الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4884 (12) باب

                                                                                              ما يقول عند النوم

                                                                                              وأخذ المضجع وما بعد ذلك

                                                                                              [ 2637 ] عن البراء بن عازب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ، ثم اضطجع على شقك الأيمن ، ثم قل : اللهم إني أسلمت وجهي إليك ، وفوضت أمري إليك ، وألجأت ظهري إليك ، رغبة ورهبة إليك ، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ، آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت ، واجعلهن من آخر كلامك ، فإن مت من ليلتك مت وأنت على الفطرة .

                                                                                              وفي رواية : وإن أصبحت أصبت خيرا .

                                                                                              قال : فرددتهن لأستذكرهن ، فقلت : آمنت برسولك الذي أرسلت ، قال : قل : آمنت بنبيك الذي أرسلت .


                                                                                              رواه أحمد (4 \ 290) ، والبخاري (6311) ، ومسلم (2710) (56 و 58) ، وأبو داود (5047) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ (12) ومن باب : ما يقول عند النوم وأخذ المضجع وما بعد ذلك ]

                                                                                              (قوله : " إذا أخذت مضجعك ، فتوضأ وضوءك للصلاة ، ثم اضطجع على شقك الأيمن ") هذا الأمر على جهة الندب ; لأن النوم وفاة ، وربما يكون موتا ، كما قال تعالى : الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى [ الزمر : 42] ولما كان الموت [ ص: 38 ] كذلك ندب النبي - صلى الله عليه وسلم - النائم إلى أن يستعد للموت بالطهارة ، والاضطجاع على اليمين ، على الهيئة التي يوضع عليها في قبره . وقيل : الحكمة في الاضطجاع على اليمين ، أن يتعلق القلب إلى الجانب الأيمن ، فلا يثقل النوم ، وفيه دليل على : أن النوم على طهارة كاملة أفضل ، ويتأكد الأمر في حق الجنب ، غير أن الشرع قد جعل وضوء الجنب عند النوم بدلا من غسله تخفيفا عنه ، وإلا فذلك الأصل يقتضي : ألا ينام حتى يغتسل . وقد تقدم القول في الأمر في حق الجنب عند النوم والطهارة .

                                                                                              و (قوله : " قل : اللهم إني أسلمت وجهي إليك " ، وفي رواية : " نفسي " بدل : وجهي ") وكلاهما بمعنى : الذات والشخص . فكأنه قال : أسلمت ذاتي وشخصي . وقد قيل : إن معنى الوجه : القصد ، والعمل الصالح ، ولذلك جاء في رواية : " أسلمت نفسي إليك ، ووجهت وجهي إليك " فجمع بينهما ، فدل ذلك على أنهما أمران متغايران كما قلناه . ومعنى أسلمت : سلمت ، واستسلمت ، أي : سلمتها لك ; إذ لا قدرة لي على تدبيرها ، ولا على جلب ما ينفعها ، ولا على دفع ما يضرها ، بل : أمرها إليك مسلم تفعل فيها ما تريد ، واستسلمت لما تفعل فيها ، فلا اعتراض على ما تفعل ، ولا معارضة .

                                                                                              و (قوله : " وفوضت أمري إليك ") أي : توكلت عليك في أمري كله ; لتكفيني همه ، وتتولى إصلاحه .

                                                                                              و (قوله : " وألجأت ظهري إليك ") أي : أسندته إليك لتقويه وتعينه على ما ينفعني ; لأن من استند إلى شيء تقوى به ، واستعان .

                                                                                              و (قوله : " رغبة ورهبة إليك ") أي : طمعا في رفدك وثوابك ، وخوفا منك ومن أليم عقابك .

                                                                                              [ ص: 39 ] و (قوله : " فإن مت مت على الفطرة ") أي : على دين الإسلام ، كما قال في الحديث الآخر : "من كان آخر كلامه : لا إله إلا الله دخل الجنة " .

                                                                                              قلت : هكذا قال الشيوخ في هذا الحديث ، وفيه نظر ; لأنه : إذا كان قائل هذه الكلمات المقتضية للمعاني التي ذكرناها من التوحيد والتسليم ، والرضا إلى أن يموت على الفطرة ، كما يموت من قال : لا إله إلا الله ، ولم يخطر له شيء من تلك الأمور ، فأين فائدة تلك الكلمات العظيمة ، وتلك المقامات الشريفة ؟ فالجواب : أن كلا منهما - وإن مات على فطرة الإسلام - فبين الفطرتين ما بين الحالتين ، ففطرة الطائفة الأولى : فطرة المقربين والصديقين ، وفطرة الثانية : فطرة أصحاب اليمين .

                                                                                              و (قوله : " وإن أصبحت أصبت خيرا ") أي : صلاحا في ذلك وزيادة في أجرك وأعمالك .

                                                                                              و (قوله : قل : آمنت بنبيك الذي أرسلت ") هذا حجة لمن لم يجز نقل الحديث بالمعنى ، وهو الصحيح من مذهب مالك ، وقد ذكرنا الخلاف فيه ، ولا [ ص: 40 ] شك في أن لفظ النبوة من النبأ ، وهو الخبر ، فالنبي في العرف : هو المنبأ من جهة الله تعالى لأمر يقتضي تكليفا ، فإن أمر بتبليغه إلى غيره فهو رسول ، وإلا فهو نبي غير رسول . وعلى هذا فكل رسول نبي ، وليس كل نبي رسولا ; لأن الرسول والنبي قد اشتركا في أمر عام وهو النبأ ، وافترقا في أمر خاص وهو الرسالة ، فإذا قلت : محمد رسول الله ، تضمن ذلك أنه نبي رسول ، فلما اجتمعا في النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يجمع بينهما في اللفظ حتى يفهم من كل واحد منهما من حيث النطق ما وضع له ، وأيضا فليخرج عما يشبه تكرار اللفظ من غير فائدة ; لأنه إذا قال : ورسولك ، فقد فهم منه أنه أرسله ، فإذا قال : الذي أرسلت ، صار كالحشو الذي لا فائدة له ، بخلاف : نبيك الذي أرسلت ، فإنهما لا تكرار فيهما ، لا محققا ولا متوهما . والله تعالى أعلم .




                                                                                              الخدمات العلمية