الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
ولم يكن هذا عندهم من جنس مسائل النزاع التي يسوغ فيها الاجتهاد بل ولا كان هذا عندهم من جنس [ ص: 409 ] مسائل أهل البدع المشهورين في الأمة كالخوارج والشيعة والقدرية والمرجئة، بل كان إنكار هذا عندهم أعظم عندهم من هذا كله، وكلامهم في ذلك مشهور متواتر.

ولهذا قال الملقب بإمام الأئمة أبو بكر بن خزيمة فيما رواه عنه الحاكم: من لم يقل إن الله فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه وجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه ثم ألقي على مزبلة؛ لئلا يتأذى بنتن ريحه أهل القبلة ولا أهل الذمة.

[ ص: 410 ] كما روى عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب السنة عن عبد الرحمن بن مهدي الإمام المشهور أنه قال: ليس في أصحاب الأهواء أشر من أصحاب جهم يدورون أن يقولوا إن الله لم يكلم موسى ويدورون أن يقولوا ليس في السماء شيء وأن الله ليس على العرش، أرى أن يستتابوا فإن تابوا وإلا قتلوا [ ص: 411 ] وعن عباد بن العوام الواسطي من طبقة شيوخ الشافعي وأحمد، قال: كلمت بشرا المريسي وأصحاب بشر، فرأيت آخر كلامهم ينتهي إلى أن يقولوا ليس في السماء شيء.

[ ص: 412 ] وروى عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية عن سعيد بن عامر الضبعي من هذه الطبقة وهو إمام البصرة إذ ذاك علما ودينا أنه ذكر عنده الجهمية فقال: هم شر قولا من اليهود والنصارى، قد أجمع اليهود والنصارى وأهل الأديان مع المسلمين أن الله على العرش وهم قالوا ليس عليه شيء..

وروى عبد الله بن أحمد عن سليمان بن حرب الإمام [ ص: 413 ] المشهور، قال: سمعت حماد بن زيد وهو الإمام الكبير المشهور وذكر هؤلاء الجهمية، فقال: إنما يحاولون أن يقولوا: ليس في السماء شيء، وعن عاصم بن علي بن عاصم [ ص: 414 ] شيخ أحمد والبخاري، قال: ناظرت جهميا فتبين من كلامه أنه لا يؤمن أن في السماء ربا، وقال أحمد بن حنبل: ثنا سريح ابن النعمان، سمعت عبد الله بن نافع الصائغ، سمعت مالك [ ص: 415 ] ابن أنس يقول: الله في السماء وعلمه في كل مكان..

وروى عبد الله بن أحمد وغيره بأسانيد صحيحة عن عبد الله [ ص: 416 ] ابن المبارك أنه قيل له: بماذا نعرف ربنا؟ قال: بأنه فوق سمواته على عرشه، بائن من خلقه، ولا نقول كما تقول الجهمية إنه هاهنا، وكذلك قال الإمام أحمد وغيره.

وقال الإمام أبو عبد الله البخاري صاحب الجامع [ ص: 417 ] الصحيح في كتاب خلق الأفعال، باب ما ذكر أهل العلم للمعطلة الذين يريدون أن يبدلوا كلام الله، قال: وقال وهب بن جرير: الجهمية الزنادقة إنما يريدون أنه ليس على العرش استوى.

قال: وقال حماد بن زيد: القرآن كلام الله نزل به جبريل، ما يجادلون إلا أنه ليس في السماء إله.

[ ص: 418 ] قال: وقال ابن المبارك: لا نقول كما قالت الجهمية إنه في الأرض هاهنا بل على العرش استوى، وقيل له: كيف نعرف ربنا، قال: فوق سمواته على العرش، وقال لرجل منهم: أتظنك خال منه؟ فبهت الآخر وقال: من قال (لا إله إلا هو) مخلوق فهو كافر، وإنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية.

التالي السابق


الخدمات العلمية