة كل شيء : خياره ; ويقال : هذه برحة من البرح ، بالضم ، للناقة إذا كانت من خيار الإبل ; وفي التهذيب : يقال للبعير : هو برحة من البرح ; يريد أنه من خيار الإبل . وابن بريح ، وأم بريح : اسم للغراب معرفة ، سمي بذلك لصوته ; وهن بنات بريح ، قال ابن بري : صوابه أن يقول ابن بريح ، قال : وقد يستعمل أيضا في الشدة ، يقال : لقيت منه ابن بريح ; ومنه قول الشاعر :


                                                          سلا القلب عن كبراهما بعد صبوة     ولاقيت من صغراهما ابن بريح



                                                          ويقال في الجمع : لقيت منه بنات برح وبني برح . ويبرح : اسم رجل ; وفي حديث أبي طلحة : أحب أموالي إلي بيرحاء ; ابن الأثير : هذه اللفظة كثيرا ما تختلف ألفاظ المحدثين فيها فيقولون : بيرحاء ، بفتح الباء وكسرها ، وبفتح الراء وضمها ، والمد فيهما ، وبفتحهما والقصر ، وهو اسم مال وموضع بالمدينة ، قال : وقال الزمخشري في الفائق : إنها فيعل من البراح ، وهي الأرض الظاهرة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية