الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ برز ]

                                                          برز : البراز ، بالفتح : المكان الفضاء من الأرض البعيد الواسع ، وإذا خرج الإنسان إلى ذلك الموضع قيل : قد برز يبرز بروزا ، أي خرج إلى البراز . والبراز ، بالفتح أيضا : الموضع الذي ليس به خمر من شجر ولا غيره . وفي الحديث : كان إذا أراد البراز أبعد ; البراز ، بالفتح : اسم للفضاء الواسع فكنوا به عن قضاء الغائط كما كنوا عنه بالخلاء ; لأنهم كانوا يتبرزون في الأمكنة الخالية من الناس . قال الخطابي : المحدثون يروونه بالكسر ، وهو خطأ لأنه بالكسر مصدر من المبارزة في الحرب . وقال الجوهري بخلافه : وهذا لفظه البراز المبارزة في الحرب ، والبراز أيضا كناية عن ثفل الغذاء ، وهو الغائط ، ثم قال : والبراز ، بالفتح ، الفضاء الواسع . وتبرز الرجل : خرج إلى البراز للحاجة ، وقد تكرر المكسور في الحديث : ومن المفتوح حديث علي - كرم الله وجهه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا يغتسل بالبراز ، يريد الموضع المنكشف بغير سترة . والمبرز : المتوضأ . وبرز إليه وأبرزه غيره وأبرز الكتاب : أخرجه ، فهو مبروز . وأبرزه : نشره ، فهو مبرز ، ومبروز شاذ على قياس جاء على حذف الزائد ; قال لبيد :


                                                          أو مذهب جدد على ألواحه ألناطق المبروز والمختوم



                                                          قال ابن جني : أراد المبروز به ثم حذف حرف الجر فارتفع الضمير واستتر في اسم المفعول به ; وعليه قول الآخر :


                                                          إلى غير موثوق من الأرض يذهب



                                                          أراد : موثوق به ; وأنشد بعضهم المبرز على احتمال الخزل في متفاعلن ; قال أبو حاتم في قول لبيد إنما هو :


                                                          ألناطق المبرز والمختوم



                                                          مزاحف فغيره الرواة فرارا من الزحاف . الصحاح : ألناطق بقطع الألف وإن كان وصلا ، قال : وذلك جائز في ابتداء الأنصاف لأن التقدير الوقف على النصف من الصدر ، قل : وأنكر أبو حاتم المبروز قال : ولعله المزبور وهو المكتوب ; وقال لبيد أيضا في كلمة له أخرى :


                                                          كما لاح عنوان مبروزة     يلوح مع الكف عنوانها



                                                          قال : فهذا يدل على أنه لغته ، قال : والرواة كلهم على هذا ، قال : فلا معنى لإنكار من أنكره ، وقد أعطوه كتابا مبروزا ، وهو المنشور . قال الفراء : وإنما أجازوا المبروز وهو من أبرزت لأن يبرز لفظه واحد من الفعلين . وكل ما ظهر بعد خفاء ، فقد برز . وبرز الرجل : فاق على أصحابه ، وكذلك الفرس إذا سبق . وبارز القرن مبارزة وبرازا : برز إليه ، وهما يتبارزان . وامرأة برزة : بارزة المحاسن . قال ابن الأعرابي : قال الزبيري : البرزة من النساء التي ليست بالمتزايلة التي تزايلك بوجهها تستره عنك وتنكب إلى الأرض ، والمخرمقة التي لا تتكلم إن كلمت ، وقيل : امرأة برزة متجالة تبرز للقوم يجلسون إليها ويتحدثون عنها . وفي حديث أم معبد : وكانت امرأة برزة تختبئ بفناء قبتها ; أبو عبيدة : البرزة من النساء الجليلة التي تظهر للناس ويجلس إليها القوم . وامرأة برزة : [ ص: 61 ] موثوق برأيها وعفافها . ويقال : امرأة برزة إذا كانت كهلة لا تحتجب احتجاب الشواب ، وهي مع ذلك عفيفة عاقلة تجلس للناس وتحدثهم ، من البروز : وهو الظهور والخروج . ورجل برز : ظاهر الخلق عفيف ; قال العجاج :


                                                          برز وذو العفافة البرزي



                                                          وقال غيره : برز أراد أنه متكشف الشأن ظاهر . ورجل برز وامرأة برزة : يوصفان بالجهارة والعقل ; وأما قول جرير :


                                                          خل الطريق لمن يبني المنار به     وابرز ببرزة حيث اضطرك القدر



                                                          فهو اسم أم عمر بن لجاء التيمي . ورجل برز وبرزي : موثوق بفضله ورأيه ، وقد برز برازة . وبرز الفرس على الخيل : سبقها ، وقيل : كل سابق مبرز . وبرزه فرسه : نجاه ; قال رؤبة :


                                                          لو لم يبرزه جواد مرأس



                                                          وإذا تسابقت الخيل قيل لسابقها : قد برز عليها ، وإذا قيل : برز ، مخفف ، فمعناه ظهر بعد الخفاء ، وإنما قيل في التغوط تبرز فلان كناية أي خرج إلى براز من الأرض للحاجة . والمبارزة في الحرب والبراز من هذا أخذ ، وقد تبارز القرنان . وأبرز الرجل إذا عزم على السفر ، وبرز إذا ظهر بعد خمول ، وبرز إذا خرج إلى البراز ، وهو الغائط ، وقوله تعالى : وترى الأرض بارزة ; أي ظاهرة بلا جبل ولا تل ولا رمل .

                                                          وذهب إبريز : خالص ; عربي ; قال ابن جني : هو إفعيل من برز . وفي الحديث : ومنه ما يخرج كالذهب الإبريز أي الخالص ، وهو الإبرزي أيضا ، والهمزة والياء زائدتان . ابن الأعرابي : الإبريز الحلي الصافي من الذهب . وقد أبرز الرجل إذا اتخذ الإبريز وهو الإبرزي ; قال النابغة :


                                                          مزينة بالإبرزي وجشوها     رضيع الندى ، والمرشفات الحواضن



                                                          وروى أبو أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن الله ليجرب أحدكم بالبلاء كما يجرب أحدكم ذهبه بالنار ، فمنه ما يخرج كالذهب الإبريز ، فذلك الذي نجاه الله من السيئات ، ومنهم من يخرج من الذهب دون ذلك وهو الذي يشك بعض الناس ، ومنهم من يخرج كالذهب الأسود وذلك الذي أفتن " ; قال شمر : الإبريز من الذهب الخالص وهو الإبرزي والعقيان والعسجد . النهاية لابن الأثير : في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه : " لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما ينتعلون الشعر وهم البازر " ; قيل : بازر ناحية قريبة من كرمان بها جبال ، وفي بعض الروايات هم الأكراد ، فإن كان من هذا فكأنه أراد أهل البازر أو يكون سموا باسم بلادهم ، قال : هكذا أخرجه أبو موسى في حرف الباء والزاي من كتابه وشرحه ، قال : والذي رويناه في كتاب البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " بين يدي الساعة تقاتلون قوما نعالهم الشعر وهو هذا البازر " ; وقال سفيان مرة : هم أهل البارز ، يعني بأهل البارز أهل فارس ، هكذا هو بلغتهم وهكذا جاء في لفظ الحديث كأنه أبدل السين زايا ، فيكون من باب الباء والراء وهو هذا الباب لا من باب الباء والزاي ; قال : وقد اختلف في فتح الراء وكسرها وكذلك اختلف مع تقديم الزاي ، وقد ذكر أيضا في موضعه متقدما ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية