الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها

                                                                                                          24 حدثنا أبو الوليد أحمد بن بكار الدمشقي يقال هو من ولد بسر بن أرطاة صاحب النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا استيقظ أحدكم من الليل فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها مرتين أو ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده وفي الباب عن ابن عمر وجابر وعائشة قال أبو عيسى وهذا حديث حسن صحيح قال الشافعي وأحب لكل من استيقظ من النوم قائلة كانت أو غيرها أن لا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها فإن أدخل يده قبل أن يغسلها كرهت ذلك له ولم يفسد ذلك الماء إذا لم يكن على يده نجاسة وقال أحمد بن حنبل إذا استيقظ من النوم من الليل فأدخل يده في وضوئه قبل أن يغسلها فأعجب إلي أن يهريق الماء وقال إسحق إذا استيقظ من النوم بالليل أو بالنهار فلا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( حدثنا أبو الوليد أحمد بن بكار ) بفتح الموحدة وتشديد الكاف ، هو أحمد بن عبد الرحمن بن بكار بن عبد الملك بن الوليد بن أبي أرطاة ، قال الحافظ : صدوق وتكلم فيه بلا حجة .

                                                                                                          ( من ولد بسر بن أرطاة ) بضم الواو وسكون اللام جمع ولد ، بسر بضم الموحدة وسكون المهملة ويقال له بسر بن أبي أرطاة ، ( قال نا الوليد بن مسلم ) القرشي ، مولاهم ، أبو العباس الدمشقي ، ثقة لكنه كثير التدليس والتسوية ، روى عن ابن عجلان والأوزاعي وغيرهما ، وعنه أحمد وإسحاق وابن المديني وخلق مات سنة 195 خمس وتسعين ومائة .

                                                                                                          ( عن الأوزاعي ) اسمه عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرو الفقيه ثقة جليل ، قال ابن سعد : كان ثقة مأمونا فاضلا خيرا كثير الحديث والعلم والفقه ، قال إسحاق : إذا اجتمع الأوزاعي والثوري ومالك على الأمر فهو سنة . مات سنة 157 سبع وخمسين ومائة .

                                                                                                          ( عن الزهري ) اسمه محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري ، وكنيته أبو بكر [ ص: 90 ] الفقيه الحافظ ، متفق على جلالته وإتقانه وهو من رءوس الطبقة الرابعة ، كذا في التقريب ، ومحمد بن مسلم هذا معروف بالزهري وابن شهاب .

                                                                                                          ( عن سعيد بن المسيب ) ابن حزن أبي وهب بن عمرو القرشي المخزومي أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار من كبار الثانية ، قال ابن المديني : لا أعلم في التابعين أوسع علما منه ، مات بعد التسعين وقد ناهز الثمانين ، كذا في التقريب .

                                                                                                          ( وأبي سلمة ) هو ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني ، أحد الأعلام ، قال عمرو بن علي ليس له اسم ، روى عن أبيه وأسامة بن زيد وأبي أيوب وأبي هريرة وغيرهم ، وعنه ابنه عمر وعروة والأعرج والزهري وغيرهم ، قال ابن سعد كان ثقة فقيها كثير الحديث ، مات سنة 94 أربع وتسعين وكان مولده في بضع وعشرين .

                                                                                                          قوله : ( إذا استيقظ أحدكم من الليل ) كذا في رواية الترمذي وابن ماجه ، وفي رواية الشيخين إذا استيقظ أحدكم من نومه ، وليس في روايتهما من الليل .

                                                                                                          ( فلا يدخل ) من الإدخال ، وفي رواية الشيخين فلا يغمس ( يده في الإناء ) أي في إناء الماء ( حتى يفرغ ) من الإفراغ أي حتى يصب الماء ( عليها ) أي على يده ( مرتين أو ثلاثا ) وفي رواية مسلم وغيره حتى يغسلها ثلاثا ، وفي حديث ابن عمر عند الدارقطني حتى يغسلها ثلاث مرات ( فإنه لا يدري أين باتت يده ) .

                                                                                                          روى النووي عن الشافعي وغيره من العلماء : أن أهل الحجاز كانوا يستنجون بالحجارة وبلادهم حارة فإذا ناموا عرقوا فلا يؤمن أن تطوف يده على موضع النجاسة أو على بثرة أو قملة ، والنهي عن الغمس قبل غسل اليد مجمع عليه ، لكن الجماهير على أنه نهي تنزيه لا تحريم ، فلو غمس لم يفسد الماء ولم يأثم الغامس ، وقال التوربشتي هذا في حق من بات مستنجيا بالأحجار معروريا ، ومن بات على خلاف ذلك ففي أمره سعة ، ويستحب له أيضا غسلها لأن السنة إذا وردت لمعنى لم تكن لتزول بزوال ذلك المعنى . كذا في المرقاة .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن ابن عمر وجابر وعائشة ) أما حديث ابن عمر فأخرجه الدارقطني وقال إسناده حسن ولفظه : إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات فإنه لا يدري أين باتت يده أو أين طافت يده ، وأما حديث جابر فأخرجه ابن ماجه والدارقطني ، وأما حديث عائشة فأخرجه ابن أبي حاتم في العلل وحكى عن أبيه أنه وهم ، كذا في النيل .

                                                                                                          [ ص: 91 ] قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان وغيرهما .

                                                                                                          قوله : ( قال الشافعي وأحب لكل من استيقظ من النوم قائلة كانت أو غيرها أن لا يدخل يده في وضوئه فإن أدخل يده قبل أن يغسلها كرهت ذلك له ولم يفسد ذلك الماء إذا لم يكن على يده نجاسة ) فحمل الشافعي حديث الباب على الاستحباب ، وهو قول الجمهور . قال ابن تيمية في المنتقى : وأكثر العلماء حملوا هذا - يعني حديث الباب - على الاستحباب ، مثل ما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات فإن الشيطان يبيت على خياشيمه متفق عليه . انتهى . قال الشوكاني في النيل : وإنما مثل المصنف محل النزاع بهذا الحديث لأنه قد وقع الاتفاق على عدم وجوب الاستنثار عند الاستيقاظ ولم يذهب إلى وجوبه أحد . انتهى . وقال أحمد بن حنبل إذا استيقظ من الليل فأدخل يده في وضوئه قبل أن يغسلها فأعجب إلى أن يهريق الماء . قال في المرقاة : ذهب الحسن البصري والإمام أحمد في إحدى الروايتين إلى الظاهر وحكما بنجاسة الماء ، كذا نقله الطيبي . قال الشمني عن عروة بن الزبير وأحمد بن حنبل وداود أنه يجب على المستيقظ من نوم الليل غسل اليدين لظاهر الحديث . انتهى ما في المرقاة . وقال النووي في شرح مسلم تحت حديث الباب : فيه النهي عن غمس اليد في الإناء قبل غسلها ، وهذا مجمع عليه لكن الجماهير من العلماء المتقدمين والمتأخرين على أنه نهي تنزيه لا تحريم ، فلو خالف وغمس لم يفسد الماء ولم يأثم الغامس ، وحكى أصحابنا عن الحسن البصري أنه ينجس إن كان قام من نوم الليل ، وحكاه أيضا عن إسحاق بن راهويه ومحمد بن جرير الطبري وهو ضعيف جدا ، فإن الأصل في الماء واليد الطهارة فلا ينجس بالشك ، وقواعد الشرع متظاهرة على هذا . قال : ثم مذهبنا ومذهب المحققين أن هذا الحكم ليس مخصوصا بالقيام من النوم ، بل المعتبر فيه الشك في نجاسة اليد ، فمتى شك في نجاستها كره له غمسها في الإناء قبل غسلها ، سواء قام من نوم الليل أو النهار أو شك في نجاستها من غير نوم ، وهذا مذهب جمهور العلماء وحكي عن أحمد بن حنبل رواية أنه إن قام من نوم الليل كره كراهة تحريم ، وإن قام من نوم النهار كره كراهة تنزيه . ووافقه عليه داود الظاهري اعتمادا على لفظ المبيت في الحديث ، وهذا مذهب ضعيف جدا فإن النبي صلى الله عليه وسلم نبه على العلة بقوله فإنه لا يدري أين باتت يده ، ومعناه أنه لا يأمن النجاسة على يده ، أو هذا عام لوجود [ ص: 92 ] احتمال النجاسة في نوم الليل والنهار وفي اليقظة ، وذكر الليل أولا لكونه الغالب ولم يقتصر عليه خوفا من توهم أنه مخصوص به بل ذكر العلة بعده . انتهى كلام النووي .

                                                                                                          ( وقال إسحاق ) هو ابن راهويه ( إذا استيقظ من النوم بالليل أو النهار فلا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها ) فلم يخص إسحاق بن راهويه الحكم بالاستيقاظ من نوم الليل كما خصه به الإمام أحمد .

                                                                                                          قلت : القول الراجح عندي هو ما ذهب إليه إسحاق والله تعالى أعلم . وأما إذا أدخل يده في الإناء قبل غسلها فهل صار الماء نجسا أم لا فالظاهر أن الماء صار مشكوكا فحكمه حكم الماء المشكوك والله تعالى أعلم .

                                                                                                          واعلم أن الجمهور اعتذروا عن حمل حديث الباب على الوجوب بأعذار لا يطمئن بواحد منها قلبي فمن اطمأن بها قلبه فليقل بما قال به الجمهور .




                                                                                                          الخدمات العلمية