الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4682 (15) باب النهي عن دعوى الجاهلية

                                                                                              [ 2492 ] عن جابر قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة، فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال الأنصاري: يا للأنصار! وقال المهاجري: يا للمهاجرين ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما بال دعوى الجاهلية؟" قال : قالوا: يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال: "دعوها فإنها منتنة"، فسمعها عبد الله بن أبي، فقال: قد فعلوها والله ! لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. قال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال: "دعه، لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه" .

                                                                                              رواه أحمد ( 3 \ 338 )، والبخاري (3518)، ومسلم (2584) (63)، والترمذي (3315)، والنسائي في الكبرى (8863).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قوله صلى الله عليه وسلم لعمر حين قال : دعني أضرب عنق هذا المنافق : " لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه " ) دليل على : أن المنافقين الذين علم نفاقهم في [ ص: 562 ] عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا مستحقين للقتل ، لكن امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ؛ لئلا يكون قتلهم منفرا لغيرهم عن الدخول في الإسلام ، لأن العرب كانوا أهل أنفة وكبر بحيث لو قتل النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء المنافقين لنفر من بعد عنهم ، فيمتنع من الدخول في الدين ، وقالوا : هو يقتل أصحابه ، ولغضب من قرب من هؤلاء المنافقين ، فتهيج الحروب وتكثر الفتن ، ويمتنع من الدخول في الدين ، وهو نقيض المقصود ، فعفا النبي صلى الله عليه وسلم عنهم ، ورفق بهم ، وصبر على جفائهم وأذاهم ، وأحسن إليهم حتى انشرح صدر من أراد الله هدايته ، فرسخ في قلبه الإيمان ، وتبين له الحق اليقين .

                                                                                              وهلك عن بينة من أراد الله هلاكه ، وكان من الخاسرين . ثم أقام النبي صلى الله عليه وسلم مستصحبا لذلك إلى أن توفاه الله تعالى ، فذهب النفاق وحكمه ، لأنه ارتفع مسماه واسمه . ولذلك قال مالك : النفاق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الزندقة عندنا اليوم ، ويظهر من مذهبه : أن ذلك الحكم منسوخ بقوله تعالى : لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض إلى قوله تعالى : وقتلوا تقتيلا [الأحزاب: 60 - 61] وبقوله : جاهد الكفار والمنافقين [التوبة: 73] فقد سوى بينهما في الأمر بالجهاد ، وجهاد الكفار : قتالهم وقتلهم ، فليكن جهاد المنافقين كذلك .

                                                                                              وفي الآيتين مباحث ليس هذا موضعها ، وقد ذهب غير واحد من أئمتنا إلى أن المنافقين يعفى عنهم ما لم يظهروا نفاقهم ؛ فإن أظهروه قتلوا ، وهذا أيضا يخالف ما جرى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فإن منهم من أظهر نفاقه ، واشتهر عنه حتى عرف به ، والله أعلم بنفاقه ، ومع ذلك لم يقتلوا لما ذكرناه ، والله تعالى أعلم .

                                                                                              [ ص: 563 ] وقد وضح من هذا الحديث إبطال قول من قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل المنافقين ، لأنه لم تقم بينة معتبرة بنفاقهم ؛ إذ قد نص فيه على المانع من ذلك ، وهو غير ما قالوه . وفيه ما يدل على أن أهون الشرين يجوز العمل على مقتضاه إذا اندفع به الشر الأعظم . وفيه دليل على القول بصحة الذرائع ، وعلى تعليل نفي الأحكام في بعض الصور بمناسب لذلك النفي .




                                                                                              الخدمات العلمية