الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 36 ] باب الطلاق في الماضي والمستقبل

قوله ( إذا قال لامرأته : أنت طالق أمس ، أو قبل أن أنكحك ينوي الإيقاع : وقع ) هذا المذهب ، اختاره أبو بكر ، وحكاه القاضي عن الإمام أحمد رحمه الله ، وجزم به في المغني ، والمحرر ، والشرح ، والنظم ، والوجيز ، والمنور ، وغيرهم ، وقدمه في الفروع ، والرعايتين ، والحاوي ، ووقوع الطلاق بقصد وقوعه أمس : من مفردات المذهب ، وجعله القاضي وحفيده كمسألة ما إذا لم ينو إلا نية ، وعنه : يقع إن كانت زوجته أمس ، نقل مهنا : إذا قال " أنت طالق أمس " وإنما تزوجها اليوم ، فليس هذا بشيء ، فمفهومه : أنها إن كانت زوجته بالأمس : طلقت . قوله ( وإن لم ينو : لم يقع ، في ظاهر كلامه ) وهو المذهب ، جزم به في الوجيز وغيره ، وصححه في النظم وغيره ، وقدمه في المحرر ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفروع وغيرهم ، قال ناظم المفردات : عليه الأكثر ، وهو من المفردات ، وقال القاضي : يقع ، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله ، فيلغو ذكر " أمس " ، وحكى عن أبي بكر : لا يقع إذا قال " أنت طالق أمس " ويقع إذا قال " قبل أن أنكحك " ، قال القاضي : رأيته بخط أبي بكر في جزء مفرد ، وحمل القاضي قول أبي بكر رحمه الله على أنه يتزوجها بعد ذلك ثانيا فيبين وقوعه الآن ، [ ص: 37 ] قال المصنف والشارح في تعليل قول أبي بكر لأن " أمس " لا يمكن وقوع الطلاق فيه ، وقبل تزوجها متصور الوجود ، فإنه يمكن أن يتزوجها ثانيا ، وهذا الوقت قبله ، فوقع في الحال ، كما لو قال " أنت طالق قبل قدوم زيد " .

قوله ( فإن قال : أردت أن زوجا قبلي طلقها ، أو طلقتها أنا في نكاح قبل هذا : قبل منه إذا احتمل الصدق في ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله ) أما فيما بينه وبين الله تعالى : فيدين على الصحيح من المذهب ، وعليه الأصحاب ، وجزم به في المغني ، والشرح ، والمحرر ، والوجيز ، وغيرهم ، وقدمه في الفروع ، وغيره ، وعنه : لا يدين فيهما باطنا ، حكاها الحلواني وابن عقيل . وأما في الحكم : فظاهر كلام المصنف هنا : أنه يقبل أيضا ، وهو مقيد بما إذا لم تكذبه قرينة ، من غضب أو سؤالها الطلاق ونحوه ، فلا يقبل قولا واحدا ، وكلام المصنف هو المذهب وإحدى الروايتين ، وجزم به في الوجيز وغيره ، وقدمه في المحرر ، والرعاية الكبرى ، وقال في الرعاية الصغرى : قبل حكما ، إلا أن يعلم من غير جهته ، ولعله سهو أو نقص من الكاتب ، وإنما هذا الشرط على التخريج الآتي ، والرواية الثانية : لا يقبل ، وقال في المحرر : ويتخرج إذا قلنا : تطلق بلا نية : أن لا يقبل منه في الحكم إلا أن يعلم من غير جهته ، وتبعه في الرعاية الكبرى ، وأطلق الروايتين في الفروع وغيره ، وتقدم نظير ذلك في أول " باب صريح الطلاق وكنايته " عند قوله " وإن نوى بقوله " أنت طالق " من وثاق ، أو مطلقة من زوج كان قبلي " ، [ ص: 38 ] وتقدم تحرير ذلك ، فليعاود ، فإن الأصحاب ذكروا أن الحكم فيهما واحد .

تنبيه : ظاهر قوله " قبل منه إذا احتمل الصدق " أي وجوده : أنه يشترط أن يكون قد وجد ذلك منه أو من الزوج الذي قبله ، هذا المذهب ، واختاره القاضي وغيره [ وهو قول أبي الخطاب ، وقدمه في الشرح ] ، قال في المحرر ، والرعاية ، والنظم ، والحاوي ، والوجيز ، وغيرهم : إذا أمكن ، [ قال في الترغيب : هو قياس المذهب ، وقال القاضي : يقبل مطلقا ] وقدمه في الفروع ، [ وهل يشترط أيضا ثبوته عند الحاكم ، أو إن تداعيا عنده ، أو لا مطلقا ، أو يشترط في الحكم دون التدين باطنا ، وهو الأظهر ؟ فيه خلاف ، لكن فرق بين إمكان الصوت ، ولو لم يكن وجد شيء مطلقا ، وبين الوجود نفسه ، سواء اشترط ثبوته في نفس الأمر ، أو عند الحاكم ، للحكم أو التدين مثلا ، فكل من ذلك مسألة مستقلة بنفسها ، خلافا لمن يجعل الخلف لفظيا في ذلك كله ] ، قوله ( فإن مات أو جن أو خرس ، قبل العلم بمراده فهل تطلق ؟ على وجهين ) وأطلقهما في المغني ، والشرح ، والنظم ، والرعايتين ، والحاوي الصغير . أحدهما : لا تطلق ، وهو الصحيح من المذهب ، صححه في التصحيح ، وجزم به في الوجيز . والوجه الثاني : تطلق ، والخلاف هنا مبني على الخلاف المتقدم في اشتراط النية في أصل المسألة ، [ ص: 39 ] فإن قيل : تشترط النية هناك وهو المذهب : لم تطلق هنا ; لأن شرط وقوع الطلاق النية ، ولم يتحقق وجودها ، وإن قيل : لا تشترط النية هنا ، طلقت هناك ، قاله الأصحاب ، منهم المصنف والشارح ، وابن منجا ، وغيرهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية