الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 44 ] سورة والنجم

                                                                                                                                                                                                                                      وتسمى أيضا سورة - النجم - بدون واو وهي «مكية » على الإطلاق ، وفي الإتقان استثنى منها الذين يجتنبون إلى اتقى [النجم : 32]، وقيل : أفرأيت الذي تولى [النجم : 33] الآيات التسع ، ومن الغريب حكاية الطبرسي عن الحسن أنها مدنية . ولا أرى صحة ذلك عنه أصلا ، وآيها اثنتان وستون آية في الكوفي ، وإحدى وستون في غيره ، وهي كما أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود أول سورة أعلن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بقراءتها فقرأها في الحرم والمشركون يسمعون.

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عنه قال : «أول سورة أنزلت فيها سجدة «والنجم » فسجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وسجد الناس كلهم إلا رجلا رأيته أخذ كفا من تراب فسجد عليه فرأيته بعد ذلك قتل كافرا » وهو أمية بن خلف ، وفي البحر أنه عليه الصلاة والسلام سجد وسجد معه المؤمنون والمشركون والجن والإنس غير أبي لهب فإنه رفع حفنة من تراب وقال : يكفي هذا ، فيحتمل أنه وأمية فعلا كذلك ، وهي شديدة المناسبة لما قبلها فإن الطور ختمت بقوله تعالى : ( إدبار النجوم ) [الطور : 49] وافتتحت هذه بقوله سبحانه : «والنجم » وأيضا في مفتتحها ما يؤكد رد الكفرة فيما نسبوه إليه صلى الله تعالى عليه وسلممن التقول والشعر والكهانة والجنون ، وذكر أبو حيان أن سبب نزولها قول المشركين : إن محمدا عليه الصلاة والسلام يختلق القرآن ، وذكر الجلال السيوطي في وجه مناسبتها أن الطور فيها ذكر ذرية المؤمنين وأنهم تبع لآبائهم وهذه فيها ذكر ذرية اليهود في قوله تعالى : هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم [النجم : 32] الآية

                                                                                                                                                                                                                                      فقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبري وأبو نعيم في المعرفة والواحدي عن ثابت بن الحارث الأنصاري «قال : كانت اليهود إذا هلك لهم صبي صغير قالوا هو صديق فبلغ ذلك النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال : كذبت يهود ما من نسمة يخلقها الله في بطن أمها إلا أنه شقي أو سعيد فأنزل الله تعالى عند ذلك هو أعلم بكم الآية كلها » وأنه تعالى لما قال هناك في المؤمنين : ألحقنا بهم ذريتهم [الطور : 21] إلخ قال سبحانه هنا في الكفار ، أو في الكبار : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى [النجم : 39] خلاف ما دخل في المؤمنين الصغار ، ثم قال : وهذا وجه بديع في المناسبة من وادي التضاد ، وفي صحة كون قوله تعالى : هو أعلم بكم الآية نزل لما ذكر نظر عندي ، وكون قوله تعالى ألحقنا بهم ذريتهم في الصغار لم يتفق عليه المفسرون كما سمعت غير بعيد ، نعم من تأمل ظهر له وجوه من المناسبات غير ما ذكر فتأمل .

                                                                                                                                                                                                                                      بسم الله الرحمن الرحيم والنجم إذا هوى أقسم سبحانه بجنس النجم المعروف على ما روي عن الحسن ومعمر بن المثنى ، ومنه قوله :


                                                                                                                                                                                                                                      فباتت تعد النجم في مستحيرة سريع بأيدي الآكلين جمودها



                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى ( هوى ) غرب ، وقيل : طلع يقال هوى يهوي كرمى يرمي هويا بالفتح في السقوط والغروب لمشابهته له وهويا بالضم للعلو ، والطلوع ، وقيل : الهوى بالفتح للإصعاد والهوى بالضم للانحدار وقيل : الهوى بالفتح والضم للسقوط ويقال أهوى بمعنى هوى ، وفرق بعض اللغويين بينهما بأن هوى إذا انقض لغير صيد ، وأهوى [ ص: 45 ] إذا انقض له ، وقال الحسن وأبو حمزة الثمالي : أقسم سبحانه بالنجوم إذا انتثرت في القيامة ، وعن ابن عباس في رواية أقسم عز وجل بالنجوم إذا انقضت في إثر الشياطين ، وقيل : المراد بالنجم معين فقال مجاهد وسفيان : هو الثريا فإن النجم صار علما بالغلبة لها ، ومنه قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : «إذا طلع النجم صباحا ارتفعت العاهة » وقول العرب : - طلع النجم عشاء فابتغى الراعي كساء ، طلع النجم غدية فابتغى الراعي كسية - وفسر هويها بسقوطها مع الفجر ، وقيل : هو الشعرى المرادة بقوله تعالى : وأنه هو رب الشعرى [النجم : 49] والكهان يتكلمون على المغيبات عند طلوعها ، وقيل : الزهرة وكانت تعبد ، وقال ابن عباس ومجاهد والفراء ومنذر بن سعيد : ( النجم ) المقدار النازل من القرآن على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، ( وإذا هوى ) بمعنى إذا نزل عليه مع ملك الوحي جبريل عليه السلام ، وقال جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه : هو النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وهويه نزوله من السماء ليلة المعراج ، وجوز على هذا أن يراد بهويه صعوده وعروجه عليه الصلاة والسلام إلى منقطع الأين ، وقيل : هو الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، وقيل : العلماء على إرادة الجنس ، والمراد بهويهم قيل : عروجهم في معارج التوفيق إلى حظائر التحقيق . وقيل : غوصهم في بحار الأفكار لاستخراج درر الأسرار . وأظهر الأقوال القول بأن المراد بالنجم جنس النجم المعروف بأن أصله اسم جنس لكل كوكب ، وعلى القول بالتعيين فالأظهر القول بأنه الثريا ، ووراء هذين القولين القول بأن المراد به المقدار النازل من القرآن ، وفي الإقسام بذلك على نزاهته عليه الصلاة والسلام عن شائبة الضلال والغواية من البراعة البديعة وحسن الموقع ما لا غاية وراءه ، أما على الأولين فلأن النجم شأنه أن يهتدي به الساري إلى مسالك الدنيا كأنه قيل : ( والنجم ) الذي تهتدي به السابلة إلى سواء السبيل.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية