الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 93 ] الفرق الثاني والسبعون بين قاعدة الاستثناء من النفي إثبات في غير الأيمان وبين قاعدة الاستثناء من النفي ليس بإثبات في الأيمان ) اعلم أن مذهب مالك رحمه الله أن الاستثناء من النفي إثبات في غير الأيمان هذه قاعدته في الأقارير وقاعدته في الأيمان أن الاستثناء من النفي ليس بإثبات وعند الشافعي في ذلك قولان فمنهم من طرد أن الجميع إثبات في الأيمان وغيرها ومنهم من وافقنا ويظهر ذلك بذكر ثلاث مسائل .

( المسألة الأولى ) إذا حلف لا يلبس ثوبا إلا كتانا في هذا اليوم وقعد عريانا فالكتان قد استثني من النفي السابق فيكون إثباتا فيكون كلامه جملتين جملة سلبية وجملة ثبوتية بعد الاستثناء وقبله وقد دخل القسم عليهما فيحنث إذا قعد عريانا نحنثه في الجملة الثبوتية ويكون قد حلف أن لا يلبس غير الكتان وليلبس الكتان وما لبس الكتان فيحنث هذا هو مقتضى قاعدة اللغة من جهة أن الاستثناء من النفي إثبات والشافعية مشوا على ذلك على أحد القولين فحنثوه ، ووافقونا في القول الآخر فلم يحنثوه لنا وجوه الأول أن إلا تستعمل للإخراج وتستعمل صفة ومنه قوله تعالى { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } معناه لو كان فيهما آلهة غير الله لفسدتا ولو أراد الاستثناء به لنصب فقال إلا الله لأنه استثناء من موجب وهي في العرف قد جعلوها في الأيمان بمعنى غير فلا يفهم من قول القائل والله لا لبست ثوبا إلا الكتان أنه حلف على لبس الكتان بل يفهم لا لبست ثوبا غير الكتان وأن غير الكتان هو المحلوف عليه أما الكتان فلا يفهم أهل العرف ذلك فيه وإذا كان الكتان غير محلوف عليه لم يحنث إذا قعد عريانا الثاني سلمنا أن أهل العرف لم ينقلوها لمعنى غير وسوى ولكن القسم يحتاج في جوابه إلى جملة واحدة وقد أجمعنا على أن جوابه حصل بقوله لا لبست ثوبا وإنه لو سكت هنالك كان كلاما عربيا والأصل عدم تعلقه بالجملة الثانية التي بعد إلا وإذا لم يتعلق بها القسم كان لبس الكتان غير محلوف عليه فلا يحنث إذا جلس عريانا وهو المطلوب الثالث سلمنا أنه تناول الجملتين لكن الاستثناء في هذه الصور عندنا من إثبات فيكون نفيا بيان أن معنى الكلام أن جميع الثياب محلوف عليها إلا الكتان فكأنه قال أحلف على عدم لبس كل ثوب إلا الكتان فلا أحلف عليه لأن استثناءه من الحلف الذي هو ثبوتي وإذا كان الكتان غير مقسم عليه لا يحنث بتركه وهو المطلوب فهذه الوجوه هي الفروق بين قاعدة الاستثناء من النفي إثبات في غير الأيمان وبين قاعدة الاستثناء في الأيمان .

التالي السابق


حاشية ابن حسين المكي المالكي

( الفرق الثاني والسبعون بين قاعدة الاستثناء من النفي إثبات في غير الأيمان وبين قاعدة الاستثناء من النفي ليس بإثبات في الأيمان ) مذهب بعض الشافعية أنه لا فرق بين هاتين القاعدتين جريا على القاعدة الأصولية أن الاستثناء من النفي إثبات كما أنه من الإثبات نفي مذهب بعض الشافعية أنه لا فرق بين هاتين القاعدتين جريا على القاعدة الأصولية أن الاستثناء من النفي إثبات كما أنه من الإثبات نفي في الأيمان وغيرها ومذهب مالك رحمه الله تعالى وبعض الشافعية أن قاعدة أن الاستثناء من النفي إثبات إنما هي في غير الأيمان كالأقارير .

وأما الاستثناء في الأيمان فقاعدته أنه ليس بإثبات لا إثبات أيضا كما في الأصول لوجوه الوجه الأول أن إلا كما تستعمل للإخراج [ ص: 104 ] كذلك تستعمل صفة ومنه قوله تعالى { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } فإنه لم يرد به الاستثناء وإلا لوجب النصب استثناء من موجب بل معناه لو كان فيهما آلهة غير الله لفسدتا والأيمان مبنية على العرف وأهل العرف قد جعلوا إلا في الأيمان بمعنى غير صفة للمستثنى منه لا للإخراج الوجه الثاني سلمنا أن أهل العرف لم ينقلوها عن الإخراج لمعنى غير وسوى وهو الوصفية لكن القسم إنما يحتاج في جوابه إلى جملة واحدة لا إلى جملتين ولذا قد أجمعنا على أن جواب القسم في نحو قول القائل والله لا لبست ثوبا إلا الكتان على أن جوابه حصل بقوله لا لبست ثوبا وإنه لو سكت هنالك كان كلاما عربيا والأصل عدم تعلقه بالجملة الثانية التي بعد إلا وإذا لم يتعلق بها القسم كان لبس الكتان غير محلوف عليه فلا يحنث إذا جلس عريانا وهو المطلوب .

الوجه الثالث سلمنا أن القسم تناول الجملتين لكن الاستثناء في هذه الصورة عندنا من الحلف الذي هو ثبوتي فكأنه قال احلف على عدم لبس كل ثوب إلا الكتان ويكون معنى الكلام أن جميع الثياب أحلف عليها إلا الكتان فلا أحلف عليه ضرورة أن الاستثناء من الإثبات نفي وإذا كان الكتان غير مقسم عليه لا يحنث بتركه وهو المطلوب ( وصل ) في زيادة توضيح الخلاف بين المالكية والشافعية في الفرق بين هاتين القاعدتين وعدمه بثلاث مسائل ( المسألة الأولى ) إذا حلف لا يلبس ثوبا إلا كتانا في هذا اليوم وقعد عريانا فإن جعلت إلا لاستثناء الكتان من النفي السابق ويكون قد حلف أن لا يلبس غير الكتان وليلبس الكتان كما هو مقتضى قاعدة اللغة أن الاستثناء من النفي إثبات حنث بقعوده عريانا لأنه لم يلبس الكتان ومشى على هذا بعض الشافعية وإن جعلت إلا لاستثناء الكتان من الحلف الذي هو ثبوتي لا من النفي السابق ويكون قد حلف على عدم لبس كل ثوب إلا الكتان أو جعلت أي إلا لاستثناء الكتان من النفي السابق إلا أن الحلف لم يتعلق بالاستثناء بل بما قبله ويكون قد حلف على عدم لبس كل ثوب فقط أو جعلت أي إلا بمعنى غير عرف صفة للثوب لا للاستثناء أصلا ويكون قد حلف على عدم لبس ثوب غير كتان لم يحنث بقعوده عريانا في الجميع كما مر توضيحه ومشى على هذا المالكية وبعض الشافعية




الخدمات العلمية