الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ برك ]

                                                          برك : البركة : النماء والزيادة . والتبريك : الدعاء للإنسان أو غيره بالبركة . يقال : بركت عليه تبريكا ، أي قلت له بارك الله عليك . وبارك الله الشيء وبارك فيه وعليه : وضع فيه البركة . وطعام بريك : كأنه مبارك . وقال الفراء في قوله : رحمة الله وبركاته عليكم ، قال : البركات السعادة ، قال أبو منصور : وكذلك قوله في التشهد : السلام عليك أيها النبي - صلى الله عليه وسلم - ورحمة الله وبركاته ، لأن من أسعده الله بما أسعد به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد نال السعادة المباركة الدائمة . وفي حديث الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - : وبارك على محمد وعلى آل محمد ، أي أثبت له وأدم ما أعطيته من التشريف والكرامة ، وهو من برك البعير إذا أناخ في موضع فلزمه ، وتطلق البركة أيضا على الزيادة ، والأصل الأول . وفي حديث أم سليم : فحنكه وبرك عليه ، أي دعا له بالبركة . ويقال : بارك الله لك وفيك وعليك وتبارك الله أي بارك الله مثل قاتل وتقاتل ، إلا أن ( فاعل ) يتعدى و ( تفاعل ) لا يتعدى ، وتبركت به أي تيمنت به . وقوله تعالى : أن بورك من في النار ومن حولها ; التهذيب : النار نور الرحمن ، والنور هو الله ، تبارك وتعالى ، و ( من حولها ) موسى والملائكة . وروي عن ابن عباس : أن بورك من في النار ; قال : الله تعالى ومن حولها الملائكة . الفراء : إنه في حرف أبي : أن بوركت النار ومن حولها ، قال : والعرب تقول : باركك الله وبارك فيك ، قال الأزهري : معنى بركة الله علوه على كل شيء ، وقال أبو طالب بن عبد المطلب :


                                                          بورك الميت الغريب ، كما بورك نضح الرمان والزيتون .



                                                          وقال :


                                                          بارك فيك الله من ذي أل .



                                                          وفي التنزيل العزيز : وباركنا عليه . وقوله : بارك الله لنا في الموت ; معناه بارك الله لنا فيما يؤدينا إليه الموت ; وقول أبي فرعون :


                                                          رب عجوز عرمس زبون     سريعة الرد على المسكين .
                                                          تحسب أن بوركا يكفيني     إذا غدوت باسطا يميني .



                                                          جعل ( بورك ) اسما وأعربه ، ونحو منه قولهم : من شب إلى دب ; جعله اسما كدر وبر وأعربه . وقوله تعالى ، يعني القرآن : إنا أنزلناه في ليلة مباركة ; يعني ليلة القدر نزل فيها جملة إلى السماء الدنيا ثم نزل على سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا بعد شيء . وطعام بريك : مبارك فيه . وما أبركه : جاء فعل التعجب على نية المفعول . وتبارك الله : تقدس وتنزه وتعالى وتعاظم ، لا تكون هذه الصفة لغيره ، أي تطهر . والقدس : الطهر . وسئل أبو العباس عن تفسير ( تبارك الله ) فقال : ارتفع . والمتبارك : المرتفع . وقال الزجاج : تبارك تفاعل من البركة ، كذلك يقول أهل اللغة . وروى ابن عباس : ومعنى البركة الكثرة في كل خير ، وقال في موضع آخر : تبارك : تعالى وتعاظم ، وقال ابن الأنباري : تبارك الله أي يتبرك باسمه في كل أمر . وقال الليث في تفسير تبارك الله : تمجيد وتعظيم . وتبارك بالشيء : تفاءل به . الزجاج في قوله تعالى : وهذا كتاب أنزلناه مبارك ; قال : المبارك ما يأتي من قبله الخير الكثير وهو من نعت كتاب ، ومن قال أنزلناه مباركا جاز في غير القراءة . اللحياني : باركت على التجارة وغيرها أي واظبت عليها ، وحكى بعضهم تباركت بالثعلب الذي تباركت به . وبرك البعير يبرك بروكا أي استناخ ، وأبركته أنا فبرك ، وهو قليل ، والأكثر أنخته فاستناخ . وبرك : ألقى بركه بالأرض وهو صدره ، وبركت الإبل تبرك بروكا وبركت : قال الراعي :


                                                          وإن بركت منها عجاساء جلة     بمحنية ، أجلى العفاس وبروعا

                                                          .

                                                          وأبركها هو ، وكذلك النعامة إذا جثمت على صدرها . والبرك : الإبل الكثيرة ; ومنه قول متمم بن نويرة :


                                                          إذا شارف منهن قامت ورجعت     حنينا ، فأبكى شجوها البرك أجمعا

                                                          .

                                                          والجمع البروك ، والبرك جمع بارك مثل تجر وتاجر ، والبرك : جماعة الإبل الباركة ، وقيل : هي إبل الجواء كلها التي تروح عليها ، بالغا ما بلغت وإن كانت ألوفا ; قال أبو ذؤيب :


                                                          كأن ثقال المزن بين تضارع     وشابة برك من جذام ، لبيج

                                                          .

                                                          لبيج : ضارب بنفسه ; وقيل : البرك يقع على جميع ما برك من جميع الجمال والنوق على الماء أو الفلاة من حر الشمس أو الشبع ، الواحد [ ص: 71 ] بارك والأنثى باركة . التهذيب : الليث البرك الإبل البروك اسم لجماعتها ; قال طرفة :


                                                          وبرك هجود قد أثارت مخافتي     بواديها ، أمشي بعضب مجرد

                                                          .

                                                          ويقال : فلان ليس له مبرك جمل . وكل شيء ثبت وأقام ، فقد برك . وفي حديث علقمة : لا تقربهم فإن على أبوابهم فتنا كمبارك الإبل ; وهو الموضع الذي تبرك فيه ، أراد أنها تعدي كما أن الإبل الصحاح إذا أنيخت في مبارك الجربى جربت . والبركة : أن يدر لبن الناقة وهي باركة فيقيمها فيحلبها ; قال الكميت :


                                                          وحلبت بركتها اللبون     لبون جودك غير ماضر

                                                          .

                                                          ورجل مبترك : معتمد على الشيء ملج ; قال :


                                                          وعامنا أعجبنا مقدمه     يدعى أبا السمح وقرضاب سمه
                                                          مبترك لكل عظم يلحمه

                                                          .

                                                          ورجل برك : بارك على الشيء ; عن ابن الأعرابي ; وأنشد :


                                                          برك على جنب الإناء معود     أكل البدان ، فلقمه متدارك

                                                          .

                                                          الليث : البركة ما ولي الأرض من جلد بطن البعير وما يليه من الصدر ، واشتقاقه من مبرك البعير ، والبرك كلكل البعير وصدره الذي يعدوك به الشيء تحته ; يقال : حكه ودكه وداكه ببركه ، وأنشد في صفة الحرب وشدتها :


                                                          فأقعصتهم وحكت بركها بهم     وأعطت النهب هيان بن بيان

                                                          .

                                                          والبرك والبركة : الصدر ، وقيل : هو ما ولي الأرض من جلد صدر البعير إذا برك ، وقيل : البرك للإنسان والبركة لما سوى ذلك ، وقيل : البرك الواحد والبركة الجمع ، ونظيره حلي وحلية ، وقيل : البرك باطن الصدر والبركة ظاهره ، والبركة من الفرس الصدر ، قال الأعشى :


                                                          مستقدم البركة عبل الشوى     كفت إذا عض بفأس اللجام

                                                          .

                                                          الجوهري : البرك الصدر ، فإذا أدخلت عليه الهاء كسرت وقلت : بركة ، قال الجعدي :


                                                          في مرفقيه تقارب ، وله     بركة زور كجبأة الخزم

                                                          .

                                                          وقال يعقوب : البرك وسط الصدر ، قال ابن الزبعرى :


                                                          حين حكت بقباء بركها     واستحر القتل في عبد الأشل

                                                          .

                                                          وشاهد البركة قول أبي دواد :


                                                          جرشعا أعظمه جفرته     ناتئ البركة في غير بدد

                                                          .

                                                          وقولهم : ما أحسن بركة هذه الناقة ! وهو اسم للبروك مثل الركبة والجلسة . وابترك الرجل أي ألقى بركه . وفي حديث علي بن الحسين : وابترك الناس في عثمان أي شتموه وتنقصوه . وفي حديث علي : ألقت السحاب برك بوانيها ، البرك الصدر ، والبواني أركان البنية . وابتركته إذا صرعته وجعلته تحت بركك . وابترك القوم في القتال : جثوا على الركب واقتتلوا ابتراكا ، وهي البروكاء والبراكاء . والبراكاء : الثبات في الحرب والجد ، وأصله من البروك ، قال بشر بن أبي خازم :


                                                          ولا ينجي من الغمرات إلا     براكاء القتال ، أو الفرار

                                                          .

                                                          والبراكاء : ساحة القتال . ويقال في الحرب : براك براك أي ابركوا . والبراكية : ضرب من السفن . والبرك والباروك : الكابوس وهو النيدلان ، وقال الفراء : بركاني ولا يقال برنكاني . وبرك الشتاء : صدره ، قال الكميت :


                                                          واحتل برك الشتاء منزله     وبات شيخ العيال يصطلب

                                                          .

                                                          قال : أراد وقت طلوع العقرب ، وهو اسم لعدة نجوم ، منها : الزبانى والإكليل والقلب والشولة ، وهو يطلع في شدة البرد ، ويقال لها : البروك والجثوم يعني العقرب ، واستعار البرك للشتاء أي حل صدر الشتاء ومعظمه في منزله ، يصف شدة الزمان وجدبه لأن غالب الجدب إنما يكون في الشتاء . وبارك على الشيء : واظب . وأبرك في عدوه : أسرع مجتهدا ، والاسم البروك ، قال :


                                                          وهن يعدون بنا بروكا

                                                          .

                                                          أي تجتهد في عدوها . ويقال : ابترك الرجل في عرض أخيه يقصبه إذا اجتهد في ذمه ، وكذلك الابتراك في العدو والاجتهاد فيه ، ابترك أي أسرع في العدو وجد ، قال زهير :


                                                          مرا كفاتا ، إذا ما الماء أسهلها     حتى إذا ضربت بالسوط تبترك

                                                          .

                                                          وابتراك الفرس : أن ينتحي على أحد شقيه في عدوه . وابترك الصيقل : مال على المدوس في أحد شقيه . وابتركت السحابة : اشتد انهلالها . وابتركت السماء وأبركت : دام مطرها . وابترك السحاب إذا ألح بالمطر . وابترك في عرض الحبل : تنقصه . ابن الأعرابي : الخبيص يقال له : البروك ليس الربوك . وقال رجل من الأعراب لامرأته : هل لك في البروك ؟ فأجابته : إن البروك عمل الملوك ، والاسم منه البريكة ، وعمله البروك ، وأول من عمل الخبيص عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وأهداها إلى أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأما الربيكة فالحيس . وروى إبراهيم عن ابن الأعرابي أنه أنشد لمالك بن الريب :


                                                          إنا وجدنا طرد الهوامل     والمشي في البركة والمراجل

                                                          .

                                                          قال : البركة جنس من برود اليمن ، وكذلك المراجل . والبركة : [ ص: 72 ] الحمالة ورجالها الذين يسعون فيها ، قال :


                                                          لقد كان في ليلى عطاء لبركة     أناخت بكم ترجو الرغائب والرفدا

                                                          .

                                                          ليلى هنا ثلثمائة من الإبل ; كما سموا المائة هندا ، ويقال للجماعة يتحملون حمالة : بركة وجمة ، ويقال : أبركت الناقة فبركت بروكا ، والتبراك : البروك ; قال جرير :


                                                          لقد قرحت نغانغ ركبتيها     من التبراك ، ليس من الصلاة

                                                          .

                                                          وتبراك ، بكسر التاء : موضع بحذاء تعشار ; قال مرار بن منقذ :


                                                          أعرفت الدار أم أنكرتها     بين تبراك فشسي عبقر ؟



                                                          والبركة : كالحوض ، والجمع البرك ; يقال : سميت بذلك لإقامة الماء فيها . ابن سيده : والبركة مستنقع الماء . والبركة : شبه حوض يحفر في الأرض لا يجعل له أعضاد فوق صعيد الأرض ، وهو البرك أيضا ; وأنشد :


                                                          وأنت التي كلفتني البرك شاتيا     وأوردتنيه ، فانظري ، أي مورد .



                                                          ابن الأعرابي : البركة تطفح مثل الزلف ، والزلف وجه المرآة . قال أبو منصور : ورأيت العرب يسمون الصهاريج التي سويت بالآجر وضرجت بالنورة في طريق مكة ومناهلها بركا ، واحدتها بركة ; قال : ورب بركة تكون ألف ذراع وأقل وأكثر ، وأما الحياض التي تسوى لماء السماء ولا تطوى بالآجر فهي الأصناع ، واحدها صنع . والبركة الحلبة من حلب الغداة . قال ابن سيده : وهي البركة ، ولا أحقها ، ويسمون الشاة الحلوبة : بركة . والبروك من النساء : التي تتزوج ولها ولد كبير بالغ . والبراك : ضرب من السمك بحري سود المناقير . والبركة ، بالضم : طائر من طير الماء أبيض ، والجمع برك وأبراك وبركان ، قال : وعندي أن أبراكا وبركانا جمع الجمع . والبرك أيضا : الضفادع ، وقد فسر به بعضهم قول زهير يصف قطاة فرت من صقر إلى ماء ظاهر على وجه الأرض :


                                                          حتى استغاثت بماء لا رشاء له     من الأباطح ، في حافاته البرك

                                                          .

                                                          البركان : ضرب من دق الشجر ، واحدته بركانة ; قال الراعي :


                                                          حتى غدا حرضا طلى فرائصه     يرعى شقائق من علقى وبركان

                                                          .

                                                          وقيل : هو ما كان من الحمض وسائر الشجر لا يطول ساقه . والبركان : من دق النبت وهو الحمض ، قال الأخطل وأنشد بيت الراعي ، وذكر أن صدره :


                                                          حتى غدا حرضا هطلى فرائصه .



                                                          والهطلى : واحده هطل ، وهو الذي يمشي رويدا . وواحد البركان بركانة ، وقيل : البركان نبت ينبت قليلا بنجد في الرمل ظاهرا على الأرض ، له عروق دقاق حسن النبات ، وهو من خير الحمض ; قال :


                                                          بحيث التقى البركان والحاذ والغضا     ببئشة ، وارفضت تلاعا صدورها .



                                                          وفي رواية : وارفضت هراعا ، وقيل : البركان ضرب من شجر الرمل ; وأنشد بيت الراعي :


                                                          حتى غدا حرضا هطلى فرائصه .



                                                          أبو زيد : البورق والبورك الذي يجعل في الطحين . والبريكان : أخوان من العرب ، قال أبو عبيدة : أحدهما بارك والآخر بريك ، فغلب بريك إما للفظه وإما لسنه وإما لخفة اللفظ . وذو بركان : موضع ; قال بشر بن أبي خازم :


                                                          تراها إذا ما الآل خب كأنها     فريد ، بذي بركان ، طاو ملمع .



                                                          وبرك : من أسماء ذي الحجة ، قال :


                                                          أعل على الهندي مهلا وكرة     لدى برك ، حتى تدور الدوائر .



                                                          وبرك مثال قرد : اسم موضع بناحية اليمن ، قال ابن بري : وبرك الغماد موضع باليمن . ويقال : الغماد والغماد ، بالكسر والضم ، وقيل : إن الغماد برهوت الذي جاء في الحديث : أن أرواح الكافرين فيه ، وحكى ابن خالويه عن ابن دريد أن برك الغماد بقعة في جهنم . ويروى أن الأنصار - رضي الله عنهم - قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله - إنا ما نقول لك مثل ما قال قوم موسى لموسى : اذهب أنت وربك فقاتلا ; بل بآبائنا نفديك وأمهاتنا يا رسول الله ، ولو دعوتنا إلى برك الغماد ; وأنشد ابن دريد لنفسه :


                                                          وإذا تنكرت البلا     د ، فأولها كنف البعاد
                                                          واجعل مقامك ، أو مقر     رك جانبي برك الغماد
                                                          كل الذخائر ، غير تق     وى ذي الجلال ، إلى نفاد .



                                                          وفي حديث الهجرة : لو أمرتها أن تبلغ بها برك الغماد ، بفتح الباء وكسرها ، وتضم الغين وتكسر ، وهو اسم موضع باليمن ، وقيل : هو موضع وراء مكة بخمس ليال .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية