الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في ترك ما تعافه النفس بلا تعنيف ولا عيب : وما عفته فاتركه غير معنف ولا عائب رزقا وبالشارع اقتد ( وما ) أي طعام ( عفته ) أي كرهته ، يقال عاف الطعام أو الشراب ، وقد يقال في غيرهما يعافه إذا كرهه ( فاتركه ) ولا تلزم نفسك أكله ولا [ ص: 136 ] تكلفها تناوله ، فإن الطبيعة إنما تختار ما يصلحها وتعاف ما يفسدها غالبا حال كونك ( غير معنف ) أي موبخ ومقرع .

وفي الحديث { إذا زنت أمة أحدكم فليحدها ولا يعنفها } قال في النهاية : التعنيف التوبيخ والتقريع واللوم يقال أعنفته وعنفته . أراد الناظم أنك إذا عفت شيئا فاترك أكله ولكن لا تعنف من أكله فرب شيء يعافه قوم دون آخرين هذا إذا لم يعلم تحريمه وإلا بأن كان تحريمه مجمعا عليه ، أو كان فيه خلاف ، والذي يأكله يعتقد حرمته عنف ووبخ على ذلك وأنكر عليه ; لأنه من إنكار المنكر ، فمن عاف شيئا غير محرم لم يلزمه تناوله وليس له الإنكار على متناوله { .

وقد امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من أكل الضب
} كما في الصحيحين { عن ابن عباس رضي الله عنهما فقيل له : أحرام هو ؟ قال : لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه } رواه الشيخان وفي سنن أبي داود { لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم الضبين المشويين بزق فقال خالد : يا رسول الله أراك تقذرته } وذكر تمام الحديث .

وفي رواية لمسلم { لا آكله ولا أحرمه كلوه ، فإنه حلال ولكنه ليس من طعامي } ومن ثم انعقد الإجماع على حل الضب ( ولا ) أي وغير ( عائب رزقا ) ساقه الله إليك ورزقك إياه ( وبالشارع ) المقتفى ، والمبين المصطفى صلى الله عليه وسلم ( اقتد ) في سائر أقوالك وأفعالك ، فإن ذلك أسلم لك وأقوى لك ، فإنه عليه السلام ما عاب طعاما قط . فقد روى الخمسة ، والحارث بن أبي أسامة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال { ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط إن اشتهاه أكله وإلا سكت } ، والحاكم عن عائشة مثله إلا أنها قالت إن اشتهاه أكله وإلا تركه " .

وروى الترمذي في الشمائل عن هند بن أبي هالة رضي الله عنه قال { : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يذم ذواقا ولا يمدحه أي كان لا يصف الطعام بطيب ، أو فساد إن كان فيه } . قال في الهدي النبوي للإمام المحقق : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرد موجودا ولا يتكلف مفقودا ، وما قرب إليه شيء من الطعام إلا أكله إلا أن تعافه نفسه فيتركه من غير تحريم ، وما عاب طعاما قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه صلى الله عليه وسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية