الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب اجتناب النجاسة

قوله ( وهي الشرط الرابع . فمتى لاقى ببدنه ، أو ثوبه نجاسة ، غير معفو عنها ، أو حملها : لم تصح صلاته ) ، الصحيح من المذهب : أن اجتناب النجاسة في بدن المصلي وسترته وبقعته وهي محل بدنه وثيابه مما لا يعفى عنه : شرط لصحة الصلاة . وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم . وقيل : طهارة محل ثيابه ليست بشرط ، وهو احتمال لابن عقيل ، وعنه : أن اجتناب النجاسة واجب لا شرط . وقدمه في الفائق . وأطلقهما في المستوعب ، وابن تميم [ وذكر ابن عقيل فيمن لاقاها ثوبه إذا سجد احتمالين ، قال المجد : والصحيح البطلان ] في باب شروط الصلاة ويأتي قريبا إذا حمل قارورة فيها نجاسة ، أو آدميا ، أو غيره ، أو مس ثوبا ، أو حائطا نجسا ، أو قابلها ولم يلاقها . [ ص: 484 ] قوله ( وإن طين الأرض النجسة ، أو بسط عليها شيئا طاهرا : صحت صلاته عليها مع الكراهة ) . وهذا المذهب ، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد . قال الشارح : هذا أولى ، وصححه في المذهب ، والناظم . قال ابن منجا في شرحه : هذا المذهب . وجزم به في الوجيز ، والمنور ، والمنتخب ، والإفادات ، وغيرهم . وقدمه في الفروع ، والهداية ، والخلاصة ، والمحرر ، والكافي . والرعايتين ، والحاويين ، وغيرهم . وقيل : لا يصح ، وهو رواية عن أحمد . وأطلقهما في المستوعب ، وابن تميم ، والفائق ، وتجريد العناية . وقال ابن أبي موسى : إن كانت النجاسة المبسوطة عليها رطبة : لم تصح الصلاة ، وإلا صحت الصلاة ، وهو رواية عن أحمد . فعلى المذهب : تصح الصلاة مع الكراهة . وهذا المذهب . وعليه الأصحاب . وعنه تصح من غير كراهة .

تنبيه :

محل هذا الخلاف : إذا كان الحائل صفيقا . فإن كان خفيفا أو مهلهلا لم تصح على الصحيح من المذهب . وحكى ابن منجا في شرحه وجها بالصحة ، وهو بعيد .

فائدة :

حكم الحيوان النجس إذا بسط عليه شيئا طاهرا وصلى عليه حكم الأرض النجسة إذا بسط عليها شيئا طاهرا على الصحيح من المذهب . وقيل : تصح هنا ، وإن لم نصححها هناك . وكذا الحكم لو وضع على حرير يحرم جلوسه عليه شيئا ، وصلى عليه . ذكره أبو المعالي . قال في الفروع : فيتوجه إن صح جاز جلوسه ، وإلا فلا . ولو بسط على الأرض الغصب ثوبا له ، وصلى عليه : لم تصح . ولو كان له علو ، فغصب السفل وصلى في العلو : صحت صلاته . ذكره ابن تميم وغيره . وقال في الرعايتين ، والحاوي الصغير : وإن بسط طاهرا على أرض غصب ، أو بسط على أرضه ما غصبه : بطلت . [ ص: 485 ] قلت : ويتخرج صحتها . زاد في الكبرى ، وقيل : تصح في الثانية فقط . انتهى .

قلت : الذي يظهر إنما يكون هذا القول في المسألة الأولى . وهي ما إذا بسط طاهرا على أرض غصب . وفي الفروع هنا بعض نقص . قوله ( وإن صلى على مكان طاهر من بساط طرفه نجس : صحت صلاته ، إلا أن يكون متعلقا به ، بحيث ينجر معه إذا مشى ) . اعلم أنه إذا صلى على مكان طاهر ، من بساط ونحوه ، وطرفه نجس ، فصلاته صحيحة . وكذا لو كان تحت قدمه حبل مشدود في نجاسة ، وما يصلي عليه طاهر . والصحيح من المذهب : ولو تحرك النجس بحركته ، ما لم يكن متعلقا به . وقال بعض الأصحاب : إذا كان النجس يتحرك بحركته لم تصح صلاته . وأطلقهما ابن تميم ، والرعايتين ، والحاوي الصغير . قال في الفروع : والأول المذهب ، وإن كان متعلقا به بحيث ينجر معه إذا مشى لم تصح صلاته ، مثل أن يكون بيده أو وسطه شيء مشدود في نجس ، أو سفينة صغيرة فيها نجاسة ، أو أمسك بحبل ملقى على نجاسة ونحوه ، وإن كان لا ينجر معه إذا مشى كالسفينة الكبيرة ، والحيوان الكبير الذي لا يقدر على جره إذا استعصى عليه صحت صلاته مطلقا ، على الصحيح من المذهب ، وهو مفهوم كلام المصنف هنا ، واختاره المصنف ، والشارح . وجزم به في الفصول ، والرعايتين ، والحاوي الصغير . وقدمه في الفروع . وذكر القاضي وغيره : إن كان الشد في موضع نجس مما لا يمكن جره معه كالفيل لم يصح ، كحمله ما يلاقيها . وجزم به صاحب التلخيص ، والمحرر ، وغيرهما .

فائدة :

قال في الفروع : وظاهر كلامهم : أن ما لا ينجر تصح الصلاة معه لو انجر . قال : ولعل المراد خلافه ، وهو أولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية