الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4766 (40) باب من يموت له شيء من الولد فيحتسبهم

                                                                                              [ 2560 ] عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد، فتمسه النار إلا تحلة القسم".

                                                                                              وفي رواية : "لم يبلغوا الحنث إلا تحلة القسم" .

                                                                                              رواه أحمد ( 2 \ 239 )، والبخاري (1251)، ومسلم (2632) (150) و (2634)، والترمذي (1060)، والنسائي ( 4 \ 25 )، وابن ماجه (1603).

                                                                                              [ ص: 638 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 638 ] (40) ومن باب : من يموت له شيء من الولد فيحتسبهم

                                                                                              (قوله : " لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار . . . ") الولد : يقال على الذكر والأنثى بخلاف الابن ، فإنه يقال على الذكر : ابن ، وعلى الأنثى : ابنة ، وقد تقيد مطلق هذه الرواية ، بقوله في الرواية الأخرى : " لم يبلغوا الحنث " كما تقيد مطلق حديث أبي هريرة بحديث أبي النضر السلمي ؛ فإنه قال فيه : " لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فيحتسبهم " . فقوله : " لم يبلغوا الحنث " أي : التكليف . والحنث : الإثم . وإنما خصه بهذا الحد ، لأن الصغير حبه أشد ، والشفقة عليه أعظم ، وقيده بالاحتساب لما قررناه غير مرة : أن الأجور على المصائب لا تحصل إلا بالصبر والاحتساب ، وإنما خص الولد بثلاثة ، لأن الثلاثة أول مراتب الكثرة ، فتعظم المصائب ، فتكثر الأجور ؛ فأما إذا زاد على الثلاثة فقد يخف أمر المصيبة الزائدة لأنها كأنها صارت عادة وديدنا ، كما قال المتنبي :


                                                                                              أنكرت طارقة الحوادث مرة ثم اعترفت بها فصارت ديدنا

                                                                                              وقال آخر :


                                                                                              روعت بالبين حتى ما أراع له وبالمصائب في أهلي وجيراني

                                                                                              ويحتمل أن يقال : إنما لم يذكر ما بعد الثلاثة ، لأنه من باب الأحرى والأولى ؛ إذ من المعلوم أن من كثرت مصائبه كثر ثوابه ، فاكتفي بذلك عن ذكره ، [ ص: 639 ] والله تعالى أعلم .

                                                                                              وقد استشكل بعض الناس قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد إلا كانوا لها حجابا من النار " . ثم لما سئل عن اثنين ، قال : " واثنين " . ووجهه : أنه إذا كان حكم الاثنين حكم الثلاثة ، فلا فائدة لذكر الثلاثة أولا ، وهذا إنما يصدر عمن يعتقد أن دلالة المفهوم نص كدلالة المنطوق ، وليس الأمر كذلك ، بل هي عند القائلين بها من أضعف جهات دلالات الألفاظ ، وسائر وجوه الدلالات مرجحة عليها ، كما بيناه في الأصول ، هذا إن قلنا : إن أسماء الأعداد لها مفهوم ؛ فإنه قد اختلف في ذلك القائلون بالمفهوم ، وألحقوا هذا النوع باللقب الذي لا مفهوم له باتفاق المحققين ، ثم إن الرافع لهذا الإشكال أن يقال : إن الثواب على الأعمال إنما يعلم بالوحي ، فيكون الله تعالى قد أوحى إلى نبيه بذلك في الثلاثة ، ثم إنه لما سئل عن الاثنين أوحى الله إليه في الاثنين بمثل ما أوحى إليه بالثلاثة ، ولو سئل عن الواحد لأجاب بمثل ذلك كما قد دلت عليه الأحاديث المذكورة في ذلك ، ويحتمل أن يقال : إن ذلك بحسب شدة وجد الوالدة ، وقوة صبرها ، فقد لا يبعد أن تكون من فقدت واحدا أو اثنين أشد ممن فقدت ثلاثة أو مساوية لها ، فتلحق بها في درجتها ، والله تعالى أعلم .

                                                                                              و (قوله : " إلا تحلة القسم ") أي : ما يحلل به القسم ، وهو اليمين . وقد اختلف في هذا القسم ، هل هو قسم معين ، أم لا ؟ فالجمهور على أنه قسم بعينه ، فمنهم من قال : هو قوله تعالى : فوربك لنحشرنهم والشياطين [مريم : 68] وقيل : هو قوله : وإن منكم إلا واردها [مريم: 71] وقيل : هو قوله : كان على ربك حتما مقضيا [مريم: 71]، أي : قسما واجبا ؛ كذلك فسره ابن مسعود [ ص: 640 ] والحسن . وأما من قال : لم يعين به قسم بعينه ، فهو ابن قتيبة . قال : معناه : التقليل لأمر ورودها . وتحلة القسم : تستعمل في هذا في كلام العرب ، وقيل : معناه : لا تمسه النار قليلا ، ولا تحلة القسم ، كما قيل في قوله :


                                                                                              وكل أخ مفارقه أخوه لعمر أبيك إلا الفرقدان

                                                                                              أي : والفرقدان ، على أحد الأقوال فيه .

                                                                                              قلت : والأشبه : قول أبي عبيد ، ولبيان وجه ذلك موضع آخر .




                                                                                              الخدمات العلمية