الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ برد ]

                                                          برد : البرد : ضد الحر . والبرودة : نقيض الحرارة ; برد الشيء يبرد برودة وماء برد وبارد وبرود وبراد ، وقد برده يبرده بردا وبرده : جعله باردا . قال ابن سيده : فأما من قال برده سخنه لقول الشاعر :


                                                          عافت الماء في الشتاء ، فقلنا : برديه تصادفيه سخينا



                                                          فغالط ، إنما هو : بل رديه ، فأدغم على أن قطربا قد قاله . الجوهري : برد الشيء ، بالضم ، وبردته أنا فهو مبرود وبردته تبريدا ، ولا يقال أبردته إلا في لغة رديئة ; قال مالك بن الريب ، وكانت المنية قد حضرته [ ص: 54 ] فوصى من يمضي لأهله ويخبرهم بموته ، وأن تعطل قلوصه في الركاب فلا يركبها أحد ليعلم بذلك موت صاحبها وذلك يسر أعداءه ويحزن أولياءه ; فقال :


                                                          وعطل قلوصي في الركاب ، فإنها     ستبرد أكبادا ، وتبكي بواكيا



                                                          والبرود ، بفتح الباء : البارد . قال الشاعر :


                                                          فبات ضجيعي في المنام مع المنى     برود الثنايا ، واضح الثغر ، أشنب



                                                          وبرده يبرده : خلطه بالثلج وغيره ، وقد جاء في الشعر . وأبرده : جاء به باردا . وأبرد له : سقاه باردا . وسقاه شربة بردت فؤاده تبرد بردا أي بردته . ويقال : اسقني سويقا أبرد به كبدي . ويقال : سقيته فأبردت له إبرادا إذا سقيته باردا . وسقيته شربة بردت بها فؤاده من البرود ; وأنشد ابن الأعرابي :


                                                          إني اهتديت لفتية نزلوا     بردوا غوارب أينق جرب



                                                          أي وضعوا عنها رحالها لتبرد ظهورها . وفي الحديث : " إذا أبصر أحدكم امرأة فليأت زوجته فإن ذلك برد ما في نفسه " ; قال ابن الأثير : هكذا جاء في كتاب مسلم ، بالباء الموحدة ، من البرد ، فإن صحت الرواية فمعناه أن إتيانه امرأته يبرد ما تحركت له نفسه من حر شهوة الجماع أي تسكنه وتجعله باردا ، والمشهور في غيره يرد ، بالياء ، من الرد أي يعكسه . وفي حديث عمر : أنه شرب النبيذ بعدما برد أي سكن وفتر . ويقال : جد في الأمر ثم برد أي فتر . وفي الحديث : لما تلقاه بريدة الأسلمي قال له : من أنت ؟ قال : أنا بريدة ، قال لأبي بكر : برد أمرنا وصلح . أي سهل . وفي حديث أم زرع : برود الظل أي طيب العشرة ، وفعول يستوي فيه الذكر والأنثى . والبرادة : إناء يبرد الماء ، بني على أبرد ; قال الليث : البرادة كوارة يبرد عليها الماء ، قال الأزهري : ولا أدري هي من كلام العرب أم كلام المولدين . وإبردة الثرى والمطر : بردهما . والإبردة : برد في الجوف . والبردة : التخمة ; وفي حديث ابن مسعود : كل داء أصله البردة وكله من البرد ; البردة ، بالتحريك : التخمة وثقل الطعام على المعدة ; وقيل : سميت التخمة بردة لأن التخمة تبرد المعدة فلا تستمرئ الطعام ولا تنضجه . وفي الحديث : إن البطيخ يقطع الإبردة ; الإبردة ، بكسر الهمزة والراء : علة معروفة من غلبة البرد والرطوبة تفتر عن الجماع ، وهمزتها زائدة . ورجل به إبردة ، وهو تقطير البول ولا ينبسط إلى النساء . وابتردت أي اغتسلت بالماء البارد ، وكذلك إذا شربته لتبرد به كبدك ; قال الراجز :


                                                          لطالما حلأتماها لا ترد     فخلياها والسجال تبترد
                                                          من حر أيام ومن ليل ومد



                                                          وابترد الماء : صبه على رأسه باردا ; قال :


                                                          إذا وجدت أوار الحب في كبدي     أقبلت نحو سقاء القوم أبترد
                                                          هبني بردت ببرد الماء ظاهره     فمن لحر على الأحشاء يتقد ؟



                                                          تبرد فيه : استنقع . والبرود : ما ابترد به . والبرود من الشراب : ما يبرد الغلة ، وأنشد :


                                                          ولا يبرد الغليل الماء



                                                          والإنسان يتبرد بالماء : يغتسل به . وهذا الشيء مبردة للبدن ; قال الأصمعي : قلت لأعرابي : ما يحملكم على نومة الضحى ؟ قال : إنها مبردة في الصيف مسخنة في الشتاء . والبردان والأبردان أيضا : الظل والفيء ، سميا بذلك لبردهما ; قال الشماخ بن ضرار :


                                                          إذا الأرطى توسد أبرديه     خدود جوازئ ، بالرمل ، عين



                                                          سيأتي في ترجمة جزأ ، وقول أبي صخر الهذلي :


                                                          فما روضة بالحزم طاهرة الثرى     ولتها نجاء الدلو بعد الأبارد



                                                          يجوز أن يكون جمع الأبردين اللذين هما الظل والفيء أو اللذين هما الغداة والعشي ; وقيل : البردان العصران وكذلك الأبردان ، وقيل : هما الغداة والعشي ; وقيل : ظلاهما وهما الردفان والصرعان والقرنان . وفي الحديث : " أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم " ; قال ابن الأثير : الإبراد انكسار الوهج والحر وهو من الإبراد الدخول في البرد ; وقيل : معناه صلوها في أول وقتها من برد النهار ، وهو أوله . وأبرد القوم : دخلوا في آخر النهار . وقولهم : أبردوا عنكم من الظهيرة أي لا تسيروا حتى ينكسر حرها ويبوخ . ويقال : جئناك مبردين إذا جاءوا وقد باخ الحر . وقال محمد بن كعب : الإبراد أن تزيغ الشمس ، قال : والركب في السفر يقولون إذا زاغت الشمس : قد أبردتم فروحوا ; قال ابن أحمر :


                                                          في موكب ، زحل الهواجر ، مبرد



                                                          قال الأزهري : لا أعرف محمد بن كعب هذا غير أن الذي قاله صحيح من كلام العرب ، وذلك أنهم ينزلون للتغوير في شدة الحر ويقيلون ، فإذا زالت الشمس ثاروا إلى ركابهم فغيروا عليها أقتابها ورحالها ونادى مناديهم : ألا قد أبردتم فاركبوا ! قال الليث : يقال أبرد القوم إذا صاروا في وقت القر آخر القيظ . وفي الحديث : من صلى البردين دخل الجنة ; البردان والأبردان : الغداة والعشي ; ومنه حديث ابن الزبير : كان يسير بنا الأبردين ; وحديثه الآخر مع فضالة بن شريك : وسر بها البردين . وبردنا الليل يبردنا بردا وبرد علينا : أصابنا برده . وليلة باردة العيش وبردته : هنيئته ; قال نصيب :


                                                          فيا لك ذا ود ويا لك ليلة     بخلت ! وكانت بردة العيش ناعمه



                                                          وأما قوله : لا بارد ولا كريم ; فإن المنذري روى عن ابن السكيت أنه قال : وعيش بارد هنيء طيب ; قال :


                                                          قليلة لحم الناظرين ، يزينها [ ص: 55 ]     شباب ، ومخفوض من العيش بارد



                                                          أي طاب لها عيشها . قال : ومثله قولهم نسألك الجنة وبردها أي طيبها ونعيمها . قال ابن شميل : إذا قال : وابرده على الفؤاد ! إذا أصاب شيئا هنيئا ، وكذلك وابرداه على الفؤاد . ويجد الرجل بالغداة البرد فيقول : إنما هي إبردة الثرى وإبردة الندى . ويقول الرجل من العرب : إنها لباردة اليوم ! فيقول له الآخر : ليست بباردة إنما هي إبردة الثرى . ابن الأعرابي : الباردة الرباحة في التجارة ساعة يشتريها . والباردة : الغنيمة الحاصلة بغير تعب ; ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم : " الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة " لتحصيله الأجر بلا ظمإ في الهواجر أي لا تعب فيه ولا مشقة . وكل محبوب عندهم : بارد ; وقيل : معناه الغنيمة الثابتة المستقرة من قولهم : برد لي على فلان حق أي ثبت ; ومنه حديث عمر : وددت أنه برد لنا عملنا . ابن الأعرابي : يقال أبرد طعامه وبرده وبرده . والمبرود : خبز يبرد في الماء تطعمه النساء للسمنة ; يقال : بردت الخبز بالماء إذا صببت عليه الماء فبللته ، واسم ذلك الخبز المبلول : البرود والمبرود . والبرد : سحاب كالجمد ، سمي بذلك لشدة برده . وسحاب برد وأبرد : ذو قر وبرد ; قال :


                                                          يا هند ! هند بين خلب وكبد     أسقاك عني هازم الرعد برد



                                                          وقال :


                                                          كأنهم المعزاء في وقع أبردا



                                                          شبههم في اختلاف أصواتهم بوقع البرد على المعزاء ، وهي حجارة صلبة ، وسحابة بردة على النسب : ذات برد ، ولم يقولوا : برداء . الأزهري : أما البرد بغير هاء فإن الليث زعم أنه مطر جامد . والبرد : حب الغمام ، تقول منه : بردت الأرض . وبرد القوم : أصابهم البرد ، وأرض مبرودة كذلك . وقال أبو حنيفة : شجرة مبرودة طرح البرد ورقها . الأزهري : وأما قوله عز وجل : وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به ; ففيه قولان : أحدهما : وينزل من السماء من أمثال جبال فيها من برد ، والثاني : وينزل من السماء من جبال فيها بردا ; ومن صلة ; وقول الساجع :


                                                          وصليانا بردا



                                                          أي ذو برودة . والبرد : النوم لأنه يبرد العين بأن يقرها ; وفي التنزيل العزيز : لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا ; قال العرجي :


                                                          فإن شئت حرمت النساء سواكم     وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا



                                                          قال ثعلب : البرد هنا الريق ، وقيل : النقاخ الماء العذب ، والبرد النوم . الأزهري في قوله تعالى : لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا ; روي عن ابن عباس قال : لا يذوقون فيها برد الشراب ولا الشراب ، قال : وقال بعضهم : لا يذوقون فيها بردا ، يريد نوما ، وإن النوم ليبرد صاحبه ، وإن العطشان لينام فيبرد بالنوم ; وأنشد الأزهري لأبي زبيد في النوم :


                                                          بارز ناجذاه ، قد برد المو     ت على مصطلاه أي برود !



                                                          قال أبو الهيثم : برد الموت على مصطلاه أي ثبت عليه . وبرد لي عليه من الحق كذا أي ثبت . ومصطلاه : يداه ورجلاه ووجهه وكل ما برز منه فبرد عند موته وصار حر الروح منه باردا ; فاصطلى النار ليسخنه . وناجذاه : السنان اللتان تليان النابين . وقولهم : ضرب حتى برد معناه حتى مات . وأما قولهم : لم يبرد منه شيء فالمعنى لم يستقر ولم يثبت ; وأنشد :


                                                          اليوم يوم بارد سمومه



                                                          قال : وأصله من النوم والقرار . ويقال : برد أي نام ; وقول الشاعر أنشده ابن الأعرابي :


                                                          أحب أم خالد وخالدا     حبا سخاخين ، وحبا باردا



                                                          قال : سخاخين حب يؤذيني ، وحبا باردا يسكن إليه قلبي . وسموم بارد أي ثابت لا يزول ; وأنشد أبو عبيدة :


                                                          اليوم يوم بارد سمومه     من جزع اليوم فلا تلومه



                                                          وبرد الرجل يبرد بردا : مات ، وهو صحيح في الاشتقاق ; لأنه عدم حرارة الروح ; وفي حديث عمر : فهبره بالسيف حتى برد أي مات . وبرد السيف : نبا . وبرد يبرد بردا : ضعف وفتر عن هزال أو مرض . وأبرده الشيء : فتره وأضعفه ; وأنشد ابن الأعرابي :


                                                          الأسودان أبردا عظامي     الماء والفث ذوا أسقامي



                                                          ابن بزرج : البراد ضعف القوائم من جوع أو إعياء ، يقال : به براد . وقد برد فلان إذا ضعفت قوائمه . والبرد : تبريد العين . والبرود : كحل يبرد العين : والبرود : كل ما بردت به شيئا نحو برود العين وهو الكحل . وبرد عينه ، مخففا ، بالكحل وبالبرود يبردها بردا : كحلها به وسكن ألمها ; وبردت عينه كذلك ، اسم الكحل البرود ، والبرود كحل تبرد به العين من الحر ; وفي حديث الأسود : أنه كان يكتحل بالبرود وهو محرم ; البرود ، بالفتح ، : كحل فيه أشياء باردة . وكل ما برد به شيء : برود . وبرد عليه حق : وجب ولزم . وبرد لي عليه كذا وكذا أي ثبت . ويقال : ما برد لك على فلان ، وكذلك ما ذاب لك عليه أي ما ثبت ووجب . ولي عليه ألف بارد أي ثابت ; قال :


                                                          اليوم يوم بارد سمومه     من عجز اليوم فلا تلومه



                                                          أي حره ثابت ; وقال أوس بن حجر :


                                                          أتاني ابن عبد الله قرط أخصه     وكان ابن عم ، نصحه لي بارد



                                                          وبرد في أيديهم سلما لا يفدى ولا يطلق ولا يطلب . وإن أصحابك لا يبالون ما بردوا عليك أي أثبتوا عليك . وفي حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها : " لا تبردي عنه " أي لا تخففي . يقال : لا تبرد عن فلان معناه إن ظلمك فلا تشتمه فتنقص من إثمه ، وفي الحديث : لا تبردوا [ ص: 56 ] عن الظالم أي لا تشتموه وتدعوا عليه فتخففوا عنه من عقوبة ذنبه . والبريد : فرسخان ، وقيل : ما بين كل منزلين بريد . والبريد : الرسل على دواب البريد ، والجمع برد . وبرد بريدا : أرسله . وفي الحديث : أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا أبردتم إلي بريدا فاجعلوه حسن الوجه حسن الاسم ; البريد : الرسول وإبراده إرساله ; قال الراجز :


                                                          رأيت للموت بريدا مبردا



                                                          وقال بعض العرب : الحمى بريد الموت ; أراد أنها رسول الموت تنذر به . وسكك البريد : كل سكة منها اثنا عشر ميلا . وفي الحديث : لا تقصر الصلاة في أقل من أربعة برد ، وهي ستة عشر فرسخا ، والفرسخ ثلاثة أميال ، والميل أربعة آلاف ذراع ، والسفر الذي يجوز فيه القصر أربعة برد ، وهي ثمانية وأربعون ميلا بالأميال الهاشمية التي في طريق مكة ; وقيل لدابة البريد : بريد ، لسيره في البريد ; قال الشاعر :


                                                          إني أنص العيس حتى كأنني     عليها بأجواز الفلاة ، بريدا



                                                          وقال ابن الأعرابي : كل ما بين المنزلتين فهو بريد . وفي الحديث : لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد ; أي لا أحبس الرسل الواردين علي ; قال الزمخشري : البرد ، ساكنا ، يعني جمع بريد وهو الرسول فيخفف عن برد كرسل ورسل ، وإنما خففه هاهنا ليزاوج العهد . قال : والبريد كلمة فارسية يراد بها في الأصل البغل ، وأصلها : " بريده دم " أي محذوف الذنب لأن بغال البريد كانت محذوفة الأذناب كالعلامة لها فأعربت وخففت ، ثم سمي الرسول الذي يركبه بريدا ، والمسافة التي بين السكتين بريدا ، والسكة موضع كان يسكنه الفيوج المرتبون من بيت أو قبة أو رباط ، وكان يرتب في كل سكة بغال ، وبعد ما بين السكتين فرسخان ، وقيل أربعة . الجوهري : البريد المرتب يقال حمل فلان على البريد ; وقال امرؤ القيس :


                                                          على كل مقصوص الذنابى معاود     بريد السرى بالليل ، من خيل بربرا



                                                          وقال مزرد أخو الشماخ بن ضرار يمدح عرابة الأوسي :


                                                          فدتك عراب اليوم أمي وخالتي     وناقتي الناجي إليك بريدها



                                                          أي سيرها في البريد . وصاحب البريد قد أبرد إلى الأمير ، فهو مبرد . والرسول بريد ; ويقال للفرانق البريد ; لأنه ينذر قدام الأسد . والبرد من الثياب ، قال ابن سيده : البرد ثوب فيه خطوط وخص بعضهم به الوشي ، والجمع أبراد وأبرد وبرود . والبردة : كساء يلتحف به ، وقيل : إذا جعل الصوف شقة وله هدب ، فهي بردة ; وفي حديث ابن عمر : أنه كان عليه يوم الفتح بردة فلوت قصيرة ; قال شمر : رأيت أعرابيا بخزيمية وعليه شبه منديل من صوف قد اتزر به فقلت : ما تسميه ؟ قال : بردة ; قال الأزهري : وجمعها برد ، وهي الشملة المخططة . قال الليث : البرد معروف من برود العصب والوشي ، قال : وأما البردة فكساء مربع أسود فيه صغر تلبسه الأعراب ; وأما قول يزيد بن مفرغ الحميري :


                                                          وشريت بردا ليتني     من قبل برد ، كنت هامه



                                                          فهو اسم عبد . وشريت أي بعت . وقولهم : هما في بردة أخماس فسره ابن الأعرابي فقال : معناه أنهما يفعلان فعلا واحدا فيشتبهان كأنهما في بردة ، والجمع برد على غير ذلك ; قال أبو ذؤيب :


                                                          فسمعت نبأة منه فآسدها     كأنهن ، لدى إنسائه ، البرد



                                                          يريد أن الكلاب انبسطن خلف الثور مثل البرد ; وقول يزيد بن المفرغ :


                                                          معاذ الله ربا أن ترانا     طوال الداهر ، نشتمل البرادا



                                                          قال ابن سيده : يحتمل أن يكون جمع بردة كبرمة وبرام ، وأن يكون جمع برد كقرط وقراط . وثوب برود : ليس فيه زئبر . وثوب برود إذا لم يكن دفيئا ولا لينا من الثياب . وثوب أبرد : فيه لمع سواد وبياض ، يمانية . وبردا الجراد والجندب : جناحاه ; قال ذو الرمة :


                                                          كأن رجليه رجلا مقطف عجل     إذا تجاوب من برديه ترنيم



                                                          وقال الكميت يهجو بارقا :


                                                          تنفض بردي أم عوف ، ولم يطر     لنا بارق ، بخ للوعيد وللرهب



                                                          وأم عوف : كنية الجراد . وهي لك بردة نفسها أي خالصة . وقال أبو عبيد : هي لك بردة نفسها أي خالصا فلم يؤنث خالصا . وهي إبردة يميني ; وقال أبو عبيد : هو لي بردة يميني إذا كان لك معلوما . وبرد الحديد بالمبرد ونحوه من الجواهر يبرده : سحله . والبرادة : السحالة ; وفي الصحاح : والبرادة ما سقط منه . والمبرد : ما برد به ، وهو السوهان بالفارسية . والبرد : النحت ; يقال : بردت الخشبة بالمبرد أبردها بردا إذا نحتها . والبردي ، بالضم : من جيد التمر يشبه البرني ; عن أبي حنيفة . وقيل : البردي ضرب من تمر الحجاز جيد معروف ; وفي الحديث : أنه أمر أن يؤخذ البردي في الصدقة ، وهو بالضم ، نوع من جيد التمر . والبردي ، بالفتح : نبت معروف واحدته بردية ; قال الأعشى :


                                                          كبردية الغيل وسط الغري     ف ، ساق الرصاف إليه غديرا



                                                          وفي المحكم :


                                                          كبردية الغيل وسط الغري     ف ، قد خالط الماء منها السريرا



                                                          وقال في المحكم : السرير ساق البردي ، وقيل : قطنه ; وذكر ابن بري عجز هذا البيت :


                                                          إذا خالط الماء منها السرورا



                                                          وفسره فقال : الغيل ، بكسر الغين ، الغيضة ، وهو مغيض ماء يجتمع [ ص: 57 ] فينبت فيه الشجر . والغريف : نبت معروف . قال : والسرور جمع سر ، وهو باطن البردية . والأبارد : النمور ، واحدها أبرد ; يقال للنمر الأنثى : أبرد والخيثمة . وبردى : نهر بدمشق ; قال حسان :


                                                          يسقون من ورد البريص عليهم     بردى ، تصفق بالرحيق السلسل



                                                          أي ماء بردى . والبردان ، بالتحريك : موضع ; قال ابن ميادة :


                                                          ظلت بنهي البردان تغتسل     تشرب منه نهلات وتعل



                                                          وبرديا : موضع أيضا ، وقيل : نهر ، وقيل : هو نهر دمشق والأعرف أنه بردى كما تقدم . والأبيرد : لقب شاعر من بني يربوع ; الجوهري : وقال الشاعر :


                                                          بالمرهفات البوارد



                                                          قال : يعني السيوف وهي القواتل ; قال ابن بري صدر البيت :


                                                          وأن أمير المؤمنين أغصني     مغصهما بالمرهفات البوارد



                                                          رأيت بخط الشيخ قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان في كتاب ابن بري ما صورته : قال : هذا البيت من جملة أبيات للعتابي كلثوم بن عمرو يخاطب بها زوجته ; قال وصوابه :


                                                          وأن أمير المؤمنين أغصني     مغصهما بالمشرقات البوارد



                                                          قال : وإنما وقع الشيخ في هذا التحريف لاتباعه الجوهري ; لأنه كذا ذكره في الصحاح فقلده في ذلك ، ولم يعرف بقية الأبيات ولا لمن هي فلهذا وقع في السهو . قال محمد بن المكرم : القاضي شمس الدين بن خلكان - رحمه الله - من الأدب حيث هو ، وقد انتقد على الشيخ أبي محمد بن بري هذا النقد ، وخطأه في اتباعه الجوهري ، ونسبه إلى الجهل ببقية الأبيات ، والأبيات مشهورة والمعروف منها هو ما ذكره الجوهري وأبو محمد بن بري وغيرهما من العلماء ، وهذه الأبيات سبب عملها أن العتابي لما عمل قصيدته التي أولها :


                                                          ماذا شجاك بحوارين من طلل     ودمنة ، كشفت عنها الأعاصير ؟



                                                          بلغت الرشيد فقال : لمن هذه ؟ فقيل : لرجل من بني عتاب يقال له : كلثوم ، فقال الرشيد : ما منعه أن يكون ببابنا ؟ فأمر بإشخاصه من رأس عين فوافى الرشيد وعليه قميص غليظ وفروة وخف ، وعلى كتفه ملحفة جافية بغير سراويل ، فأمر الرشيد أن يفرش له حجرة ، ويقام له وظيفة ، فكان الطعام إذا جاءه أخذ منه رقاقة وملحا وخلط الملح بالتراب وأكله ، وإذا كان وقت النوم نام على الأرض والخدم يفتقدونه ويعجبون من فعله ، وأخبر الرشيد بأمره فطرده ، فمضى إلى رأس عين وكان تحته امرأة من باهلة فلامته ، وقالت : هذا منصور النمري قد أخذ الأموال فحلى نساءه وبنى داره واشترى ضياعا وأنت كما ترى ; فقال :


                                                          تلوم على ترك الغنى باهلية     زوى الفقر عنها كل طرف وتالد
                                                          رأت حولها النسوان يرفلن في الثرا     مقلدة أعناقها بالقلائد
                                                          أسرك أني نلت ما نال جعفر     من العيش ، أو ما نال يحيى بن خالد ؟
                                                          وأن أمير المؤمنين أغصني     مغصهما بالمرهفات البوارد ؟
                                                          دعيني تجئني ميتتي مطمئنة     ولم أتجشم هول تلك الموارد
                                                          فإن رفيعات الأمور مشوبة     بمستودعات ، في بطون الأساود



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية