الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

والذي يدل على أن مكة فتحت عنوة وجوه : أحدها : أنه لم ينقل أحد قط أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهلها زمن الفتح ، ولا جاءه أحد منهم صالحه على البلد ، وإنما جاءه أبو سفيان ، فأعطاه الأمان لمن دخل داره ، أو أغلق بابه ، أو دخل المسجد ، أو ألقى سلاحه .

ولو كانت قد فتحت [ ص: 109 ] صلحا ، لم يقل : من دخل داره ، أو أغلق بابه ، أو دخل المسجد فهو آمن ، فإن الصلح يقتضي الأمان العام .

الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله حبس عن مكة الفيل ، وسلط عليها رسوله والمؤمنين ، وإنه أذن لي فيها ساعة من نهار ) وفي لفظ : ( إنها لا تحل لأحد قبلي ، ولن تحل لأحد بعدي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار ) وفي لفظ : ( فإن أحد ترخص لقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقولوا : إن الله أذن لرسوله ، ولم يأذن لكم ، وإنما أذن لي ساعة من نهار ، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ) . وهذا صريح في أنها فتحت عنوة .

وأيضا ، فإنه ثبت في " الصحيح " : ( أنه جعل يوم الفتح خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى ، وجعل الزبير على المجنبة اليسرى ، وجعل أبا عبيدة على الحسر وبطن الوادي ، فقال : يا أبا هريرة ادع لي الأنصار فجاءوا يهرولون ، فقال : يا معشر الأنصار ، هل ترون أوباش قريش ؟ قالوا : نعم ، قال : انظروا إذا لقيتموهم غدا أن تحصدوهم حصدا ، وأخفى بيده ، ووضع يمينه على شماله ، وقال : موعدكم الصفا ، قال : فما أشرف يومئذ لهم أحد إلا أناموه ، وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا ، وجاءت الأنصار ، فأطافوا بالصفا ، فجاء أبو سفيان فقال : يا رسول الله! أبيدت خضراء قريش ، لا قريش بعد اليوم . فقال [ ص: 110 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن ألقى السلاح فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن .

وأيضا ، فإن أم هانئ أجارت رجلا ، فأراد علي بن أبي طالب قتله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ ) وفي لفظ عنها : لما كان يوم فتح مكة ، أجرت رجلين من أحمائي ، فأدخلتهما بيتا ، وأغلقت عليهما بابا ، فجاء ابن أمي علي فتفلت عليهما بالسيف ، فذكرت حديث الأمان ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ ) وذلك ضحى بجوف مكة بعد الفتح . فإجارتها له ، وإرادة علي رضي الله عنه قتله ، وإمضاء النبي صلى الله عليه وسلم إجارتها صريح في أنها فتحت عنوة .

وأيضا فإنه أمر بقتل مقيس بن صبابة ، وابن خطل ، وجاريتين ، ولو كانت فتحت صلحا ، لم يأمر بقتل أحد من أهلها ، ولكان ذكر هؤلاء مستثنى من عقد الصلح ، وأيضا ففي " السنن " بإسناد صحيح : " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يوم فتح مكة ، قال : أمنوا الناس إلا امرأتين ، وأربعة نفر . اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة ) والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية