الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
سورة الحديد .

بسم الله الرحمن الرحيم .

قال تعالى : ( له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ( 2 ) ) .

قوله تعالى : ( يحيي ) : يجوز أن يكون حالا من الضمير المجرور ، والعامل الاستقرار ؛ وأن يكون مستأنفا .

قال تعالى : ( وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين ( 8 ) ) .

قوله تعالى : ( والرسول يدعوكم ) : الجملة حال من الضمير في " تؤمنون " .

قوله تعالى : ( وقد أخذ ) : بالفتح ؛ أي الله أو الرسول ، وبالضم على ترك التسمية .

قال تعالى : ( وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير ( 10 ) ) .

[ ص: 441 ] قوله تعالى : ( من أنفق ) : في الكلام حذف ؛ تقديره : ومن لم ينفق ، ودل على المحذوف قوله تعالى : " من قبل الفتح " . قوله تعالى : ( وكلا وعد الله الحسنى ) : قد ذكر في النساء .

قال تعالى : ( يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم ( 12 ) ) .

قوله تعالى : ( يوم ترى ) : هو ظرف ليضاعف .

وقيل : التقدير : يؤجرون يوم ترى . وقيل : العامل " يسعى " و " يسعى " : حال .

و ( بين أيديهم ) : ظرف ليسعى ؛ أو حال من النور ، وكذلك ( بأيمانهم ) . وقرئ بكسر الهمزة ؛ والتقدير : بأيمانهم استحقوه ، أو وبأيمانهم يقال : لهم : " بشراكم " .

و ( بشراكم ) : مبتدأ ، و " جنات " خبره ؛ أي دخول جنات .

قال تعالى : ( يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ( 13 ) ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور ( 14 ) ) .

قوله تعالى : ( يوم يقول ) : هو بدل من يوم الأول .

وقيل : التقدير : يفوزون . وقيل : التقدير : اذكر . ( انظرونا ) : انتظرونا . وأنظرونا : أخرونا . و ( وراءكم ) : اسم للفعل ، فيه ضمير فاعل ؛ أي ارجعوا ، ارجعوا ، وليس بظرف لقلة فائدته ؛ لأن الرجوع لا يكون إلا إلى وراء . . . .

والباء في " بسور " زائدة . وقيل : ليست زائدة . قوله تعالى : ( باطنه ) : الجملة صفة لباب ، أو لسور .

و ( ينادونهم ) : حال من الضمير في " بينهم " ، أو مستأنف .

قال تعالى : ( فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير ( 15 ) ) .

[ ص: 442 ] قوله تعالى : ( هي مولاكم ) : قيل : المعنى أولى بكم .

قال تعالى : ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون ( 16 ) ) .

قوله تعالى : ( أن تخشع ) : هو فاعل " يأن " ، واللام للتبيين . و " ما " بمعنى الذي ، وفي " نزل " ضمير يعود عليه ، ولا تكون مصدرية لئلا يبقى الفعل بلا فاعل .

قال تعالى : ( إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم ( 18 ) ) .

قوله تعالى : ( وأقرضوا الله ) : فيه وجهان ؛ أحدهما : هو معترض بين اسم " إن " وخبرها ، وهو " يضاعف لهم " وإنما قيل : ذلك لئلا يعطف الماضي على اسم الفاعل . والثاني : أنه معطوف ؛ لأن الألف واللام بمعنى الذي ؛ أي إن الذين تصدقوا .

قوله تعالى : ( يضاعف لهم ) : الجار والمجرور هو القائم مقام الفاعل ؛ فلا ضمير في الفعل .

وقيل : فيه ضمير ؛ أي يضاعف لهم التصدق ؛ أي أجره .

قال تعالى : ( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم ( 19 ) ) .

قوله تعالى : ( عند ربهم ) : هو ظرف للشهداء ؛ ويجوز أن يكون " أولئك " مبتدأ ، و " هم " مبتدأ ثان ، أو فصل ، و " الصديقون " مبتدأ ، و " الشهداء " معطوف عليه ، و " عند ربهم " : الخبر .

قال تعالى : ( اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ( 20 ) سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ( 21 ) ) .

[ ص: 443 ] قوله تعالى : ( كمثل غيث ) : الكاف في موضع نصب من معنى ما تقدم ؛ أي ثبت لها هذه الصفات مشبهة بغيث .

ويجوز أن يكون في موضع رفع ؛ أي مثلها كمثل غيث .

و ( أعدت ) : صفة لجنات .

قال تعالى : ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها . . . ( 22 ) ) .

قوله تعالى : ( في الأرض ) يجوز أن يتعلق الجار بمصيبة ؛ لأنها مصدر ، وأن يكون صفة لها على اللفظ أو الموضع ؛ ومثله " ولا في أنفسكم " ويجوز أن يتعلق بأصاب .

و ( في كتاب ) : حال ؛ أي إلا مكتوبة . و ( من قبل ) : نعت لكتاب ، أو متعلق به .

قال تعالى : ( لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور ( 22 ) ) .

قوله تعالى : ( لكيلا ) : كي هاهنا هي الناصبة بنفسها ، لأجل دخول اللام عليها ، كأن الناصبة . والله أعلم .

قال تعالى : ( الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد ( 24 ) ) .

قوله تعالى : ( الذين يبخلون ) : هو مثل الذي في النساء .

قال تعالى : ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز ( 25 ) ) .

قوله تعالى : ( فيه بأس ) : الجملة حال من الحديد .

قوله تعالى : ( ورسله ) هو منصوب بينصره ؛ أي وينصر رسله ، ولا يجوز أن يكون معطوفا على " من " لئلا يفصل به بين الجار والمجرور ، وهو قوله : ( بالغيب ) وبين ما يتعلق به ، وهو ينصره .

قال تعالى : ( ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون ( 27 ) ) .

[ ص: 444 ] قوله تعالى : ( ورهبانية ) : هو منصوب بفعل دل عليه " ابتدعوها " لا بالعطف على الرحمة ؛ لأن ما جعله الله تعالى لا يبتدعونه .

وقيل : هو معطوف عليهما ، وابتدعوها نعت له ؛ والمعنى : فرض عليهم لزوم رهبانية ابتدعوها ؛ ولهذا قال تعالى : ( ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله ) .

قال تعالى : ( لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ( 29 ) ) .

قوله تعالى : ( لئلا يعلم ) : لا زائدة ، والمعنى : ليعلم أهل الكتاب عجزهم .

وقيل : ليست زائدة ، والمعنى : لئلا يعلم أهل الكتاب عجز المؤمنين . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية