الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4678 (14) باب من استطال حقوق الناس اقتص من حسناته يوم القيامة

                                                                                              [ 2490 ] عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أتدرون ما المفلس؟" قالوا: المفلس فينا من لا درهم له، ولا متاع! فقال: "إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار" .

                                                                                              رواه أحمد (2 \ 303) ومسلم (2581)، والترمذي (2418).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              (قوله : " أتدرون ما المفلس ؟ ") كذا صحت الرواية بـ (ما) فقد وقعت هنا على من يعقل ، وأصلها لما لا يعقل . والمفلس : اسم فاعل من أفلس : إذا صار مفلسا ، أي : افتقر ، وكأنه صارت دراهمه فلوسا ، كما يقال : أجبن الرجل : إذا صار أصحابه جبناء ، وأقطف : إذا صارت دابته قطوفا ، ويجوز أن يراد به : إنه صار الرجل يقال فيه : ليس معه فلس ، كما يقال : أقهر الرجل : إذا صار إلى حال يقهر عليها ، وأذل الرجل : إذا صار إلى حال يذل فيها ، وقد فلسه القاضي تفليسا : نادى عليه : أنه أفلس .

                                                                                              و (قوله : " المفلس هو الذي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة . . . الحديث ") أي : هذا أحق باسم المفلس ؛ إذ تؤخذ منه أعماله التي تعب في تصحيحها بشروطها ، حتى قبلت منه ، فلما كان وقت فقره إليها أخذت منه ، ثم طرح في النار . فلا إفلاس أعظم من هذا ، ولا أخسر صفقة ممن هذه حاله ، ففيه ما يدل على وجوب السعي في التخلص من حقوق الناس في الدنيا بكل ممكن ، والاجتهاد في ذلك ، فإن لم يجد إلى ذلك سبيلا ، فالإكثار من الأعمال الصالحة ، فلعله بعد أخذ ما عليه تبقى له بقية راجحة ، والمرجو من كرم الكريم لمن صحت في الأداء نيته ، وعجزت عن ذلك قدرته أن يرضي الله عنه خصومه ، فيغفر للمطالب والمطلوب ، ويوصلهم إلى أفضل محبوب ، وقد تقدم ذكر من قال : إن الصوم لا يؤخذ مما عليه من الحقوق ، وبينا ما يرد عليه ، وبماذا ينفصل عنه .




                                                                                              الخدمات العلمية